"إسرائيل" تواصل محاولات “كسر العظم”.. و”حزب الله” ينتقل لـ”ما بعد بعد حيفا”.. لكن بحذر

الأربعاء 25 سبتمبر 2024 03:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
 "إسرائيل" تواصل محاولات “كسر العظم”.. و”حزب الله” ينتقل لـ”ما بعد بعد حيفا”.. لكن بحذر



القدس المحتلة/سما/

بلغة متعجرفة تقليدية، قال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت إن “حزب الله” اليوم ليس “حزب الله” قبل أسبوع نتيجة تعرّضه لضربات موجعة. وقال لجنود، في ختام تدريبات تحاكي حملة برية على لبنان، إن نصرالله قلقٌ من تجربة جيشه المتراكمة بعد حرب في غزة.

 وتابع غالانت: “عندي ثقة أنكم ستدمرون كل قوة  لـ “حزب الله” تواجهكم”.

ومقابل غالانت، الذي يبدو تحت تأثير سَكرة القوة، بعد ضربات جوية، عمليات نوعية، وسلسلة اغتيالات لقادة من “حزب الله”، تحذّر مجموعة من المراقبين في إسرائيل من التعويل على القوة فحسب، ومن التورّط في حرب استنزاف جديدة في لبنان، وتقترح استخدام الذراع الدبلوماسية، واستغلال كل فرصة وصولاً لتسوية، خاصةً أن لبنان ليس غزة، من عدة نواحٍ، لا سيّما نظرة دول الغرب له.

صاروخ على تل أبيب
وجاء صاروخ “حزب الله” من طراز أرض- أرض على تل أبيب، صباح اليوم، في ذات توقيت “طوفان الأقصى” (السادسة والنصف)، ليؤكد واقعية هذه التحذيرات من مغبّة حرب استنزاف طويلة.

 رسمياً، قال “حزب الله” إن الصاروخ من طراز “قادر 1” نحو تل أبيب استهدف مقر قيادة الموساد المسؤول عن اغتيال القادة وتفجير أجهزة الاتصال، ودفاعاً عن الشعب اللبناني وعن الشعب الفلسطيني.

هو صاروخ يتيم، وتم إسقاطه، لكنه تطوّر مهم في هذه المواجهة، خاصة أن صافرات الإنذار التي دوّت في كلّ مراكز البلاد تترك مفاعيل نفسية كبيرة، وتنتج خوفاً وإرباكاً، وربما هذا واحد من أهدافه، فـ “حزب الله” يردّ بالمثل من ناحية محاولة إنتاج ضغط إسرائيلي داخلي، كما فعلت، وتفعل إسرائيل في ضغطها على اللبنانيين وتهجيرهم وتحويلهم للاجئين في وطنهم لتأليبهم على نصرالله. كذلك فإن هذا الصاروخ، غداة اغتيال قائد منظومة الصواريخ إبراهيم قبيسي في الضاحية، هو رسالة مضادة لمزاعم التدمير الإسرائيلية، مفادها أن “الضربات الواسعة لم تكسرنا”، على شاكلة “أنا أطلق صواريخ، إذن أنا موجود”.

استعادة النازحين وقوة الردع
وقبل إطلاق الصاروخ على تل أبيب، زاد عدد المراقبين الإسرائيليين المتحفّظين والمحذّرين من حالة الانتشاء والاحتفال بالانتصار على “حزب الله”، “بعدما راحت السكرة وجاءت الفكرة”، فيقرّون بأن التهديد ما زال حقيقياً وكبيراً من قبل “حزب الله”. من هؤلاء الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الجنرال في الاحتياط، الباحث في الشؤون الإستراتيجية عاموس يادلين.

 في حديث للإذاعة العبرية، صباح اليوم، الأربعاء، قلّل يادلين من قيمة الصاروخ على تل أبيب، وقال إن “حزب الله” سبق أن أطلق، في الشهور الأخيرة، مسيّرات نحو تل أبيب تم إسقاطها، وإنه جزءٌ من الرد المنضبط لـ “حزب الله”. لافتاً إلى أن إسرائيل لم تستهدف بعد البنى التحتية في لبنان (بطلب أمريكي)، ولم تضرب صواريخ “حزب الله” طويلة المدى، ولم تضرب الضاحية، ولم تبادر لاغتيال نصرالله بعد، داعياً لتحاشي الحملة البرية التي ينبغي الاحتفاظ بها لمرحلة لاحقة”.

