نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعدّه إريك لاندلر قال فيه إن إسرائيل هي التي باتت تتخذ القرارات، إن لم يكن هي التي تتحكّم بزمام الأمور في الشرق الأوسط، أما الولايات المتحدة، فدورها بات أقلّ.
وقال إن أمريكا، التي كانت تعتبر اللاعب الرئيسي والمهيمن في المنطقة، أصبح تأثيرها محدوداً. وقال إنه مع انقشاع غبار الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، انكشف للمحللين والدبلوماسيين أمرٌ واحدٌ، وهو أن إسرائيل، للأحسن والأسوأ، هي التي باتت تُملي الأحداث في الشرق الأوسط. أما الولايات المتحدة فقد تَحوّلَ دورها لرجل ينتظر في الجناح، حيث تخوض حليفتها حرباً على عدة جبهات. ويعتبر هذا تحولاً محورياً، سواء في ساحات المعارك في العراق، أو في المنتجع الرئاسي في كامب ديفيد، حيث ظلت الولايات المتحدة تنظر لنفسها على أنها لاعبٌ محوريّ يتحرك بجرأة، وإن لم يكن بنجاح في معظم الأحيان، وتغير مسار المنطقة وتاريخها القاتل.
ويضيف لاندلر أن إسرائيل تطلق العنان للهجمات ضد أعدائها، بمن فيهم “حزب الله” في لبنان، و”حماس” في غزة، وداعمتهما إيران، حيث يجد الرئيس جو بايدن تأثيره محدوداً جداً، وأصبحت مهمته هي القيام بعملية تنظيف دبلوماسية، بدلاً من كونه صانعَ سلام عظيماً، أو قائد حروب مثل سابقيه من الرؤساء.
ويتحدث المسؤولون الأمريكيون عن بعض الجهود التي أظهرت فيها الولايات المتحدة تأثيراً، مثل استجابة إسرائيل للمطالب الأمريكية بعدم ضرب مواقع تخصيب اليورانيوم الإيرانية، أو منشآت إنتاج النفط في إيران، في ردّها على الهجمات الصاروخية، بداية الشهر الحالي.
إلا أن الإدارة فشلت في جهود أهم، ولم تحقق أي اختراقات دبلوماسية في الجهود الأكثر طموحاً، مثل المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع “حماس” في غزة، حيث فشلت حتى الآن.
ولم تقترح الولايات المتحدة بعد، ناهيك عن تنفيذها، خطةً شاملة تنشل الشرق الأوسط من حرب إقليمية كارثية. وليس لديها أيّ تأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ضاعف من النزاع مع “حزب الله” وإيران، وواصلَ الحرب في غزة على الرغم من مقتل زعيم “حماس”، يحيى السنوار.
وتقول الصحيفة إن نتنياهو يحاول الاستفادة من زخم هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لهزيمة أعداء إسرائيل. ويرى المدافعون عن إسرائيل في جهوده فرصة لا تتوفر إلا في أجيال، ويتم من خلالها إعادة المشهد في منطقة مضطربة. أما النقاد فيرون أن إسرائيل تعمل على تصعيد النزاع بدون خطة لما سيأتي بعد الحرب.
ويقول ولي نصر، الذي عمل في إدارة باراك أوباما، ويعمل الآن أستاذاً بجامعة جونز هوبكنز: “حدث انفصال بات فيه الشريك الأصغر في التحالف يملك رؤية أكبر، فيما تُرك الشريك الأكبر في وضع للرد على الأحداث”، مضيفاً: “وهذا مكان ليس من الجيد للولايات المتحدة أن تكون فيه”.
وتعلق الصحيفة أن الخصوم الكبار للولايات المتحدة، مثل الصين وروسيا، يراقبون الوضع، وعدم قدرة الولايات المتحدة للسيطرة على إسرائيل أو احتواء نزاع في الشرق الأوسط، كما يقول نصر. وهو ما يزيد من عزيمة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على سحق أوكرانيا ويعطي الجرأة للرئيس الصيني شي جين بينغ للتحرك ضد تايوان.
