خبر : لو كان غالاوي مناصرا لإسرائيل ..عبد الحميد صيام

الجمعة 15 يناير 2010 11:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
لو كان غالاوي مناصرا لإسرائيل ..عبد الحميد صيام



عند مغادرة جورج غالاوي، منظم قوافل شريان الحياة، معبر رفح إلى الجانب المصري يوم الجمعة الثامن من الشهر الحالي، وبعد تسليم ما أمكن إيصاله من القافلة الثالثة التي استغرقت رحلتها أكثر من شهر إلى غزة المحاصرة، وجد بانتظاره 18 من رجال الأمن المصري الذين اصطحبوه بطريقة غير لائقة إلى مطار العريش وأبلغوه وهو داخل الطائرة أنه شخص غير مرغوب فيه وليس مسموحا له بدخول مصر أبدا. وهو ما يدعى في الأعراف الدبلوماسية بأنه’Persona non-grata’أعلنت بعدها الخارجية المصرية أنها لن تسمح لقوافل شريان الحياة بالاستمرار وأن أية مساعدات إنسانية موجهة لغزة لن يسمح لها المرور إلا من خلال الهلال الأحمر المصري. معنى هذا أن مصير قافلتي الرئيسين الفنزويلي هوغو تشافيز والجنوب أفريقي يعقوب زوما أصبح في مهب الريح. إذن هكذا يكون مصير من يتجرأ بالوقوف مع العرب وقضاياهم العادلة، يتحمل كل الضغوط والمضايقات والتهم من أنصار إسرائيل في الغرب بسبب مواقفه الشجاعة فيخذله النظام العربي ويعلن أنه شخص غير مرغوب فيه.فبدل الترحيب بالمتطوعين الدوليين القادمين من 17 بلدا ورش الزهور على رؤوسهم وفتح البيوت أمامهم كما فعل المواطنون الأحرار في العقبة ودمشق وعلى طول الطريق وصولا إلى اللاذقية، استقبلت السلطة المصرية المتطوعين الأجانب بالهراوات والحجارة والشتائم مخلفة 55 جريحا بعضهم في حالة خطيرة. كما جرى إطلاق نار مشبوه سقط على أثره الشهيد الشرطي أحمد شعبان (21). نتمنى أن يجري تحقيق عادل ونزيه وموضوعي ومن طرف محايد لتحديد الفاعل الحقيقي ومحاكمته علنا. وعلى إثر هذا الحادث المؤسف تم إدانة كل الشعب الفلسطيني قديما وحديثا ومستقبلا واتهموا ببيع أرضهم وتهديد أمن مصر ولم ينج من الشتائم والردح أحد لا سلطة ولا معارضة الذين ’تجاوزوا الخطوط الحمراء’ كما قال إعلام النظام لكن إسرائيل التي قتلت ما مجموعه 57 مصريا على نقاط الحدود، من بينهم الطفلة سماح نايف ابنة الثلاثة عشر ربيعا في العاشر من آذار (مارس) 2008 ، لا تهدد أمن مصر ولا تتجاوز الخطوط الحمراء. ماذا لو كان غالاوي صديقا لإسرائيللوكان غالاوي صديقا لإسرائيل لفرشت له السجادة الحمراء، ولاستقبله رئيس الوزراء في كل رحلة ثم رئيس الدولة واستقبل في الكنيست استقبال الأبطال. وستتم دعوته لزيارة متحف الهولوكوست(ياد فاشيم) وستزرع شجرة باسمه في حديقة المتحف. ثم ما يلبث أن يزيد حماسا واندفاعا في دعمه لإسرائيل بسبب هذا التكريم فيزيد التقدير له والاحترام وسيطلق اسمه على أحد الشوارع ثم يضاف اسمه إلى قائمة الشخصيات المرموقة الداعمة لإسرائيل (أنظر موقع: ’مسيحيون أصدقاء لإسرائيل’) وربما يسمى باسمه مقعد دراسي في الجامعة العبرية أو يطلق اسمه على مدرسة أو كلية أو معهد بحوث.ستنهال عليه الدعوات أولها من اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة (أيباك) ليكون أحد المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر السنوي، كما هو الحال مع فؤاد عجمي، وسيحرصون على تخصيص مقعد له إلى جانب كبار المتحدثين وسرب الضيوف المتقدمين لإعلان الطاعة والدعم لإسرائيل. وسيرشح اسمه لاستلام جائزة تقدير من أعلى مستوى وما يلبث أن يتسلمها أمام عاصفة من التصفيق احتراما وتقديرا لجهوده. وستتدفق عليه الدعوات من مراكز البحوث ومؤسسات جماعات الضغط لإلقاء المحاضرات التي سيرتفع ثمنها ليصل إلى عشرات الألوف من الدولارات. وسيحل ضيفا في نهاية الأسبوع على مزرعة ديك تشيني وسيتسابق لاري كنغ مع ولف بلتزر لدعوته للظهور في برنامجيهما في الـ’سي إن إن’، ولكن محطة’ فوكس نيوز’ ستكون الأكثر إشهارا له ولآرائه وجهوده. وسيصبح إسم غالاوي’كأنه علم من فوقه نار’.