خبر : القدومي:الحوار الفلسطيني لن يحقق نتائج يقبل بها الطرفان وخشيتي أن يقودنا الى متاهات التسوية الوهمية

الأحد 24 يناير 2010 12:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
القدومي:الحوار الفلسطيني لن يحقق نتائج يقبل بها الطرفان وخشيتي أن يقودنا الى متاهات التسوية الوهمية



تونس بدا مكتب القيادي الفلسطيني الفسيح، كما الورشة، حزمة من الوثائق هنا، وملفات منظمة ومصفّفة هناك. جلس في فناء المكتب خلف منضدة ممتدّة من اليمين إلى اليسار، وقد رصّفت وثائق ومطبوعات. بدا فاروق القدومي، كما عادته، واثقا من المعلومة التي بحوزته، محدّدا هدفه، متأملا في فلسطين صورا للزعماء الشهداء تارة، وصورا للأقصى في شكل لوحات تراوح حجمها بين اللوحة الكبيرة واللوحة الصغيرة التي تجسّد قبّة الصخرة، تلك التي تسرّ ناظرها وتبعث فيك أمنية ستبقى في البال: زيارتها والمسجد الأقصى والصلاة للّه تعالى هناك. هكذا بدا القدومي، محفوفا في مكتبه بفلسطين، كلّ فلسطين، خرائط لفلسطين التاريخية، فلسطين الجميلة، وخرائط أخرى لفلسطين الممزّقة بالطرق الالتفافية وبخطّ سير سرطاني اسمه الاحتلال الاسرائيلي. منذ مدة لم يعط القدومي حديثا شاملا، وبقي ظهوره الاعلامي في مستوى المشهد السياسي للقضية، مقتصرا على تصريحات ظرفية تهم قضايا مثارة ظرفيا. في هذا اللقاء الشامل، الذي لم يرفض فيه رئيس الدائرة السياسية لـ م.ت.ف، أيّ سؤال، يكشف القدومي عن موقفه من ملفّ المصالحة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وهو يرفض أن يعتبر أن الأمر بين فصيلي "فتح" و"حماس". كما تحدث عن دخول السعودية على خط المفاوضات بين الفصيلين واضعا سؤالا مركزيا أمام الزعماء العرب: هل بإمكانهم مساعدة فلسطين الثورة.. وفلسطين الكفاح المسلّح؟ مازال القدومي وهو يجلس خلف منضدة مكتبه، يرمق "أبو عمار" و"أبو جهاد" و"أبو إياد" بعد أن تستقر نظرة منه صوب عبد الناصر، وكانت الصورة التي تتوسط كل هذه الصور، إحداها له مع نصر اللّه. سألت السيد القدومي "لماذا تحتفظ بهذه اللوحة؟"، فقال: لأنها عبرة لمن يعتبر. بدأت الحوار بسؤال يهمّ آخر مستجدات القضية الفلسطينية هو التالي: * المفاوضات بين "حماس" و"فتح" عبر القاهرة، ما فتئت تتعثر، وفي كلّ مرحلة يطالعنا هذا الملف بمواقف جديدة.. فهل في وسعك أن تعطينا رأيك بهذا المسار أي، وأنت الذي نأى بنفسه على ما يبدو عن هذا المشهد التفاوضي، حتى أمكن أن نقول عنه إنه "العين الثالثة"؟ ـ ما دام الأمر كذلك، لا بدّ أن نتكلّم بوثائق وبشكل رسمي (وقف القدومي فأخذ حزمة من الوثائق وجعل يتصفحها وهو يتكلم عن الوثائق.. ) انطلاقا من ورقة عمل فلسطينية. إن مشكلة المصالحة امتدّ زمنها منذ عام 2006، وكنّا قبل ذلك استبشرنا بالقرار الذي صدر في 17 آذار (مارس) 2005، وأكدت فيه جميع الفصائل الفلسطينية بحضور اللواء عمر سليمان ضرورة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، لكن تعثرت هذه الجهود وحصلت الاشتباكات المسلحة في غزة عام 2006 فاضطربت الأمور، وتعقدت العلاقات الثنائية بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس". وقدمت مقترحات متعددة في هذا الشأن، عندما صدر بيان الفصائل في 2005، ولما اجتمعت المنظمات في دمشق قدمت