يادلين، الذي يَعتبر أن هدف إسرائيل في هذا التصعيد مزدوج: استعادة النازحين، واستعادة قوة الردع، ينبّه لضرورة استخدام الذراع الدبلوماسية، وليس قوة النار فحسب. ويعلّل ذلك بالقول إن لبنان ليس غزة، وهو مختلف عن غزة بعيون الغرب، محذراً من استعجال الدخول في حملة برية.

 وقال: فلندع سلاح الجو يكمل عمله في تدمير مقدرات حزب الله”. ولا يستبعد أن يؤدي عدم انضمام دول المحور للحرب للتأثير على السنوار نحو توقيع صفقة تعيد المخطوفين وتوقف الحرب على لبنان، ومن بعدها تعود إسرائيل بحملة ثانية على “حماس”. وهذا ما يدفع له مستشار سابق للأمن القومي الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند الذي يقول، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إن الفرصة تعني تسوية لإبعاد “حزب الله” مؤكداً أن تحقيق الهدف ليس بالضغط العسكري فحسب.

ويضيف: “طالما أن الأمر متعلقٌ بإسرائيل مفضَّل أن توافق على وقف النار في الشمال بحال طرحت تسوية تبعد حزب الله عن الحدود”.

رسالة من “حزب الله”
ويتفق مع يادلين وآيلاند المحللُ العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي قال، اليوم، في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، إنه لا يثق بالزعم الإسرائيلي الرسمي بأن 50% من قدرات “حزب الله” تم تدميرها، مرجحاً أنه فَقَدَ 20-30% من قدراته الصاروخية.

ويضيف: “لم نرَ استسلاماً، ولا نرى تحولاً إستراتيجياً حتى الآن. هناك حالة انتشاء في إسرائيل أساسها الظنّ بأن فتح الجحيم على لبنان سيكسر “حزب الله”، وهذا غير صحيح”.

كما قال هارئيل للإذاعة إن إسرائيل سبق أن هدّدت بأن استهداف تل أبيب سيُرَدّ عليه بضرب الضاحية، متسائلاً كيف سترد الآن، وما هي إستراتيجية إسرائيل، وإن استمرار هذا التدهور يعني الانزلاق لحرب شاملة، ربما بمشاركة إيران، التي لا تستطيع التسليم بتبدّد قوة “حزب الله” الذي بنتْه منذ سنوات.

ويرى أن الصاروخ على تل أبيب يعني دخول ساعات حساسة أوقفت إسرائيل أمام تحدٍ جديد، فضرب تل أبيب ربما يعني ضرب الضاحية، وهذا يقود لحرب استنزاف طويلة.

ويرى هارئيل أن “حزب الله” يريد سلّماً كي ينزل عن الشجرة، ولكن لا نرى مبادرة أمريكية حقيقية لوقف التدهور، بعكس ما كان في جبهة غزة.

ورداً على سؤال حول دلالة تأجيل نتنياهو سفره للأمم المتحدة ليوم غد، قال هارئيل إنه لا يرى تحمّساً لدى نتنياهو بحملة برية، لكنه حذّر من التدهور نحوها: “هناك ديناميكية تفرض نفسها، وحتى الآن لعب الحظ دوره ولم تقع كارثة بسبب صواريخ حزب الله”.

في مقاله التحذيري، الذي تنشره “هآرتس” اليوم، وقبيل صاروخ تل أبيب، يرى أن الرد المحدود لـ “حزب الله” يعكس تردّداً في قيادته، ويقول إنهم في إسرائيل يتمنون أن تدفع الهجمات على لبنان “حزب الله” لتسوية، لكن حرب الاستنزاف من شأنها أن تستمر زمناً طويلاً، حتى لو لم يستهدف تل أبيب”.

ويضيف هارئيل: “رد حزب الله المحدود جغرافياً ونسبياً ربما يدّلل على تردّد لدى قيادة حزب الله العسكرية ممن بقوا أحياء، ومع ذلك ما زال بوسعه إطلاق صواريخ بكمية كبيرة، ومن المتوقع أن يواصل الجيش الإسرائيلي الهجمات في الوقت القريب”.

من هنا يستنتج هارئيل بأن تسوية جديدة تقلّل التهديد من الشمال لن تتحقق بسرعة، خاصة أن أمريكا تبدي لامبالاة هنا، بعكس ما كان في جبهة غزة”.

