رأت مصادر أمنيّة إسرائيليّة، وُصِفَت بالمطلعة جدًا، أنّ دولة الاحتلال تُعاني من عدم وجود إستراتيجيّةٍ بالنسبة للقتال على الجبهتيْن الشماليّة والجنوبيّة، وفي هذا السياق، نقل مُحلِّل الشؤون الاستخباراتيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، روين بيرغمان، عن مصدرٍ أمنيٍّ رفيع المستوى قوله: “إذا لم تتوجّه إسرائيل نحو اتفاقٍ الآن، ومن المُفضّل في الجنوب، لأنّ الاتفاق في الشمال صعب جدًا، فإنّها ستجِد نفسها أمام حرب استنزافٍ خطيرةٍ، ويكفي أنْ يقوم (حزب الله) بإطلاق صاروخيْن ومقذوفةٍ واحدةٍ في اليوم، أوْ أنّها ستضطر للقيام باجتياحٍ بريٍّ واسع النطاق في لبنان، ليس فقط لإنشاء منطقة عزلٍ صغيرةٍ بين القرى الشيعيّة في الجنوب والمستوطنات الإسرائيليّة في الشمال، إنّما من أجل تدمير أقسامٍ من حزب الله، وإقامة منطقةٍ آمنةٍ”.
وأضاف المصدر ذاته: “إذا كان هناك في إسرائيل مَنْ يُريد الدخول في فخّ أوْ كمين الموت المذكور أعلاه، فإنّ الأمل الوحيد المتبقي لنا هو أنْ نجِد المسؤول الذي يمنع حلول هذه الكارثة للدولة العبريّة”، طبقًا لأقواله.
المُحلِّل بيرغمان كشف النقاب، نقلاً عن مصادره الاستخباراتيّة الإسرائيليّة، أنّه في العاشر من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام الفائت 2023، وضع وزير الأمن أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطّةً مدروسةً لاغتيال الأمين العّام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، في مخبأه بالعاصمة اللبنانيّة، بيروت، عندها خرج نتنياهو من غرفة الاجتماعات، وعاد بعد وقتٍ قصيرٍ حيث قال للمُشاركين إنّه تحدث مع الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، وكانت المحادثة قاسية جدًا، لأنّ بايدن ضغط عليه لعدم تنفيذ عملية الاغتيال، ونتيجة لضغط الرئيس الأمريكيّ وتأييد موقفه من قبل الوزيريْن غادي آيزنكوط وبيني غانتس، أمر نتنياهو إعادة المقاتلات الحربيّة التي كان قد أرسلها وزير الحرب، يوآف غالانط.
بيد أنّ المُحلِّل الإسرائيليّ، الذي يعمل أيضًا في صحيفة (نيويورك تايمز)، نقل عن مصادر أمريكيّةٍ وصفها بالوازنة بأنّ “العكس هو الصحيح، نتنياهو هو الذي طلب من بايدن أنْ يضغط عليه”، قالت المصادر، “لأنّه لم يكُنْ يُريد أنْ تُنفّذ عملية اغتيال نصر الله”، على حدّ تعبيرها.
“علاوة على ما ذكر أعلاه، كشف المحلِّل النقاب عن وثيقةٍ سريّةٍ أعدّها رئيس وحدة البحث السابق في شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، الجنرال عميت ساعر، والتي عرضها على المُستوى السياسيّ في الـ 23 من شهر تموز (يوليو) من العام الفائت 2023 والتي جاء فيها أنّه “على مرّ السنوات لاحظت المخابرات الإسرائيليّة ازدياد الثقة لدى حزب الله في مواجهتها مع إسرائيل، وأنّ نصر الله في السنوات الأخيرة تأكّد من أنّه تمكّن من اختراق العقليّة الإسرائيليّة، وعلى نحوٍ خاصٍّ الضغوطات والكوابح التي تُحركها، وأنّه، أيْ نصر الله، ليس معنيًا بحربٍ ضدّ الدولة العبريّة، ولكنّه بات يشعر بالثقة بأنّه قادرٌ على شدّ الحبل دون أنْ يقطعه، وهذا التفكير يقوده إلى اللجوء لمخاطر لم يكُن يجرؤ عليها في الماضي. التقاطع بين المنطق الإيرانيّ للشعور بالثقّة بالنفس لدى نصر الله، خلقت خليطًا يحمل في طيّاته عنصر تفجيريّ قابل لازدياد كثافته”، على حدّ تعبير الوثيقة الإسرائيليّة.
وشدّدّ المُحلِّل على أنّه بفضل قوّة البقاء والقدرة على مواجهة إسرائيل تحوّل السيّد نصر الله إلى الزعيم العربيّ الأكثر شعبيةً في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أنّ العقيدة الإسرائيليّة الخاطئة كانت نتاج الفشل الذريع الذي مُني به جيش الاحتلال في حرب العام 2006، إذْ أنّ الكيان لم يستطِع “اختراق” حزب الله وتمزيقه، وإبعاده إلى ما بعد نهر الليطاني.
وكشف النقاب عن أنّ إسرائيل حاولت ثلاث مرّاتٍ اغتيال السيّد حسن نصر الله خلال حرب لبنان الثانية، ولكنّها فشلت، لافتًا إلى أنّ الصواريخ سقطت بعيدًا عن مكان اختبائه، ولكنّها لم تُصبه، وهو الأمر الذي يؤكِّد عجز الاستخبارات الإسرائيليّة وعدم امتلاكها معلوماتٍ عن الحزب، واختتم بالقول إنّه بعد أنْ وضعت الحرب أوزارها، قام قائد فيلق القدس بالحرس الثوريّ الإيرانيّ، قاسم سليماني بتزويد حزب الله بكلّ الوسائل من أجل ترميم الحزب والانتقال إلى سباق التسلّح، على حدّ قوله.
إلى ذلك، نقل مراسل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة عن مصادر مطلعة في تل أبيب قولها إنّ “حزب الله لمّا يستخدم بعد عشرة بالمائة من قوته لمعاييره الخاصة. وبحسب التقديرات، فهو يخطّط بالتأكيد للرد على الضربات التي تلقاها. في شعبة الاستخبارات الممزقة، صدرت تعليمات للضباط بالبحث من دون توقف عمّا يمكن أنْ يشكل انجازًا لحزب الله على شكل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، في ظلّ إخلاء المستوطنات على طول خط التماس. على أي حال، النشوة التي يمكن رؤيتها بين صنّاع القرار وجزء من الجمهور يجب إعادتها إلى العليّة (مساحة تخزين في المنزل): الوضع ما يزال معقدًا وقابلًا للاشتعال، وبعض الإنجازات العظيمة لا تمحو”، طبقًا لأقوالها.