لهم ورقة عمل فلسطينية حول تفعيل المنظمة. لكن لم يتم هذا التفعيل، فقد كانت "حماس" والسلطة الفلسطينية منشغلتين في أمور تشكيل الحكومة المحلية في الضفة والقطاع، ومضت الأشهر، وقدمنا مقترحات لجامعة الدول العربية، والتقينا بالأمين العام السيد عمرو موسى وتناقشنا حول هذه المقترحات وأكدنا لمعاليه، أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني، هو السبيل لحلّ الخلافات. واقترحنا عددا من النقاط لمعالجة هذه المسألة، وقلنا إن الحوار في إطار فلسطيني واسع، أي في المجلس الوطني هو السبيل الى الحلّ، وحذرنا من أن تصبح السلطة الفلسطينية المحلية بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف). ولا بد من القول، إن هناك نقاطا هامة يختلف عليها الطرفان فـ"حماس" تصرّ على ذكر المقاومة المسلحة، ولكن السلطة تنفي قبولها بالمقاومة المسلحة. و"حماس" تمسك بالبندقية، وترفض اتفاق "أوسلو" وترفض الاعتراف بـ"إسرائيل" وهذه نقاط خلاف هامة، أما إذا تجاهلنا منظمة التحرير وميثاقها وأنظمتها المرعية، وبرنامج عملها المرحلي، ومبادءها وأهدافها المركزية واستبدلنا ذلك بالشؤون المحلية في الضفة والقطاع، وبالمجلس التشريعي وبالانتخابات المحلية والوطن محتل في إطار الضفة والقطاع، فقد نهمل قضية اللاجئين وحق العودة والقرارات الشرعية التي أصدرتها الأمم المتحدة وأقرّها المجلس الوطني في دورته الثامنة عشرة بالجزائر (1988). وهذا يضع علامة استفهام حول هذه المصالحة، والى أين تقود؟ وهل تنحصر في حل مقترح في اطار الضفة والقطاع؟ هذا أمر نرفضه وسبق للمجلس الوطني أن أصدر قرارا برفض القرار 242 لأنه يخص الدول العربية ولا يخص القضية الفلسطينية بالذات. وهذا يعني أن التنازلات مع الأسف، بدأت بعد الاعتراف بالقرار (242)، علما أن المغفور له الرئيس جمال عبد الناصر حيّا المجلس الوطني حضورا قائلا: "من حق منظمة التحرير الفلسطينية أن ترفض القرار 242". إن استمرار هذا الحوار بين " فتح" و"حماس"، في اطار الضفة والقطاع سيقودنا الى متاهات تضرّ بالقضية الفلسطينية وتمسّ الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. ولا أعتقد أننا سنصل الى نتائج يمكن أن يقبل بها الطرفان، وهذا ما جعلني أبتعد عن هذا الحوار وخشيتي أن يقودنا الى متاهات التسوية الوهمية. * ما رأيك في ما أعلن من أن السعودية دخلت على خط المفاوضات، فهل سيكون في الأمر تسريع للتفاهم أم تتوقع عكس ذلك؟ ـ لم تصلني حتى الآن تأكيدات حول دخول المملكة العربية السعودية في شؤون الحوار بين الاخوة، ومازلت أنصح بأن تبتعد "حماس" عن السلطة وتتمترس في المجلس التشريعي مادامت تمتلك الأغلبية، لأن التعامل مع اسرائيل من جانب "حماس" يُلزمها بأن تعترف بإسرائيل وبالاتفاقات المعقودة ووقف المقاومة المسلحة، لكي تقبل "اسرائيل" التعامل مع حكومة يرأسها عضو من حركة "حماس". وإذا كان لا بدّ من انتخابات جديدة فأنا لا أضمن أن تكون هذه الانتخابات نزيهة بعد هذه التطورات التي جرت قبل أشهر، ودخول كل قيادات المنظمة وفتح الى الضفة الغربية المحتلة، بالاضافة الى الترتيبات الأمنية التي قادها الجنرال دايتون. * كيف ترى آفاق ملف القضية الفلسطينية بكل مكوناته الحالية، في القمة العربية المقبلة؟ ـ قدمنا عام 2005، وقرّرنا كما أسلفت، هذه المبادرات للجامعة العربية ولعدد من الدول العربية، وهذه هي ورقة العمل بالتفصيل، والتي لخصناها في كتاب- رسالة عام 2008 لمعالي الأخ الأمين العام لجامعة الدول العربية (الورقة فيها كشف لواقع القضية من الجانب النضالي ونقد لمسار "أوسلو"، وتتضمن كذلك اقتراحات منها بالخصوص المحافظة على (م ت ف) ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني). وماذا كان مصير الورقة؟ ـ تناقشنا مع الأمين العام واستحسن هذه المقترحات. كان ذلك بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدورة التي ترأستها المملكة العربية السعودية وقدّمنا نسخة من هذا الكتاب (الرسالة) لسمو الأمير سعود الفيصل. * لو نعود إلى موضوع المصالحة الفلسطينية، لو ثبت أن السعودية دخلت في المسار، هل تعتقد انه سيحدث تقدّم؟ ـ سبق لأشقائنا في السعودية ان دخلوا في هذه المصالحات وعُقد اجتماع في المملكة واتفق الطرفان على وثيقة مكتوبة، وأقسما في الكعبة، ولكنهما عادا واختلفا بعد ذلك. نقول ايها العرب سهّلوا للشعب الفلسطيني ان يعقد مجلسا وطنيا يحضره الجميع، الفصائل المنضوية تحت (م.ت.ف) وغيرها أيضا من القوى الوطنية. * ماذا يقول القدومي سنة 2010، وقد لمسنا منذ مدة غياب صوت "م.ت.ف" وصوت القدومي في المحافل الدولية وفي المحافل الاقليمية، ونذكر منها يوم 29 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل سنة حين كنت تعتلي منبر الجمعية العامة، وتذكّر المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه القضية في ذكرى التقسيم؟ ـ منذ سنوات وخاصة بعد استشهاد الأخ ابو عمار بفترة قصيرة استنكفت من القيام بهذا الدور بعد ان تأكدت ان السياسة التي تتبعها السلطة الفلسطينية لا تقود الى حلّ سياسي، مقبول لأن اسرائيل بعد هذه التجربة الطويلة اثبتت انها لا تريد السلام، بل تحاول كسب الوقت من خلال التسويف والمماطلة لبناء مزيد من المستوطنات والاستمرار في مصادرة الاراضي الفلسطينية وتهويد القدس ومحاولات المساس بالحرم الشريف وترفض مجرد بحث قضية اللاجئين، وتدّعي انها توافق على حل الدولتين، وتجميد الاستيطان لفترة من الزمن علما أن مجلس الأمن وافق بالإجماع على تفكيك كل المستوطنات عام 1980 طبقا لقرار مجلس الأمن 465. ويتابع القدومي وهو يفتح كتابا ضخما يتضمّن كل قرارات مجلس الأمن الدولي: الى جانب القرار 465 حول المستوطنات هناك القرار رقم 476 والقرار رقم 478. فأما القرار 476 ويخصّ اعلان بطلان الاجراءات التي اتخذتها اسرائيل لتغيير طابع القدس وصادر في 30 حزيران 1980، والقرار 478 الذي ينصّ على عدم الاعتراف بالقانون الأساسي الذي أصدرته اسرائيل الخاص بالقدس، ودعوة الدول لسحب بعثاتها الديبلوماسية من القدس. أما القرار 465 فهو ينصّ على مطالبة اسرائيل بتفكيك المستوطنات والتوقف عن التخطيط للمستوطنات وبنائها في الاراضي العربية المحتلة بما فيها القدس. كل هذه القرارات لم تعمل بها اسرائيل ولم تعرها اهتماما، ونحن نطالب فقط بالتجميد؟! هل يعقل؟ فالمطلب الأساسي هو تفكيك المستوطنات. لقد تقلّصت المطالب الفلسطينية، وكأننا نقدّم تنازلات مجانية للدولة العنصرية من دون مقابل، وندّعي أننا مع السلام الدائم والعادل والمستوطنات تزحف، والاحتلال يحكم قبضته على الارض الفلسطينية ويهوّدها. فهل المسؤولون العرب، مستعدّون لمدّ يدهم لمساعدة من يريد ان يفتدي نفسه لتحرير فلسطين من خلال البندقية مهما طال الزمن؟ والمعونات التي تقدّمها الدول الغربية هي إبر تخدير لإسكات صوت المقاومة، ولتخدير العاملين في السلطة. وهذا يرعاك الله، هو الخدعة بكاملها. * إذا عقد الآن مجلس وطني فلسطيني مثلما تنادون به، فكيف ستكون النتائج؟ ـ اذا عقد مجلس وطني فلسطيني (أعلى سلطة في م.ت.ف) فسوف يكون النجاح للمقاومين ...وسوف تفشل سياسة الخمول والكسل والتأجيل والانتظار والمطالبة من دون استخدام البندقية. لقد قبل العرب (الانظمة) التعامل مع السلطة الفلسطينية بعد استشهاد الاخ "أبو عمار"، وكم كتبنا لهم ولم يستمعوا...وأخص بالذكر من يمدّون السلطة بالمال، فيطيلوا عمر هذه السلطة... التي تمارس أعمالا لا يمكن ان تقود الى التحرير، بل تعطي الفرصة الزمنية لإسرائيل كي تكمل سياستها الاحتلالية، والادعاء ان الاردن العزيزة هي وطن الفلسطينيين. وأقول هنا ان الشعب الفلسطيني سيتغلب في النهاية على كل هذه الظواهر المؤسفة ويعود مرة أخرى الى البندقية ليقاوم مهما طالت به المقاومة وسنوات الاحتلال. فالنهاية ان شاء الله ستقود الى النصر، وسبق ان قلت ومازلت أؤمن بما أقول، كما قالت ايضا وزيرة خارجية السويد يوما ما: "اسرائيل لم تقُم بناء على دعوة توراتية او حول مسار تاريخي بل من خلال قرار للأمم المتحدة وعليها ان تحترم هذا القرار وشروطه والا فقدت شهادة ميلادها". وأنا أقول "اسرائيل" دولة قامت قسرا في التاريخ وسوف تنتهي كما انتهت اليه دول أخرى كالاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا. * بعيدا عن الديبلوماسية، كيف ترى مسألة الجدار الفولاذي الذي أقامته مصر مع غزة؟ ـ لو رجع الامر اليّ فأنا لا أرى ضرورة لاقامة هذا الجدار واعلم حقا ان الولايات المتحدة والدول الأوروبية تمارس ضغوطا على أشقّائنا في مصر لبناء مثل هذا الجدار لمنع "التهريب" والقضاء على الأنفاق. والسؤال: ما دامت غزة محاصرة من كل الجهات، فكيف نفسّر بعد ذلك اقامة هذا الجدار حول قطاع غزة الذي يعني بالنتيجة مزيدا من الحصار على شعبنا هناك... * القمة العربية على الأبواب، لو حصل ودعي القدومي اليها، هل تشارك؟ كيف تراها تتناول القضايا العربية التي كثرت وتفاقمت؟ ـ قلت ان "م.ت.ف" بكل أوجهها السلبية الآن تتولى مسؤولية العمل السياسي والمفاوضات ونحن نختلف مع هذه المنظمة بشكلها الحالي، وبممارساتها اليومية... ولذلك فإن انعقاد مؤتمرات القمة لا تلبي في نظري مطالب الامة العربية في دعم المقاومة الفلسطينية او الحرص على الاستمرار في هذا النهج، والبعض منهم يقول بينه وبين نفسه: هذه السياسة العربية تعفينا من مسؤولية التحرير ما دام هناك ممثل لفلسطين نوافق على ما يقوم به من أعمال... علما انهم (العرب) يذكرون ان السلطة أخطأت في تأجيل تقرير "غولدستون" حول جرائم الحرب الاسرائيلية في غزة. وحول المآسي والتدمير الذي قامت به اسرائيل. * طيب هل تذهب الى القمة؟ ـ لن أذهب... *ألهذه الأسباب التي ذكرت؟ ـ نعم، اذا رأى العرب ان يدعموا الفلسطينيين فليبحثوا عمن يحمل البندقية ويطلق الرصاص على الاحتلال الاسرائيلي.  عن القدس