إقالة غالانت بين روايتين.. معركة بين نتنياهو وخصومه على وعي الإسرائيليين

الأربعاء 06 نوفمبر 2024 03:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
إقالة غالانت بين روايتين.. معركة بين نتنياهو وخصومه على وعي الإسرائيليين



القدس المحتلة/سما/

في التزامن مع حدث درامي في الولايات المتحدة، تشهد إسرائيل، منذ الليلة الفائتة، حدثًا عاصفًا، بعد إقدام رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو على إقالة وزير الأمن فيها، يوآف غالانت.

وبخلاف المرة السابقة، تبدو عملية الإطاحة نهائية هذه المرة، وتترتب عليها تبعات وانعكاسات على الحرب، وعلى وحدة الإسرائيليين، المتشظية أصلًا.

فور الإعلان المفاجئ في توقيته، تجدّدت المعركة على وعي الإسرائيليين من ناحية دوافع واعتبارات الإطاحة؛ فقد سارع نتنياهو وأبواقه للدفع برواية مفادها أن مردَّ هذه الخطوة أزمة ثقة، وخلاف مبدئي على إدارة الحرب وسلّم أولوياتها، ومنها ترشح أن غالانت، وبخلاف بقية مكونات الحكومة ورئيسها، ليس ملائمًا للمهمة التاريخية الحالية، ولا يتمتع بقدر كافٍ من الوطنية الإسرائيلية، مستبعدين الحسابات السياسية الفئوية الحقيقية خلف القرار.

في نطاق هذه الرواية المزعومة، جاء من مكتب نتنياهو أن غالانت عارضَ الدخول إلى رفح بسبب ضغوط الولايات المتحدة، وعارض مطلب نتنياهو بتصفية نصر الله، ومطالب أخرى تتعلق بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وتوزيع المساعدات الإنسانية، وسعى للتوصل لتسوية في لبنان، بدون المساس بقدرات “حزب الله”.

 في المقابل، سارع غالانت لكشف الأوراق، والتأكيد على رواية مغايرة، بل معاكسة مفادها أن إقالته جاءت نتيجة حسابات سياسية شخصية في ذروة حرب وتهديدات حقيقية من اتجاهات مختلفة، ما يعكس صورة بشعة لنتنياهو وأركان ائتلافه.

 في كلمة للإسرائيليين، وبعد ساعتين من الكشف عن الإطاحة، قال غالانت ما معناه أن دوافعها خلافات بشأن قانون التجنيد، إتمام الصفقة العالقة، واستعادة المخطوفين، ومطالبته بلجنة تحقيق رسمية.

 يُشار إلى أن نتنياهو بادر إلى إقالة غالانت في المرة الأولى في مارس/آذار 2023 على خلفية مناهضته لـ “الانقلاب القضائي”، وتحذيره من أن الاستمرار به يضعف إسرائيل، وينال من هيبتها وقوة ردعها، ويدفع أعداءها للتجرؤ عليها، لكن نتنياهو اضطر للتراجع عن قراره نتيجة ضغط الإسرائيليين الذين خرجوا بأعداد كبيرة إلى الشوارع محتجين ومطالبين بإلغاء الإطاحة.

 بدوره، وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد قرار نتنياهو بأنه “جنوني”، وقال إن إقالة غالانت في خضم الحرب عمل جنوني، ونتنياهو يبيع أمن إسرائيل وجنود الجيش من أجل بقائه السياسي.

وقال رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ إن آخر شيء تحتاجه إسرائيل الآن هو الاضطراب والانقسام وسط الحرب، داعيًا لوضع أمن إسرائيل فوق كل اعتبار آخر.

وشجبت “الحركة من أجل جودة الحكم” إقالة غالانت، ووصفتها بـ “مساس خطير بالأمن القومي” في خضم الحرب، وأنها تنجم عن دوافع سياسية لنتنياهو، داعية المستشارة القانونية للحكومة لفحص قانونية القرار.

وأكد منتدى عائلات المحتجزين أن الإقالة تنم عن محاولة لضرب مساعي استعادة أقاربهم وحكم إعدام عليهم، داعين الإسرائيليين للاحتجاج والتظاهر.

 يُشار إلى أن آلافًا من الإسرائيليين قد خرجوا للشوارع، ليلة البارحة، لكن بأقلّ مما كان يوم خرجوا للتظاهر احتجاجًا على الإقالة الأولى عام 2023، بيد أن الاحتجاجات مرشحة اليوم، وفي الأيام القادمة، للمزيد من التصعيد، حتى وإن بدا نتنياهو مصممًا على قراره هذه المرة، لا سيّما أن لديه رغبة بالمزيد من خطوات تالية، منها استبدال قادة المؤسسة الأمنية لإدارة الحرب كما يراها، والاحتفاظ بأوراق تساعده أمام احتمالات تشكيل لجنة تحقيق رسمية، علاوة على الحفاظ على ائتلافه بالمزيد من الرضوخ، وتلبية شروط ومطالب شركائه في الائتلاف الحاكم من اليهود الأرثوذوكس (الحريديم)، من ناحية تمويل مؤسساتهم التعليمية، وتأمين عدم خدمتهم في الجيش.

في نظرة عامة، يبدو أن الحريديم (13% من الإسرائيليين) نجحوا هم في هذا القرار بالإطاحة بمن كان يرغب بفرض الخدمة العسكرية عليهم، وسط استغلال حاجة نتنياهو لهم للبقاء في سدة الحكم.

مثل هذه الحالة دفعت الكثير من المراقبين لشن حملة شديدة على نتنياهو وحكومته، بلغت مدى بعيداً لدى المحلل البارز ناحوم بارنياع، الذي قال، في مقال بعنوان “موت الديموقراطية”، مخاطبًا الإسرائيليين: “صباح الخير، مواطني إسرائيل؛ أنتم الآن تعيشون في ديموقراطية سابقًا، فإسرائيل لم تعد كما كانت، فالديموقراطيات تموت بالتدريج، وبالضربات المتتالية، وليس بالضرورة من خلال ضربة واحدة أو مذبحة واحدة”.

من جهته، قال محلل الشؤون السياسية يوسي فرطر، ضمن مقال بعنوان “إصابة مباشرة”، في صحيفة “هآرتس”، إن نتنياهو بهذه الخطوة صرف النظر عن ورطته الشخصية المتمثلة بمحاكمات الفساد، معتبرًا أن هذا هو الهدف الحقيقي لنتنياهو في فترة الحرب، فهو يسعى للبقاء في الحكم حتى نهاية ولايته في 2026.

ويكتب زميله في “هآرتس”، المحلل العسكري عاموس هارئيل، تحت عنوان “خطر أمني” حقيقي على الدولة، داعيًا رؤساء الأمن لاتخاذ موقف، متسائلًا: هل يستسلمون للإطاحة؟

وتبعه المحلل في الشؤون العسكرية في موقع “واينت” رون بن يشاي، الذي يقول إن نتنياهو، منذ الآن، سيصلح وزير أمن أيضًا، مرجحًا بالتالي أن تستمر الحرب وتطول أكثر.

مؤكدًا أن يسرائيل كاتس لا يستطيع أن يكون وزيرًا للأمن لقلّة كفاءته. وهذا ما يشير له رسم كاريكاتير ساخر تنشره “يديعوت أحرونوت”، وفيه يبدو كاتس على ظهر دبابة يقودها بالمعكوس، وقبالته نتنياهو يصفق له، فيما يغادر غالانت وهو يبدو مصابًا وجريحًا.