مدعي عام “محكمة الجنايات الدولية” يهاجم نقاده ويتحدث عن عقاب جماعي لغزة

الأحد 26 مايو 2024 04:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
مدعي عام “محكمة الجنايات الدولية” يهاجم نقاده ويتحدث عن عقاب جماعي لغزة



لندن/سما/

 نشرت صحيفة “صاندي تايمز” مقابلة مع المحامي البريطاني، مدعي عام “المحكمة الجنائية الدولية” كريم خان أجرتها معه كريستيانا لامب، قالت فيها إنه عندما أعلن عن طلبه مذكرات اعتقال لقادة إسرائيليين و”حماس” كان يعرف أنه يدوس على حقل ألغام.

ولم يكن أمامه أي خيار، كما يقول، مشيرة إلى أنه ينتمي إلى أقلية مضطهدة تعرض مرة لهجوم في قاعة بلدية يوركشاير. وقال: “ما نتوصل إليه هو: هل نريد أن نعيش في عالم ينطبق فيه القانون بتساوٍ، أو أن نغمض أعيننا وندير ظهرنا بسبب ولاءاتنا!”.

 وأضاف: “بالطبع، فالواحد منا واع  أن غزة هي خط صدع في العلاقات الدولية، ويجب ألا يكون هذا عذراً ألا تضع حق الضحية أولاً، وفي كل مكان. وسواء كانت هذه الحقوق، هي ضحايا يهود أو فلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، أو بدون دين، فيجب أن نحمل نفس الغضب الأخلاقي، الحب، العناية والقلق، والنقطة هنا أننا جميعاً بشر”.

 وتقول الصحيفة إن إعلان خان عن توجيه تهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وثلاثة من قادة “حماس”، كانت أول مرة توجه فيها “المحكمة الجنائية” تهماً لزعيم يدعمه الغرب وهو في منصبه، ما أثار ردة فعل في الولايات المتحدة وأوروبا.

 وفي أول مقابلة له منذ  الإعلان هاجم خان النقاد، بمن فيهم ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، والذي وصف القرار بأنه “غير مفيد على الإطلاق”، والرئيس جو بايدن، الذي قال إنه “شائن”.

وقال خان: “مهمتنا ليست بناء أصدقاء”، و”لكن وظيفتنا، سواء تلقينا الثناء أو الشجب، هي التأكيد على المساواة بين كل طفل وامرأة، وكل مدني، في عالم يميل نحو الاستقطاب بشكل متزايد، وإن لم نفعل، فما الفائدة؟”.

وبانتظار موافقة قضاة “المحكمة الجنائية”، ولو وافقوا على استصدار المذكرات، فستترك أثرها المقيد على القادة الإسرائيليين، وأكثر من قرار “محكمة العدل الدولية” يوم الجمعة، الذي أمَرَ إسرائيل بالتوقّف الفوري عن غزو محافظة رفح، وبعد تقدم جنوب أفريقيا بطلب للمحكمة، فـ “العدل الدولية” ليس لديها وسائل لفرض  قرارها، لكن قرار “المحكمة الجنائية” يعني أن كل الدول الموقعة على بيان روما المؤسس لها، وعددها 124، ستصبح ملزمة باتخاذ خطوات لاعتقال نتنياهو وغالانت.

وفي الوقت الذي لم توقّع فيه الولايات المتحدة أو إسرائيل على بيان روما، إلا أن كل دولة في الاتحاد، بما فيها حلفاء إسرائيل كألمانيا، ستصبح ملزمة.

وقال خان: “لو لم تتقدّم الدول، فستترك تداعيات ضخمة”، مضيفاً أن “المحكمة الجنائية هي من بنات أفكارهم، وأنا المربية التي تم تعيينها للمساعدة، ولديهم خيار للعناية بهذا الطفل، أو يتحمّلوا مسؤولية إهماله”.

وزار خان إسرائيل عدة مرات، بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وزار مواقع الهجوم، وقابَلَ أقارب الأسرى. وفي جيبه  سوار أزرق مكتوب عليه: “أحضروهم إلى البيت”، في إشارة للأسرى الذين أخذتهم “حماس” إلى غزة. وكتب على السوار اسم كفير بيباس، واحدة من الأسرى، حيث علق قائلاً: “هذا كفيل بتحطيم قلب أي شخص”. و”كانت كفير حاملاً في شهرها التاسع، لكن لا احتكار للمعاناة، فهناك جثث فلسطينيين يموتون ولا يمكن أن تكون لدينا معايير مزدوجة”.

وقال: “أهم منّي ومن المحكمة الجنائية أن العالم ينظر لهذا الوضع، وينظرون إليه في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا كنقطة تبلور.

