تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤:

غزة تصارع دولة عظمى..

الأحد 01 سبتمبر 2024 11:01 م / بتوقيت القدس +2GMT



الكاتب: عادل الأسطة:

من تابع أخبار أحداث ٧ أكتوبر منذ بدايتها لاحظ مدى مساهمة دول عالمية كبرى فيها من خلال التعاطف المبكر مع الدولة الإسرائيلية، فقد زارها رئيس أكبر دولة عظمى هي الولايات المتحدة الأميركية ورؤساء دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما حتى أننا، في حينه، نعتنا ما يجري بالعدوان السداسي على غزة، متأثرين بما سمعنا عنه وقرأناه عن حرب السويس في العام ١٩٥٦، حيث العدوان الثلاثي على مصر.

عندما تواصلت الحرب وصمدت غزة ولم ترضخ المقاومة وظلت تفاوض متمسكة بشروطها أكثرها، فنجم عن ذلك احتلال القطاع ونزوح أهله المتكرر ومعاناتهم من الجوع والبرد والحر وفقدان أدنى شروط الحياة، أخذ قسم منهم - أي أهل قطاع غزة - يسخرون من تشدد قادة حماس والجهاد وإصرارهم على القتال قائلين:
- معهم حق، فالاتحاد السوفييتي الغزاوي يفاوض من موقع قوة، ويضع نفسه نداً لحلف الناتو.
ماذا لو راجع المرء الأدبيات الفلسطينية التي كتبت قبل العام ٢٠٢٣ وأتى أصحابها فيها على الموقف من الاحتلال الإسرائيلي، بخاصة موقف فصائل المقاومة، حتى السابقة لحركة حماس والجهاد الإسلامي؟ 
هل كان كتاب الأدبيات الفلسطينية التابعة لفصائل الحركة الوطنية؛ يمينها ويسارها، يدعون إلى الرضوخ والاستسلام؟
وماذا كان موقفهم ممن يدعو إلى ذلك؟
إن عدنا إلى موقف هؤلاء الكتاب من رواية إسحق موسى الحسيني «مذكرات دجاجة» 1943، وقد دعت الدجاجة إلى ترك المأوى وعدم مقاومة الدولة الباطشة القادرة بريطانيا والعصابات الصهيونية، فإننا سنقرأ سيلاً من الكتابات التي خونتها واتهمتها بأنها دجاجة خانعة مستسلمة خائنة. 
وسنجد أن أكثر الكتاب رددوا سؤال غسان كنفاني في روايته «رجال في الشمس» (١٩٦٣) الداعي إلى المقاومة وهو:
- لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟
بل إننا سنجد كاتباً مرفهاً يقيم في بغداد ويسافر باستمرار إلى الغرب وتوجهه توجه غربي ليبرالي مسالم، وهو جبرا إبراهيم جبرا، يكتب في سبعينيات القرن العشرين رواية «البحث عن وليد مسعود» يختار فيها لبطله، الذي هو على شاكلته، طريق العمل الفدائي والانخراط فيه، ما يعني أن جبرا نفسه في حمى صعود المقاومة لم ينهج نهج إسحق موسى الحسيني - أي مقاومة القوة بالرضوخ.
ومن ينظر في الأمثال الشعبية الفلسطينية، التي وردت على لسان الشخصيات الفلسطينية في القصص القصيرة والروايات، يلحظ أنه غالباً ما تم تحوير المثل الشعبي «الكف ما بتلاطم المخرز» ليغدو «الكف يلاطم المخرز»، وقد جعله الكاتب محمد أيوب، في تسعينيات القرن العشرين، عنواناً لرواية له، ومثله مثل «ما بحرث الأرض غير عجولها» الذي أكثر القاص جمال بنورة من توظيفه في قصصه القصيرة.
إن مبدأ المواجهة برز قبل ذلك أيضاً في كتابات كتاب الأرض المحتلة في العام ١٩٤٨ الذين لم يدعوا، في أكثر كتاباتهم، إلى المقاومة المسلحة. برز في بعض قصص توفيق فياض في مجموعته «البهلول» (١٩٧٨)،  وفي قصة سميح القاسم الاوتوبيوغرافية «إلى الجحيم أيها الليلك» (١٩٧٧).
وكان الكتاب السابقون أكثرهم عاشوا نكسة حزيران ١٩٦٧ وحروباً عديدة أخرى خاضتها جيوش عربية ولم تقوَ فيها على استعادة أراضيها المحتلة كاملة، ومع ذلك فقد رأوا في المقاومة المسلحة الطريق الوحيد لإمكانية حل عادل.
«تستطيعان البقاء مؤقتاً في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب» كتب غسان كنفاني في روايته «عائد إلى حيفا» (١٩٦٩)، وكتب محمود درويش في كتابه «وداعاً أيتها الحرب، وداعاً أيها السلم» (١٩٧٤) : «بالحرب وحدها نستطيع الذهاب إلى السلم».
هل تستطيع غزة المحاصرة وحدها مقاتلة دولة عظمى؟
في العام ١٩٧٣ كتب الشاعر الصفوري طه محمد علي قصيدة عنوانها «عبد الهادي يصارع دولة عظمى» يأتي فيها على شخص ما قرأ في حياته ولا كتب ولا قطع شجرة ولا جاب سيرة النيويورك تايمز بغيابها ولا رفع صوته على أحد إلا بقوله «تفضل.. « «والله العظيم غير تتفضل»، إلا أنه يحيا قضية خاسرة وحالته ميؤوس منها وحقه ذرة ملح سقطت في المحيط، وهو لا يعرف شيئاً عن عدوه ولو رأى بحارة الانتربرايز لقدم لهم البيض المقلي ولبن الكيس»، فكيف سيصارع دولة عظمى؟!
إن ما قاله العنوان مغاير مختلف لما يقوله المتن. 
هل يختلف كثيراً واقع غزة وهي تحارب دولة تقف وراءها أكبر دولة عظمى، بل ودول غربية كانت عظمى؟