غزة: سامي أبو سالم- إذاعة هولندا العالمية/ غزة جديدة، تلك التي رآها الأطفال بعيونهم، تختلف عن "الستيريو تايب" الذي عهدته هذه المدينة منذ عقود أو خلال العقد المنصرم، وبدت وكأنها مدينة مختلفة أو هكذا يأمل الأطفال رؤيتها. "غزة في عيون أطفالها" معرض فوتوغرافيا وفيديو آرت افتتحه "مُحتَرف شبابيك للفن المعاصر" في مدينة غزة لتسعة عشر طفلاً تلقوا ورشة عمل لمدة ستة أسابيع بتمويل من مؤسسة أطفال الحرب- هولندا WAR CHILD HOLLAND".احتضن المعرض بين جنباته خمسين صورة فوتوغرافية وخمسة أعمال فيديو آرت أنجزها الأطفال بشكل فردي أو بالتعاون بين بعضهم بعد عدة محاولات تطبيقية تعثروا فيها مراراً لليونة أظفارهم المهنية. بيد أن بعض مهارات التصوير بدت بارزة في صور الأطفال، التركيز على تكامل الأوان واللعب على وتر الإضاءة ومهارة "اللقطة الحاسمة" ""decisive moment ونظام التثليث طبقها المتدربون الصغار في صورهم.وبدت غزة التي رآها الأطفال وكأنها غير تلك التي اعتاد النظارة رؤيتها على شاشات التلفزة وفي الصحف والمواقع على الشبكة العنكبوتية. في الصور الفوتوغرافية غاب أزيز الطائرات ورائحة الموت والدم وغبار الدمار، لتحل محلها ابتسامات أطفال يلعبون ويمارسون طفولتهم بشكل أشبه بالطبيعي. فجمانة شعبان (14 عاماً) نقلت بعدستها طفلاً يلهو بالـ"بلاي ستيشن" داخل منزله، ومحمد أبو عيشة التقط صورة لأطفال يلعبون كرة القدم في ملعب "أسفلتي" ببدلاتهم الرياضية. أما الفتاة كاريمان المشهراوي فيبدو انها فُتنت بالإضاءة التي سقطت على طفلة تداعب "الباندا" في المساء، لكن الطفلة سلمى المدهون فضلت أن تسلط عدستها على أطفال اكتظت بهم أرجوحة بدت يتيمة.وكان لبحر غزة نصيب وقع عليه عيون الأطفال، فدينا أحمد طبقت نظرية "التثليث" على البر والبحر والماء في صورة لبحر غزة تتوسطه مراكب الصيادين، رافقتها حنين نجم التي التقطت صوراً لأطفال يلهون بأدوات الصيادين، وسوق السمك. بيد أن ذلك لا يعني الغياب الكامل للقطات تنقل طعماً آخر من غزة سيما في أعمال الفيديو آرت، فضياء ابو فنونة (14 عاما) نقل عمالة الأطفال من خلال تركيز عدسة الكاميرا عبر تقنية اللقطة السائرة "traveling shot" على سوق الزاوية الشهير في غزة، مسلطاً الضوء على بائعي الدمى والسجائر المتنقلين.أما عبد الرحمن المدهون وأسماء بشير فنقلا بقايا الحرب، فالمدهون جسد علم فلسطين بلقطة فنية لجزء من دمار فيما نقلت بشير الإصرار على الحياة عبر تتبع أماكن تعرضت للقصف وتم إحيائها من جديد. وقالت الطفلة مجد المشهراوي (13عاما)، إحدى المتدربات، لإذاعة هولندا الدولية "كنا نلتقط صور عشوائية والمهم أن نأخذ شكلا، لكن الآن وبعد دورة لمدة 6 أسابيع التقطت هذه الصورة لإخوتي فقبل الدورة كانت الصورة فارغة أما بعد الدورة فالصورة الآن جميلة."بجانب صورة ممتلئة لأطفال يلعبون على أرجوحة وقفت سلمى المدهون (8أعوام) وقالت: "في الدورة صرت أحب التصوير واكتشفت انو هوايتي التصوير،تعلمت اترك مساحات، وإذا كان في اثنين جنب بعض أن يكونوا متقاربين."أما الطفلة جمانة شعبان (10 أعوام) فقالت: "تعلمنا كيف نخلي في مسافات وفراغات حلوة في الصورة وكيف نستغل ألوان الأشياء في الدار والشارع". وفي حديث لإذاعة هولندا الدولية قال الفنان باسل المقوسي، منسق المشروع، "إن المحترف انتقى الأطفال بعد سلسلة من ورشات العمل تم خلالها انتقاء من يُعتقد بأنه من الممكن تطوير مهاراتهم الفنية في الفيديو آرت والفوتوغراف في إطار تعزيز ثقافة حقوق الطفل التي اتفقت فيها الأطراف على تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها."وأشار المقوسي إلى أن إحدى العثرات التي قابلت المشروع هو أن المتدربين ركزوا في جولتهم التدريبية العملية الأولى على تصوير البيوت المهدمة وبعض من آثار الحرب. وأضاف المقوسي أن المشروع قادهم إلى مساحات أخرى ليكتشفوا من خلالها الجمال، والهدف الأسمى من ذلك هو الابتعاد بهم نفسياً عن آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة التي مازالت آثارها باقية في وجدانهم.وكانت إسرائيل شنت أواخر كانون أول 2008 عملية "الرصاص المصبوب" على غزة استمرت 22 يوم قُتل فيها ما يزيد عن 1400 فلسطيني منهم 300 طفل ودُمر ما يزيد عن 4000 مبنى وفقاً لإحصاءات فلسطينية. من جانبه قال الفنان شريف سرحان، أحد المدربين، إن الأطفال حضروا عدة محاضرات نظرية عن تاريخ وأسس الفوتوغرافيا والفيديو آرت ثم اطلعوا على صور وأعمال فيديو تم مناقشتها معهم قبل انطلاقهم للتدريب العملي.وأشار إلى أنه ومن خلال المشروع تم توجيههم للتركيز على قضايا لها علاقة بحقوق الطفل في اللعب والتعليم والحياة الآمنة، بيد إن شح الأماكن العامة كان بالفعل عائقاً أمامهم ما اضطر بعضهم لتصوير إخوتهم وأهلهم في البيت. ولفت سرحان أن من أهم انجازات المشروع هو كسر الحاجز النفسي بين الأطفال والكاميرا وباتوا لا يهابون استخدامها وكانت للمدربين محاولة صقل مهارتهم في كشف الأشياء الجميلة، مشيراً إلى أنه "من الممكن أن يكون في المستقبل أحدهم مصوراً محترفاً أو مخرج أفلام وثائقية وهذا ليس ببعيد".