وأكثر من هذا، فإن نزاعاً واسعاً في الشرق الأوسط قد يجرّ الولايات المتحدة في النهاية إليه، وهي متورطة فعلياً، من خلال نشر حاملات طائرات في البحر الأبيض المتوسط لردع كلٍ من “حزب الله” وإيران، كما نشرت وحدات كوماندوز لمساعدة إسرائيل في البحث عن الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس”، وقتل قادة الحركة، وكذا ساعدت إسرائيل على إسقاط الصواريخ الإيرانية. ويعلق نصر أن “جوهر الافتراض الإسرائيلي هو أن الولايات المتحدة ستتولى الحرب في حالة اندلاع نزاع إقليمي واسع” و”تمشي الولايات المتحدة مثل النائم إلى نزاع بالشرق الأوسط”.
وأشارت الصحيفة إلى مظاهر عدم اليقين التي تمليها الانتخابات الأمريكية، حيث دارت حملاتها على خلفية النزاع في الشرق الأوسط. وقد قامت إسرائيل بهجماتها الانتقامية ضد إيران، قبل عشرة أيام تقريباً من الانتخابات الرئاسية المتقاربة بين مرشحة الديمقراطيين، كامالا هاريس، ومرشح الجمهوريين، الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي الوقت الذي لم تبتعد فيه هاريس عن سياسة بايدن الداعمة، وبثبات، لإسرائيل، إلا أنها اعترفت بأن الدعم هذا قد تسبّب بمشاكل في حملتها الانتخابية.
ولدى ترامب مشاكله مع نتنياهو، والتي تعود إلى انتخابات الرئاسة عام 2020، حيث أغضب الزعيم الإسرائيلي ترامب لتقديمه التهنئة إلى بايدن على فوزه بالانتخابات. لكن ترامب قدّم، في مكالماته الهاتفية مع نتنياهو، وتعليقاته، الدعم الكامل للحملة الإسرائيلية ضد “حماس” و”حزب الله”. وقال، في الأسبوع الماضي، متحدثاً لصحافيين، إن “بايدن يحاول منعه، وربما كان عليه فعل العكس”.
وتقول الصحيفة إن الضربة الإسرائيلية ضد إيران، التي حاولت فيها الاستجابة لاعتبارات الحملة الانتخابية، جاءت لتجنّب تدهور العلاقات مع إدارة قد تترأسها هاريس. ولو فاز ترامب في الانتخابات، فيمكن لإسرائيل القيام بعملية أقسى تستهدف فيها المنشآت النووية والنفطية.
ويقول المحللون إنه في حالة فوز ترامب فسيواصل جهود التطبيع مع الدول العربية، التي بدأها في نهاية ولايته الأولى، والمضي نحو تطبيع العلاقات مع السعودية. لكن الأخيرة لن تتحرك نحو اتفاق مع إسرائيل في ظل استمرار الحرب في غزة، وعدم التحرك نحو مسار حل الدولتين. ولو فازت هاريس، فربما سعت إلى اتباع “نهج متكامل”، ومعالجة المشكلة الإسرائيلية- الفلسطينية، فضلاً عن التركيز على علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب والمسلمين. لكن عجز بايدن عن إحراز الكثير من التقدم لا يبشر بخير.
ويعلق دبلوماسيون أن الولايات المتحدة كانت، من الناحية التاريخية، قادرة على استخدام الحروب والاضطرابات في الشرق الأوسط للدفع نحو التغيير. فقد بذرت حرب 1973 بذور معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، أما الانتفاضة الأولى فقد فتحت الباب أمام اتفاقيات أوسلو، التي وُقّعت في ظلّ إدارة بيل كلينتون. وقال دانييل كيرتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ومصر: “من المؤكد أن هناك لحظة أمل هنا. إذا كنت إسرائيلياً وقمت بإضعاف ثلاثة من أهم أعدائك بشكل خطير، فقد تقول لنفسك: هذه فرصة للتحرك نحو الاستقرار والسلام الإقليميين”. لكن ما يجعل النزاعات الحالية مختلفة عن النزاعات السابقة، هي طبيعة هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وعدم التأكد من طبيعة القيادة في عدّة دول، بما فيها الولايات المتحدة.