لا تزال حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة تلقي بظلالها على النقاشات الجارية داخل حكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا، خصوصاً مع اقتراب موعد خطاب الملك تشارلز الثلاثاء المقبل، والذي يسبق الافتتاح الرسمي للبرلمان البريطاني ويحدّد أهداف سياسية للعام المقبل.
وفي تطور لافت، دعت مجموعة "أصدقاء إسرائيل في حزب العمال" لاستئناف تمويل بريطانيا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حسبما نقلته صحيفة ذا غارديان يوم الثلاثاء. لكن المجموعة أكدت أن استعادة التمويل يجب أن تعتمد على "فحص أكثر صرامة" لموظفي الوكالة الأممية وإصلاح موادها التعليمية.
وكانت بريطانيا واحدة من دول غربية عدة أوقفت تمويلها لـ"أونروا" بعد مزاعم إسرائيليّة، تتهم موظفيها في غزّة بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على إسرائيل. وأعلنت معظم الدول التي سحبت تمويلها عن إعادته، ما عدا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كذلك أعلنت مجموعة أخرى من نواب حزب العمال، الثلاثاء، أنها ستطرح تعديلاً على خطاب الملك المقبل، يشمل الدعوة إلى تمويل أونروا. وقدّمت النائبة العماليّة زارا سلطانة التعديل الذي في إطاره سيُضغط على الحكومة لإنهاء مبيعات الأسلحة لإسرائيل. وستواجه حكومة حزب العمال الجديدة أيضاً ضغوطاً لإسقاط الطعن القانوني الذي رفعته إدارة المحافظين السابقة أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، في وقت سابق، إنها "تشعر بقلق عميق" إزاء التقارير التي تفيد بأن حكومة حزب العمال الجديدة لن تُسقط الطعن القانوني، واتهمت كذلك بريطانيا "بإخراج وتأخير" العدالة للفلسطينيين من خلال عدم القيام بذلك.
سياسة غير واضحة حيال غزة
وتبدو سياسة الحكومة الجديدة للعمّال غير واضحة تماماً حتى الآن في طريقة تعاملها مع الملف الفلسطيني، وتبعات الحرب الإسرائيلية على غزة، في ظل حراك شعبي ضد الحرب لم يتوقف منذ تسعة أشهر في بريطانيا، وعلى ضوء خسارة حزب العمال لشرائح واسعة من مؤيديه في الجاليات العربيّة والمسلمة واليسارية بسبب موقف زعيم الحزب الذي اعتبر منحازاً لإسرائيل.
وزار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يوم الأحد إسرائيل، والتقى مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ثم زار الضفة الغربية والتقى رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى. ودعا بحسب بيان وزارة الخارجية إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وهو موقف متناسق مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر في وقت سابق من الأسبوع الماضي مع نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وينتظر وزير الخارجية الجديد في هذا الملف العديد من القضايا التي يتوجب عليه وعلى حكومته البت فيها، أبرزها قضية تمويل أونروا ووقف الطعن الذي قدّمته الحكومة السابقة بقيادة المحافظين ضد المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بمذكرات الاعتقال، وسط تقديرات سابقة بأن الحكومة الجديدة قد توقف الطعون، وهي مسألة سوف تتضح خلال الشهر الحالي.
كما ستواجه الحكومة الجديدة ضغوط إضافية في قضية تعليق تصدير الأسلحة لإسرائيل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي، وذلك على ضوء المراجعة القانونية التي أجرتها الحكومة السابقة في أعقاب استهداف الجيش الإسرائيلي لطاقم المطبخ المركزي العالمي، ما أدى إلى مقتل اثنين من عمال الإغاثة البريطانيين. ولم تكشف الحكومة السابقة عن نتائج المراجعة القانونية رغم تصريحات لوزير الخارجية في حينه ديفيد كاميرون، بأن تصدير السلاح من بريطانيا لإسرائيل لا يتعارض مع القانون.
وصرح ديفيد لامي في أسبوعه الأول من تسلمه منصب وزير الخارجية بأن قضية المراجعة القانونية غير المنشورة من الحكومة السابقة ستكون ضمن جدول أعماله بعد أن يطلع عليها، وحتى الآن لم ترشح أية معلومات جديدة حول نتائج المراجعة، مع العلم أن الجيش البريطاني منخرط في الحرب في غزّة من خلال طلعات جوية استخباراتية فوق القطاع يقوم بها من القاعدة العسكرية البريطانية في قبرص.
وأثارت زيارة لامي لنتنياهو يوم الأحد العديد من الانتقادات، بعد أن كان ينتظر منه وقف الطعن ضد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو. وأرسل النائب جيرمي كوربين ومجموعة من النواب المستقلين الآخرين، وهم شوكت آدم وأيوب خان وعدنان حسين وإقبال محمد، رسالة إلى وزير الخارجية لتذكيره بالتزامات الحكومة بموجب القانون الدولي. وتضمنت الرسالة مطالبة بإسقاط أي طعن قانوني بشأن طلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.
وقد تكون مطالبة مجموعة "أصدقاء إسرائيل في حزب العمال" العلنية أمس بإعادة تمويل أونروا، مقابل ضغوط داخلية غير علنية لضمان تصدير السلاح لإسرائيل، خصوصاً أن حكومة ستارمر الجديدة تضم 13 عضواً تلقّوا تبرعات من قبل مجموعات ضغط مؤيدة لإسرائيل، بحسب ما كشفه مؤخراً موقع "ديكلاسيفايد" البريطاني.
وتشمل قائمة المستفيدين بحسب الموقع، رئيس الوزراء كير ستارمر، ونائبته أنجيلا راينر، والمستشارة راشيل ريفز، ووزير الخارجية ديفيد لامي، ووزيرة الداخلية إيفيت كوبر. إضافة إلى جوناثان رينولدز، الذي سيشرف على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بصفته وزير التجارة في المملكة المتحدة، إلى جانب العقل المدبر لانتخابات حزب العمال بات ماكفادين، الذي تشمل مسؤولياته الآن الأمن القومي. وتبلغ القيمة الإجمالية للتبرعات أكثر من 300 ألف جنيه إسترليني.
وتقوم مجموعة "أصدقاء إسرائيل في حزب العمال" بتنظيم بعثات إلى إسرائيل بهدف ما تسميه "تقصي الحقائق"، وهي في العادة لا تكشف عن مموليها، ولكن فيلما وثائقيا استقصائيا لقناة الجزيرة في عام 2017 كشف عن أن المجموعة لها علاقات وثيقة مع السفارة الإسرائيلية في لندن.
بريطانيا وإمساك العصا من المنتصف
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن الحكومة الجديدة تحاول الإمساك بالعصا من النصف، وأن تعيين النائب العام للحكومة الأسبوع الماضي، ريتشارد هيرمر، تعبيراً عن ذلك، وهو شخصية محسوبة على اليسار الناعم، وله مواقف واضحة تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي.
هذا وتتواصل النشاطات الاحتجاجية الشعبية في شوارع بريطانيا ضد الحرب على غزة واستمرار تزويد إسرائيل بالسلاح، آخرها تظاهرة وطنية في لندن شارك فيها مائة ألف متظاهر بعد يومين من فوز حزب العمال. ودعت حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني للمشاركة غدًا الخميس في تظاهرة تهدف إلى إحاطة مبنى البرلمان بالمتظاهرين من خلال التشابك بالأيدي، بهدف تسليط الضوء على مطلب وقف تسليح إسرائيل.
كذلك احتجت مجموعة "يوث ديماند" الشبابية قبل يومين، أمام النصب التذكاري للحرب العالمية الثانية قرب مقر الحكومة. وكتب متظاهرون بالطلاء الأحمر على النصب بهدف تسليط الضوء على الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وعلى أثر ذلك اعتقلت الشرطة عدداً من الناشطين في المجموعة. وتواصل حركة "بالستاين أكشن" نشاطها ضد مصانع الأسلحة التابعة لشركة "ألبيت سيستم" الإسرائيلية العاملة على الأراضي البريطانية، من خلال الاعتصام أمام مصانع الشركة وتخريب بعض الممتلكات أو رش واجهات المصنع ومكاتب الشركة بالطلاء الأحمر.
وسلمت منظمة إنسانية بريطانية "المعونة المسيحية الخيرية" هذا الأسبوع رسالة كتبها أطفال فلسطينيون من غزة إلى رئيس الحكومة الجديد، طالبوا فيها بتحقيق وقف إطلاق النار بشكل دائم في غزة.