لكن السيد غالاوي اختار أن يكون صديقا للعربلكن السيد غالاوي إنسان شريف يدافع عن المظلومين والمقهورين أينما كانوا. آمن بالحق العربي ضد الظلم فقاد قوافل الأمل عام 1999 و 2000 إلى العراق المحاصر، وحشد الجهود الكبرى ضد سياسة بوش العدوانية وقاد المظاهرات المنددة بالحرب عام 2003، بل وظهر أمام مجلس الشيوخ الأمريكي وألقى بيانا بليغا في السابع عشر من شهر أيار (مايو) 2005 ضد الحرب مفندا كل الاتهامات الموجهة إليه حول علاقته بصدام حسين. ثم كان من أوائل المتضامنين مع سكان جنوب لبنان في محنتهم صيف 2006 أثناء الهجوم الإسرائيلي الشامل. ومن منا لا يتذكر مقابلته الشهيرة مع ’سكاي نيوز’ في التاسع من آب (أغسطس) 2006 حيث فند طروحات المذيعة المنحازة إلى إسرائيل وبطريقة بليغة ومنطقية وصلبة مدافعا عن حق الشعب اللبناني بمن فيهم حزب الله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. (يمكن مشاهدة المقابلة على اليوتوب) . جزاء هذا المناضل الاعتداء والطرد، لأنه ببساطة يكشف عمق التواطؤ بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل، ولأنه قادر على أن يثير الشارع العربي من محيطه إلى خليجه في حركة تضامن شعبية مع معاناة غزة. لقد خرج سكان العقبة بكاملهم لاستقبال القافلة وفتحوا بيوتهم لمدة أسبوع للضيوف الخمسمئة، وكانت الجماهير العربية تخرج لاستقبال القافلة أينما حلت حتى في مصر نفسها . وفي شمال أفريقيا اضطر أحد الأنظمة أن يغير طريق القافلة الأولى لإبعادها عن المدن الرئيسية خوفا من انفلات الأمور وتطورها إلى حركة تضامن منظمة. لهذين السببين، تعرية الأنظمة وتحريك الشارع العربي، تصدر الأوامر لرجال الأمن للانقضاض على القافلة وإشباع المشاركين ضربا وتكسيرا. ثم يعلن النظام المصري إقفال الباب نهائيا أمام قوافل شريان الحياة القادمة.أهمية القوافل في رمزيتهاقوافل الإغاثة الإنسانية هذه تكشف هشاشة هذا النظام المتهاوي على نفسه. فبدل أن تتحول مصرالعظيمة بملايينها الثمانين إلى شريان حياة لأبناء غزة ورئة نقية يتنفس منها المحاصرون في القطاع ومعبرا آمنا ومشرفا لكل المتضامنين من أنحاء العالم مع معاناة الأبرياء المجوعين المحاصرين، وجسر نجاة لكل الباحثين عن مخرج من تحت حمم قذائف الموت المنصبة على رؤوسهم، حولها النظام إلى كابوس يخنق ما تبقى من فائض آلات الموت الإسرائيلية بانتظار الإجهازعلى البقية الباقية بعد الانتهاء من بناء الجدار الفولاذي الذميم تحت الأرض لا فوقها ’حرصا على أمن مصر وتثبيتا لسيادتها’ من الخطر القادم من غزة التي تهدد أمن ثمانين مليون في رقعة أرض تصل إلى مليون كيلومتر مربع تعادل ثلاثة آلاف ضعف حجم غزة. أي منطق أكثر هشاشة من هذا ؟هذه القوافل الإنسانية التي تحمل شيئا من الغذاء والدواء ليس المقصود منها حل المشكلة الإنسانية في القطاع والتي لا يحلها ألف قافلة، بل الهدف تسليط الأضواء على معاناة الشعب الفلسطيني تحت الحصار وإظهار العجز الدولي أمام الجرائم الإسرائيلية التي تخضع مليونا ونصف المليون لحالة فريدة غير مسبوقة من الحصار الشامل يذكرنا بحصار لينينغراد (أو سانت بطرسبيرغ) على أيدي القوات النازية الذي استمر 872 يوما فقط فانهزم النازيون وصمدت لينينغراد.القوافل تعبير عن تضامن الأحرار في العالم مع شعب ضحية لا ذنب له إلا أنه متمسك بأرضه وحقوقه ويرفض أن يرفع راية الاستسلام كما رفعها الكثير من الأنظمة العربية التي تنكرت لعروبتها وإسلامها وانسانيتها واختارت طريق المذلة والهوان. أهمية هذه القوافل في أنها تعري النظام العربي الرسمي المشارك في الحصار بشكل فاعل ومؤثر بحيث تقف هذه الأنظمة عارية حتى من ورقة التوت أمام شعوبها وأمام الشعب العربي وأمام أحرار العالم. ولهذا أوقفت هذه القوافل وطرد منظمها المناضل غالاوي ونزلت الهراوات والكرابيج والعصي على رؤوس المشاركين الأجانب كي يصل الدرس البليغ إلى الجماهير العربية المكبلة المقهورة المحاصرة هي الأخرى من أنظمتها مثلها مثل الشعب الفلسطيني في غزة المحاصر بين فكي كماشة الأعداء والإخوة. ’ أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك