استحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي منصبا جديدا تحت اسم "رئيس الجهود الإنسانية المدنية في قطاع غزة"، ليتولى إدارة الجوانب الإنسانية وتنسيق القضايا المدنية، في خطوة تهدف على ما يبدو لتثبيت احتلال القطاع لفترة طويلة.
ويوازي هذا المنصب الذي سيتولاه العميد الإسرائيلي إلعاد غورين، منصب رئيس الإدارة المدنية التابعة لسلطة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، بصلاحيات تتعلق بمتابعة إمكانية عودة مليون نازح فلسطيني إلى شمال القطاع، ومشاريع إعادة البناء، والتنسيق مع مؤسسات المساعدات الإنسانية، ونقل المساعدات للسكان، والاستعداد لفصل الشتاء، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
ومن المقرّر أن يتولى غورين قيادة "مسارات إستراتيجية مدنية" في قطاع غزة على المدى البعيد، بهدف إعطاء جيش الاحتلال "شرعية دولية لاستمرار الحرب على غزة"، دون أن تتعرض غزة إلى مجاعة أو أزمة إنسانية.
وقال مسؤول أمني كبير لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "هذا ليس مشروعا مؤقتا؛ هذا المنصب سوف يستمر معنا لسنوات قادمة"، رافضا فكرة أن التدخل الإسرائيلي في غزة سينتهي قريبا، بغض النظر عن وتيرة القتال أو أي صفقات التبادل المحتملة.
وتزامنت الخطوة الإسرائيلية بتعيين غورين مع تصديق "الكابينت" على الخريطة التي تحدد بقاء جيش الاحتلال على امتداد محور فيلادلفيا، في إطار أي صفقة تبادل محتملة مع المقاومة الفلسطينية.
ما هي الإدارة المدنية؟
عندما أُنشئا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1981 كان عبارة عن عن جهازين إدارة منفصلين واحد لقطاع غزة والآخر للضفة الغربية، وجاء بموجب أمر صادر عن وزير الحرب الإسرائيلي حينها أرئيل شارون، بهدف الاهتمام بالشؤون اليومية للسكان المحليين في هاتين المنطقتين المحتلتين.
وهدفت هذه الإدارة إلى تحسين صورة "إسرائيل" أمام العالم وإعطاء انطباع وكأن هناك حالة سياسية في الأراضي الفلسطينية، تبعد الأنظار عن حقيقة وجود احتلال مرفوض من قبل السكان، ووفق القانون الدولي، بحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار".
وحينها تم الاتفاق أن يكون رئيس الإدارة المدنية خاضعا لسلطة "منسق الأعمال في المناطق"، وهذا الأخير يكون خاضعاً بدوره لسلطة وزير الحرب.
ونالت الإدارة المدنية كل الصلاحيات المدنية التي كانت إلى ذلك الوقت تحت سيطرة جيش الاحتلال مباشرة، ورغم هذا التقسيم الجديد بقي للمستوى العسكري دوره الفعال في تحديد خطوط السياسة اليومية.
وعلى صعيد المبنى الداخلي للإدارة المدنية، فقد أُقيمت ثلاث دوائر في كل إدارة من الإدارتين: اقتصادية وتضم التجارة والمواصلات والصناعة والتوظيف، والخدمات: تضم التربية والتعليم والداخلية والرفاه الإجتماعي والصحة، والأملاك: تضم الأراضي العامة والثروات الطبيعية وأملاك الغائبين.
الدور الحقيقي
مع تأسيس السلطة الفلسطينية، انتقلت كل مهام الإدارة المدنية إلى الوزارات والهيئات التي أسستها السلطة، وكان المخطط أن يتم حل الإدارة المدنية، ولكن ما حدث هو تقليص عدد العاملين، وإبقاء بعض الصلاحيات السيادية بيدها مثل: "تسجيل الفلسطينيين، وإصدار بطاقات الهوية، ورخص القيادة، وإصدار الأوامر، والبيانات العسكرية".
وبدأت هذه الإدارة منذ سنوات توظيفا جديدا لهيأتها واستعادة مزيد من الصلاحيات، وهي التي قد تشير إلى النية الإسرائيلية في ضم الضفة الغربية، وهو ما يبدو متماشيا مع توجهات الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ما يضمه من وزراء متطرفين مثل إيتمار بن غفير ويتساءل سموتريتش.
وتتعلق إحدى نقاط الخلاف بين سموتريتش والائتلاف الحكومي الذي يترأسه بنيامين نتنياهو بالإدارة المدنية، بعدما وعد الأول ناخبيه بتفكيكها، بينما تعارض الدوائر الأمنية الإسرائيلية (مثل الجيش والمخابرات) بالإضافة إلى أحزاب سياسية أساسية مثل الليكود ذلك تفكيكها لأسباب تقنية وسياسية.
رغم أن هدف سموتريتش من تفكيك الإدارة المدنية هو تحرير الاستيطان في المناطق المصنفة "ج" (خاضعة السلطة الفلسطينية من خلال الخدمات الطبية والتعليمية للفلسطينيين، بينما تسيطر إسرائيل على الجوانب الأمنية والإدارية والقانونية)، إلا أن دور هذه الإدارة لا ينحصر في إشرافها على التنسيق الأمني وحسب، وإنما، وهذا هو الأهم، في التحكم بحياة الفلسطينيين وضبطها، بحسب "مدار".
بسبب التكلفة العالية
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين معارضتهم فرض إدارة عسكرية في قطاع غزة، ويرون أن ذلك سيتطلب تكاليف تصل إلى 20 مليار شيكل (5.5 مليارات دولار) بشكل سنوي، وهذا يعني المسؤولية عن 2.3 مليون شخص ووجود 5 فرق عسكرية دائمة.
وفي أكثر من مناسبة، قال نتنياهو إنه "يجب أن تدير غزة بعد الحرب إدارة مدنية تقبل إسرائيل، وذلك بمساعدة دول عربية، وأن غزة ما بعد الحرب يجب أن تبدأ عملية مكافحة للتطرف انطلاقا من المدارس والمساجد".
واعتبر أن الإدارة المدنية ستكون مسؤولة عن توزيع المساعدات في قطاع غزة، في حين سيتولى المجتمع الدولي إعادة الإعمار.
ويسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي لترميم صورته التي دُمرت في العالم بسبب مجازره في غزة، ويحاول إضفاء نوع من الشرعية على عملياته العسكرية في قطاع غزة من خلال إظهار تعاونه فيما يتعلق بالجهد الإنساني، خاصة مع تصاعد خطر انتشار الأوبئة التي كان آخرها شلل الأطفال الذي تطالب الأمم المتحدة بهدنة إنسانية لتطعيم الأطفال في غزة ومنع انتشار المرض.