نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده كريم فهيم وبريان بيستش، أشارا فيه للدور الذي لعبته غزة في تشكيل دور قطر كوسيط إقليمي.
وقال الكاتبان إنه في الأشهر التي أعقبت هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبداية الحرب الإسرائيلية على غزة، اعتمد الطرفان في التفاوض على تدخل وسيط صغير ولكنه مؤثر: دولة قطر.
وعندما توصلت إسرائيل وحماس إلى اتفاق لوقف مؤقت للقتال، كانت قطر هي اللاعب الرئيسي في الوساطة. وفي الوقت الذي لا تزال فيه المحادثات مستمرة من أجل تحقيق وقف جديد للنار، فإن قطر هي الوسيط الرئيسي للمفاوضات. وأشارت الصحيفة إلى أن قطر الغنية بالطاقة، استخدمت نفوذها وعلاقاتها الدبلوماسية المؤثرة، بما في ذلك حماس وطالبان وأعداء الولايات المتحدة مثل روسيا، للوساطة في موضوعات حساسة خلال النزاعات الدولية.
وبحسب التقرير” فقد شعرت قطر بالغضب من التعليقات الأخيرة، بما فيها تلك التي صدرت عن النائب الديمقراطي ستيني أتش هوير، من أن قطر لم تفعل الكثير لدفع حماس للموافقة على صفقة، ودعاها لكي تظل محايدة. وقالت قطر هذا الأسبوع إنها تعيد النظر في دورها كوسيط، رغم عدم حدوث تغيير محتوم”.
ولعبت قطر دورا مهما في التوصل إلى اتفاق تشرين الثاني/ نوفمبر، لوقف القتال الذي أسهم في الإفراج عن امرأتين أمريكيتين، فيما ردته حماس لـ”أسباب إنسانية”. وشارك البلد في المحادثات اللاحقة للإفراج عن عشرات الأسرى الذين يعتقد أنهم لا يزالون في غزة. وتنقّل المفاوضون في الأشهر الأخيرة ما بين الدوحة وباريس والقاهرة. وشارك رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في المفاوضات إلى جانب المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والأمريكيين والمصريين.
وووفق التقرير “ينبع تأثير قطر في غزة من دعمها الكبير للفلسطينيين والإسلاميين في المنطقة، حيث حافظت على علاقات مع حماس، وحاولت في الماضي التوسط في الخلافات بينها وبين الفصائل الفلسطينية الأخرى، ودفعها للمصالحة خاصة حركة فتح في الضفة الغربية”.
وفي عام 2012، كان أمير قطر في حينه الشيخ حمد بن خليفة، أول رئيس دولة يزور غزة التي تسيطر عليها حماس، وتعهد بتقديم ملايين الدولارات كمساعدات للقطاع. واستقبلت قطر قادة حماس في الدوحة، وأقامت علاقات محدودة مع إسرائيل في التسعينات من القرن الماضي، في وقت عارضت بقية دول الخليج هذا النهج بقوة. وفتحت إسرائيل مكتبا للمصالح التجارية في الدوحة.
وبعد توليه السلطة، رفض الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، متابعة دول في الخليج للتطبيع مع إسرائيل. وأكد المسؤولون القطريون أن خطوة كهذه تأتي بعد السلام الشامل بين إسرائيل والفلسطينيين. وبعيدا عن الشأن الفلسطيني، حاولت الدولة الغنية بالغاز الطبيعي، ولا يتجاوز تعداد سكانها عن 2.7 مليون نسمة، الوساطة في عدد من النزاعات.
وبدأت الوساطة بشكل كبير مع العشرية الأولى للقرن الحالي، حسب سلطان بركات، الأستاذ في مؤسسة قطر بجامعة حمد بن خليفة في الدوحة. وكتب بركات ورقة علمية عن مبادرات الوساطة هذه في عام 2014، بما فيها المحاولات الأولى للوساطة في اليمن ولبنان والسودان وبين إسرائيل وحماس. وكتب قائلا إن هذه الجهود لم تؤد إلا لنتائج مزيجة قبل عام 2011. ومع بداية ذلك العام الذي شهد احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في أنحاء الشرق الأوسط، لم تكن قطر معروفة بالدبلوماسية قدر دعمها لانتفاضات الربيع العربي وكذا الجماعات الإسلامية المشاركة في هذه الثورات.
ولفت التقرير إلى أن موقف قطر أدى لإغضاب القوى الأخرى في الخليج، خاصة الإمارات والسعودية. وزاد التوتر بينها حتى وصل إلى حد القطيعة في عام 2017، والتي استمرت مدة ثلاثة أعوام، حيث طالب تحالف رباعي بما فيه مصر والبحرين، الدوحة بوقف العلاقات مع إيران وإغلاق قناة الجزيرة، وفرض التحالف هذا حصارا بالبر والبحر والجو على قطر.
وأشار التقرير إلى أن قطر لعبت دورا مهما في أفغانستان، حيث استقبلت بعثة طالبان، وتوسطت في المفاوضات بين الحركة والولايات المتحدة بشأن وقف الحرب، كما كانت محورية في مساعدة واشنطن لإجلاء المدنيين الأمريكيين والحلفاء بعد الخروج الفوضوي في 2021. وفي عام 2023، ساعدت قطر في تبادل رهائن بين أمريكا وإيران.
ووبحسبه تأتي الدفعة الدبلوماسية كجزء من حزمة “القوة الناعمة” لكي تميز قطر عن جيرانها في المنطقة، والتي شملت فتح فروع للجامعات الأمريكية المعروفة على أراضيها. وكذا دعم الفرق الرياضية واستقبال مباريات كأس العالم عام 2022. وكانت الوساطات القطرية مهمة خاصة عندما تنفع الولايات المتحدة، وشكلت حاجزا لها من النقد الذي يطالها للتعامل مع جماعات تعتبر إرهابية في الدول الغربية. وأكدت قطر هذا الأسبوع أنها تريد النظر إليها كطرف محايد في الحرب بين حماس وإسرائيل.
وقالت السفارة القطرية في واشنطن، إن “قطر هي وسيط، ولا نتحكم بإسرائيل أو حماس”. وجاءت هذه التعليقات بعدما طلب النائب هوير من الدوحة دفع حماس كي تقبل بصفقة. وفي بيان يوم الإثنين، شجع قطر على التفكير “بحرمان قادة حماس من الملجأ في الدوحة”، و”لو فشلت قطر بممارسة هذا الضغط، فيجب على الولايات المتحدة إعادة النظر في العلاقات معها”، كما قال.
وقالت السفارة القطرية في واشنطن إنها “فوجئت بالتهديد” وأن “دور الوساطة موجود لأن الولايات المتحدة طلبت منا عام 2012 القيام به لأن إسرائيل وحماس رفضتا الحديث مع بعض مباشرة”.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها بتشرين الأول/ أكتوبر، أن الولايات المتحدة وقطر وافقتا على تقييم العلاقة مع حماس، ولا يعرف إن كان هذا التقييم يشمل طرد قيادة الحركة من قطر. وطالبت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ في الحزبين الشهر الماضي، قطر بأن توقف استقبالها للقيادة السياسية لحماس في الدوحة. وفي بيان لوزارة الخارجية القطرية يوم الأربعاء، قالت إن التوصيف الخاطئ لجهود الوساطة التي تقوم بها “استلزم إعادة تقييم قطري شامل لدورها”.