تساءلت المعلقة في صحيفة “الغارديان” أروى المهداوي عن السبب الذي منع الولايات المتحدة من الدعوة لفتح تحقيق في مقابر غزة الجماعية. وقالت في مقال: “هل تعرف أن الفلسطينيين هم أول شعب يتعرض للتطهير العرقي والجرائم الجماعية في العالم؟ أعرف أن هذا يبدو غريباً، ولكن، كما يظل الساسة الأمريكيون والإسرائيليون يذكروننا، فنحن نتحدث عن “وحوش” هنا، ولهذا لا تنطبق القواعد العادية، وما عليك إلا اتّباع قواعد فلسطين”.
وما هي هذه القواعد؟ الجواب، كما تقول المهداوي: “تملي قواعد فلسطين عليك الآتي: تجاهل كل مؤسسة دولية تطلق انتقادات لإسرائيل عن بعد. وبالتأكيد لا تُصغِ لوكالات إغاثة، مثل أوكسفام عندما تقول إن إسرائيل تقوم عمداً بـ “بمنع وتقويض الرد الإنساني في قطاع غزة”، لا، فحقيقة موت الأطفال في غزة بسبب فقر التغذية والجوع، وبمعدلات سريعة لم يشاهدها العالم، لا علاقة لها بإسرائيل، بل هو خطأ هؤلاء الفلسطينيين المزعجين”. كما أن الفلسطينيين هم المسؤولون عن الأعداد الكبيرة من الأطفال الذين بُترت أطرافهم.
وقالت: “لنكن واضحين، فلو فرّ كلّ فلسطيني وُلد في عام 1948 عند إنشاء إسرائيل، ولو تخلّوا بالكامل عن هويتهم الفلسطينية، لم يكن ليحدث أيّ شيء نراه أمام أعيننا في غزة والضفة الغربية، ولا أحد يمكن أن يجادل في هذا المنطق، هل تستطيع؟”. وأضافت قائلة: “تعرف أيضاً ما هو خطأ الفلسطينيين؟ المقابر الجماعية التي كشف عنها وسط دمار المستشفيات في غزة”. وكما قالت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: “من بين الموتى كبار في العمر، ونساء جريحات، فيما عثر على آخرين وأيديهم مقيدة، مقيدون ومجردون من ملابسهم”. وليس أمراً بعيداً عن المنطق ومثيراً للجدل القول إنك عندما تعثر على أدلة تقترح حدوث انتهاكات صارخة للقانون الدولي، فأول شيء تقوم به هو فتح تحقيق مستقل. لكن القواعد الفلسطينية طبقت مرة أخرى، فقد “قالت إسرائيل إنها لم ترتكب أي شيء خطأ، مجادلةً أن هذه أخبارٌ مزيفة، قائلة إن الفلسطينيين هم من حفروا مقابرهم، ثم قالت إدارة بايدن إنها واثقة في قيام إسرائيل بالنظر في شؤونها”. ففي الوقت الذي طالب فيه المسؤولون الأمريكيون إسرائيل بالتحقيق “العميق والشفاف” في تقارير المقابر الجماعية، فإنهم رفضوا المطالبة بتحقيق مستقل.
ويتساءل المرء عن التردد في التحقيق، فلو كانت في الحقيقة “أخباراً مزيفة” فعندها يجب أن ترحب الولايات المتحدة وإسرائيل بتحقيق مناسب، و”لا شيء يصرخ بصوت عال من أن “التستر على جرائم الحرب” هو مثل الإصرار على رفض فتح تحقيق مستقل”.
وتقول مهداوي إنها أرادت كتابة المقال قبل عدة أيام، وفي كل مرة تجلس خلف مكتبها للكتابة عن رعب غزة تشعر بالألم الجسدي، فتتوقف. و”كيف سيوافق أيّ دافع للضريبة على تمويل هذا، أسائل نفسي مراراً! وكيف يشعر أيُّ شخص بالراحة مع معاناة الأطفال الأبرياء ألماً لا يمكن تخيّله، وقيام أمريكا بتمويل هذا؟ وكيف سيكون أيُّ شخص مرتاحاً لفكرة تحوّل غزة لمكان غير قابل للعيش؟ وكيف سيشعر أيُّ صحافي بالراحة من أن نسبة 75% من الصحافيين قُتلوا في عام 2023 هم جراء الحرب الإسرائيلية على غزة؟”، و”الجواب على كلِّ هذه الأسئلة، كما هو الحال دائماً، أن الفلسطينيين لا قيمة لهم. وبالتأكيد، لا أهميه لهم بالنسبة للذين حضروا عشاء مراسلي البيت الأبيض المبهر، يوم السبت. وهي المناسبة التي طالما انتُقدت لكون الصحافة ودية مع السياسيين الواجب عليها محاسبتهم، وعَزّزتْ مناسبةُ السبت هذه الفكرة.
وفي وسط ما يرى الكثيرون أن الولايات المتحدة موّلت إبادة جماعية في غزة، والتي لم يظهِر جو بايدن خلالها أيّ تعاطف مع الفلسطينيين، وقف الكوميدي كولين جوست وأخبرَ الحضور في القاعة أن الرئيس هو “ابن ناس” مؤدب وشريف. وقال جوست، مخاطباً بايدن: “[جدي] مَنَحَ صوتَه لك”، و”السبب الذي جعله يصوّت لك لأنك رجل مؤدب، وصوت جدي للأدب والصدق هو ما جمعنا الليلة هنا. والأدب هو ما يجعلنا نطلق النكات حول بعضنا البعض، ولن يذهب أحدنا إلى السجن بعد أن نذهب إلى نيوزماكس [محطة تلفزيونية] بعد الحفلة”.
وعلقت مهداوي قائلة: “يُقتل في غزة طفل كلّ عشرة دقائق، وفي الوقت الذي أنهى فيه جوست خطابه عن الأدب والحشمة، وانتهى من تلميع الأدب، قتل المزيد من الأطفال وبقنابل إدارة بايدن. وبانتهاء حفلتهم سيقتل عشرات الأطفال، كل هذا يريدنا أشخاص مثل جوست التفكير بأنه أدب، ولم يكن هو الوحيد، فالنخبة الأمريكية مهووسة بفكرة الأدب والكياسة السامة، وكل هذا مجرد تأكيد لفكرة: التزم بالصمت، وحافظ على الوضع الراهن. وعلينا رفض هذه الفكرة، ولا شيء غير مؤدب مثل الصمت أمام الظلم”.