فهل الدول صادقة عندما تقول هناك مجموعة من القوانين، أم أن هذا النظام القائم على القواعد مجرد سخافة، وهو ببساطة أداة بيد الناتو وعالم ما بعد الاستعمار، وبدون نية حقيقية لتطبيقها بشكل متساو”.

 وضمّت التهمُ ضد زعيم “حماس” في غزة، يحيى السنوار ومحمد الضيف، قائد “كتائب القسام”، والزعيم السياسي لـ “حماس”، إسماعيل هنية، تهم القتل، وأخذ أسرى، واغتصاباً جنسياً أثناء الاعتقال. أما نتنياهو وغالانت، فتضم إبادة وقتل واستهداف المدنيين بشكل متعمد  باستخدام الجوع كوسيلة حرب ومنع الإمدادات الإنسانية.

وأكد خان أنه لا يستطيع تقديم تفاصيل عن الحالات، رافضاً ما اقترحه البعض بأنه قارن أخلاقياً في التهم، وقال إنه “سخافة”. وعلّقَ قائلاً: “لا أقول إن إسرائيل بديمقراطيتها ومحكمتها العليا هي مشابهة لـ “حماس”، بالطبع لا. ولن أكون أوضح من القول إن إسرائيل لديها الحق بحماية مواطنيها واسترجاع أسراها. لكن لا أحد لديه رخصة لارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، فالوسائل هي ما تعرفنا”.

وعندما سئل أن إسرائيل لا خيار لها، فهي لا تعرف أين الأسرى، سواء في الأنفاق أو البيوت، وكيف يعاملون، أجاب خان، مستشهداً بطريقة معاملة بريطانيا مع جيش أيرلندا الحر: “كانت هناك محاولات لقتل مارغريت تاتشر، وفجر إيري نيف وفجر لورد ماونتباتن، وهناك هجوم إينسكلين [بلدة في شمال أيرلندا] وتعرضنا لهجمات انتقامية، لكن البريطانيين لم يقرروا وقالوا: حسناً في طريق فولز [في قلب مدينة بلفاست الكاثوليكي] هناك بلا شك متعاطفون مع أعضاء الجيش الأيرلندي الحر والجمهوريين، دعنا نلقي قنبلة زنتها 2,000 رطلاً في طريق فولز، يمكنك عمل هذا”. و”يجب أن يكون للقانون غرض، وهذا ما يفرق الدول التي تحترم القانون عن الجماعات الإجرامية والإرهابية، وهذا هو كل ما أقوم بعمله، تطبيق القانون القائم على الأدلة. وهذا ما نفعله مهما تعرّضنا لشجب”.

 وقال إنه لا يفهم الغضب على قراره في ظل رفض “حماس” الإفراج عن الأسرى، ورفض إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى غزة، و”أقول هذا، وبشكل مستمر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر: التزموا الآن، ولا تشتكوا لاحقاً، وقلته في رفح عندما لم تسمح  لي إسرائيل، وقلته في القاهرة، وقلته في التصريحات العامة، ومباشرة للإسرائيليين والفلسطينيين ، ولهذا لا أفهم سبب دهشة أحد”.

وتحدث خان (54 عاماً) عن تلقيه رسائل إلكترونية، وأنواعاً من التهديد والضغط . ولكن شخصاً استصدر، في العام الماضي، مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهم ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، ليس خائفاً.

 ووُلد خان لأم بريطانية وأب من باكستان في أدنبرة باسكتلندا. وتنتمي عائلته لطائفة الأحمدية، ونشأ في يوركشاير، حيث عمل والده كأخصائي بالأمراض الجلدية. وأشار إلى المواقف من طائفته، التي يعتبرها البعض غير مسلمة، وكيف تعرضت عائلته في باكستان للعنف، بل ولاحقهم العنف عندما كان يدرس في كينغز كوليج إلى يوركشاير وتم الاعتداء على والده ووالدته وشقيقه وابن عمه، الطبيب.

وبنى مسيرته في القانون بخدمة النيابة العامة، ثم في “المحكمة الدولية الجنائية” الخاصة بيوغسلافيا السابقة. وواصلَ من هناك عمله في المحاكم الخاصة بهيغ، وبنى سمعته كمحامي دفاع.

ومثل الرئيس الليبري السابق تشارلس تيلور، مع أنه تخلى عن القضية، وويليام روتو، رئيس كينيا الحالي، الذي وجهت له اتهامات بالاحتفال بالعنف في كينيا الذي قتل فيه 1,300، حيث تم التخلي عن القضية، وكذا فتمير لامج، قائد جيش تحرير كوسوفو، الذي برئ من التهم.

وعندما رشح نفسه كمدع عام لـ “الجنائية الدولية”، عام 2021، رفضت الحكومة البريطانية، بدايةً، دعمه. وعلى جدار مكتبه في هيغ صورة لرسالة من وزير العدل في حينه، دومينك راب، يرفض فيها تقديم الدعم. وغيّرت بريطانيا موقفها بعدما تبيّنَ أنه حصل على دعم كامل. وعندما تولى المنصب، قبل عامين ونصف، تعهد بملاحقة العنف الجنسي، والعنف ضد الأطفال.

وعادة ما نظر للمحكمة بأنها تلاحق القادة الأفارقة، وبدون جدوى، حيث أدانت، منذ إنشائها، قبل 22 عاماً، عشرة متهمين. وقرر خان توسيع مداها، مضيفاً أن المحكمة تلاحق حالات في الفلبين وميانمار وأفغانستان وبنغلاديش وأمريكا اللاتينية وجورجيا وأوكرانيا وفلسطين. وقال: “قد لا نكون مثاليين، ولكننا صادقون وترشدنا الأدلة، وليس العوامل الخارجية، مثل المواقف السياسية”.

ولكنه حوّل تركيزه بعد هجمات تشرين الأول/أكتوبر على غزة من هجوم “حماس” إلى الرد الإسرائيلي على القطاع وأمر غالانت بفرض حصار عليه ومنع الطعام والوقود والدواء. وقال خان إن “عدداً من المخابز تم استهدافه، وحقيقة وقف المياه، ومنع أقراص تنقية المياه، والأغشية لمحطات تحلية المياه، واستهداف الآبار، وحقيقة استهداف طوابير الناس [للحصول على الماء]، وقتل الناس في منظمات الإغاثة”، هي “أشكال كاملة ومعلمة، وقمنا بتحليلها موضوعياً ومنطقياً”.

ورداً على ما تقوله إسرائيل بأنها وفّرت السعرات الحرارية اليومية لسكان غزة، يقول خان: “ما تقوله كل منظمات الإغاثة، وما شاهدناه من أطفال الهزال، وحتى لو لم نثق بالأطباء الفلسطينيين، فلدينا أطباء أمريكيون وبريطانيون قالوا إنهم أجروا عمليات بتر أطراف بدون تخدير، وأطفال يموتون في الحواضن لانقطاع الطاقة الكهربائية، ومات الناس بسبب عدم توفر الإنسولين”، و”ليست هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تشن فيها الحرب”، و”إذا كان هذا هو ما يبدو عليه الانصياع للقانون الدولي الإنساني، فإن معاهدات جنيف لا تخدم أي غرض”.

ومن أجل جمع الأدلة قام فريقه بـ “جمع عدد متنوع من الأدلة، ولدينا شهود عيان وأطباء أجروا العمليات، ومدى الإسهال بسبب نقص المياه، وصور التقطتها الأقمار الاصطناعية، وفيديوهات تم التحقق منها، وبيانات من المسؤولين والجنود الإسرائيليين”.

واستعان خان بعدد من خبراء القانون الدولي، بمن فيهم أمل كلوني، والبارونة كيندي، والقاضي سي أدريان فولفورد، وإليزابيب ويلمزهيرست، والمحامي داني فريدمان، القاضي والمحامي الأمريكي- الإسرائيلي. وقال: “هؤلاء محامون عظام، وأحترم ما دافعوا عنه من مبدأ طوال حياتهم”، و”جلبتهم للمساعدة على القيام بمهمة جيدة، وكذا لأن هذا وضع لا زالت فيه المشاعر طازجة في كل مكان، وموضوع يثير الانقسام لا يمكن ذكره في المجتمع المهذب”.

 وأشار إلى ويلمزهيرست، التي استقالت بسبب حرب العراق، وكانت المحامية البريطانية الرئيسية في إعداد ميثاق روما الذي أنشأ “الجنائية الدولية”. وكذا ميرون المحامي اليهودي العملاق والذي نصح الحكومة الإسرائيلية: “هل ستتهمه بمعاداة السامية؟”.

 وخان، وإن عبّرَ عن أسفه للضحايا المدنيين، إلا أنه يدعم أهداف إسرائيل “المشروعة” لهزيمة “حماس” وتحرير الأسرى لكن “الطريقة التي تعملها يجب أن تكون ملتزمة بالقانون”.

وفي الوقت الذي جاء أشد النقد لقراره من بريطانيا والولايات المتحدة إلا أنه حصل على دعم من فرنسا وبلجيكا وأيرلندا، وموقف حذر من ألمانيا، ومن وزير خارجية الظل في حكومة “العمال” ديفيد لامي، و”هذه لحظة خطيرة دولياً، ولو لم نلتزم بالقانون فلن يكون لدينا أي شيء نمسك به”. و”كلمات مثل: “لن يحدث أبداً” باتت تعويذات طقسية، ووصلنا لنقطة لم يعد الناس في العالم يشترونها”.