التهديد الكبير في طريقه للفناء.. لكن هناك مشكلة
وضمن هؤلاء المراقبين، الذين يرشون الماء البارد على الاحتفالية المبكّرة بـ “الانتصار على حزب الله”، المعلق السياسي البارز بن كاسبيت، إذ يقول، ضمن مقال تنشره صحيفة “معاريف”، اليوم، إن إسرائيل في طريقها للإجهاز على تهديد “حزب الله”، لكن هناك مشكلة.

وعن ذلك يضيف: “نعم صحيح أن الجيش يملي الآن الوتيرة والسياسات، وتبدو الصورة جيدة، وسلاح الجو يقوم بتدمير أرسينال (ترسانة) سلاح “حزب الله” وقدراته، بيد أننا ما زلنا في البداية، والتهديد الخطير المتمثّل بالصواريخ أزيل جزئياً فقط.

 من جهته، يوضح محلل الشؤون الشرق أوسطية في “هآرتس” تسفي بار إيل أنه “ليس مهماً كم سندمر، وكم سنغتال من القيادات.. لا مناص من اتفاق رسمي مع لبنان”.

ويقول بار إيل إن عودة النازحين بأمان طموحٌ عادي، وهدفٌ مفهوم ضمناً لكل دولة سيادية، لكن المشكلة بكلمة “أمان”: “من يعرّفها؟ وما شروط تحقيقها؟ فمقابل لبنان الوضع مختلف عن غزة وأهداف الحرب فيها. هنا إسرائيل مستعدة للاكتفاء بأقل من نصر مطلق”.

ويعتبر بار إيل أن طهران هي التي ستقرّر، ويعلّل رؤيته بالإشارة لتصريح رئيس إيران في الأمم المتحدة بأن “حزب الله” لا يستطيع مواجهة إسرائيل وحده، لأن وقف الحرب من طرفه دون وقف الحرب على غزة يمسّ بمكانة إيران، ولذا فإن معضلة حزب الله انتقلت لطهران”.

يشار إلى أن “يديعوت أحرونوت” قد أوضحت، اليوم، أن إسرائيل، وعلى خلفية تصريحات رئيس إيران، توجّهت للولايات المتحدة برسالة مفادها: “حذّروا إيران من التدخل”.

حملة برية؟
وفي ضوء هذا الفهم لحقيقة قدرات “حزب الله”، هل الحملة البرية هي الحل؟

سؤال يثير نقاشاً في إسرائيل، بعد الإدراك بأن الهجمات الجوية، مهما كبرت، لن تحقق الهدف الأخير، ولأن مئات الآلاف من الإسرائيليين دخلوا اليوم دائرة الطوارئ والاستهداف.

بخلاف هارئيل، يرى مراقبون بضرورة ما يطالب به قادة الحكم المحلي في شمال البلاد: حملة برية، وبناء حزام أمني في جنوب لبنان.

في تحليله المنشور في صحيفته “يديعوت أحرونوت”، يقول المراسل العسكري يوسي يهوشع إنه ربما لن يكون هناك مناص من حملة برية، لأن الضغط على “حزب الله” ليس مؤكداً أن يدفعه للنزول عن الشجرة.

 في المقابل، تساءل الإذاعي البارز في الإذاعة العبرية الرسمية آرييه غولان؛ أليس من المرجح أن يكون الصاروخ على تل أبيب محاولة من “حزب الله” لاستدراج إسرائيل لحملة برية؟

وهذا ما تستبطنه مقالة محرر “هآرتس” ألوف بن، الذي يرى أن نتنياهو، الذي يُبدي ضبطاً للنفس أكبر من غالانت في الحديث عن تحقيق نجاحات ضد “حزب الله”، يخشى التورط في لبنان، وربما يفهم أن الجيش في هذه الجولة انتصر عليه، وعاد لقيادة الأجندة الوطنية بدلاً منه.

ويبدو أن صاروخ “حزب الله” على تل أبيب، ومجمل ردّه على هجمات إسرائيل الجوية الواسعة، وكذلك ردود الفعل فيها تدلّل على الرؤية المتناقضة لدى طرفي الصراع في إدارة المواجهة، فـ “حزب الله” يريدها حرب استنزاف طويلة، واستمرار الإسناد حتى توقف الحرب على غزة، فيما ترى إسرائيل خطورة النزيف، وتبحث عن قصم ظهر عدوها بسرعة تستعيد فيها قوة الردع والهيبة، وتعيد النازحين لمستوطنات الجليل بأمان، ويبدو أن “المعركة المفتوحة”، التي بدأت تصل إلى ما بعد بعد حيفا ليست قصيرة.