هل نحن أمام حرب استنزاف طويلة؟

الأربعاء 20 مارس 2024 06:06 م / بتوقيت القدس +2GMT



الكاتب: ناصيف حتي:

في خضم الحديث عن مفاوضات تتقدم وتتعثر بشأن التوصل إلى هدنة مطوّلة في غزة كخطوة أولية، كما تحاول بعض الأطراف الدولية الإيحاء، وذلك في الطريق إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار، يزداد التصعيد العسكري الإسرائيلي سواء على الأرض أو في الأهداف: نتنياهو يكرر أن العملية في رفح ستحصل، حتى لو تأخرت بعض الوقت. ويلخص «معادلة رفح» بما يلي: عدم التحرك في رفح يعني خسارة الحرب. كما أن التصعيد في الضفة الغربية استقر كمسار آخر في الحرب الإسرائيلية من خلال ازدياد أعمال القمع والعنف ضد الفلسطينيين، خاصة في منطقة جنين في ظل العديد من المؤشرات التي تدل على قيام انتفاضة جديدة (الثالثة) في الضفة الغربية والتي في ظل الحرب الدائرة قد تأخذ مجرى أكثر حدة من الانتفاضتين السابقتين في تاريخ الضفة الغربية. في الإطار نفسه حولت إسرائيل القدس الشرقية إلى «ثكنة عسكرية» تحضيراً لما قد يحصل من تطورات في شهر رمضان من حصار ومحاصرة للمسجد الأقصى بواسطة المتشددين الدينيين، أو بسبب سياسات الخنق والتضييق التي تقوم بها إسرائيل. الأمر الذي يشكل فتيل انفجار كبير. وسيكون من الصعب احتواء نيران ذلك الانفجار إذا ما حصل.

التصعيد الثالث في الحرب الإسرائيلية يحصل على الجبهة اللبنانية من خلال التصعيد النوعي في الأهداف عبر ما يعرف بالضربات الجراحية أو الاجتثاثية تطال أهدافاً استراتيجية عند العدو. وتتخطى تلك الأعمال الحربية ما يُعرف بالمواجهة العسكرية التقليدية، الأمر الذي يوسع بشكل كبير جغرافيا الحرب الدائرة، كما يزيد من مخاطر التصعيد.
عنوان الحرب الإسرائيلية القضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينية حتى في المستقبل البعيد وحتى كعنوان للتهدئة «وتخفيض الصراع». الهدف هو الفصل كلياً ونهائياً بين غزة والضفة الغربية والتعامل معهما على هذا الأساس، وفرض ذلك على الآخرين باعتبارهما كيانين منفصلين يحتلان موقعين مختلفين في الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية للصراع الدائر: الضفة الغربية والقدس الشرقية هما جزء من إسرائيل الكبرى التي تجرى عملية تعزيز إقامتها من خلال تهويد الجغرافيا والديمغرافيا كما نذكر دائماً. أما «كيان» غزة فهو مشكلة أمنية استراتيجية من حيث الأهمية بالنسبة لإسرائيل، وهنالك خط أحمر عند الحكومة الإسرائيلية يرفض الاعتراف بأي ترابط بين الضفة الغربية وغزة. الأخيرة يجب أن تخضع للسيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وتنتظم الحياة فيها مستقبلاً تحت أي إدارة فلسطينية يمكن إقامتها بالطبع بموافقة إسرائيلية؛ نوع من الحكم الذاتي يبقى القطاع تحت تلك السيطرة الإسرائيلية.
يدفع ذلك لطرح بعض الأسئلة والتساؤلات فيما يتعلق بالاستراتيجية الإسرائيلية في الحرب القائمة على الجبهات المشار إليها: إسرائيل التي صارت أسيرة الأهداف المرتفعة السقف جداً على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية: هل ستتبع إسرائيل استراتيجية استنزاف طويلة الأمد رغم كلفتها ومخاطرها عليها أيضا سواء على الجبهة اللبنانية أو الفلسطينية. إستراتيجية استنزاف، ستكون مكلفة بالطبع أيضاً لإسرائيل، وتشهد تصعيداً وتخفيضاً في القتال بغية تحقيق أهدافها الصعبة التحقيق وغير الممكنة، طالما لا توجد ضغوطات دولية فاعلة لوقف كلي للحرب كبديل أكثر من ضروري لسياسات الهدن القصيرة والطويلة. السياسات التي تهدف لتنفيس الاحتقان بعض الشيء أو التقاط الأنفاس في حرب ممتدة في الزمان وربما في المكان. حرب استنزاف يدل الكثير من المؤشرات أنها قد تستقر كجزء من المشهد السياسي في المنطقة لفترة لا يدرى أحد حالياً متى أو كيف ستنتهي على الجبهات القائمة، وما هي مخاطر تداعياتها على الأقلية وحجم هذه التداعيات، وبأي تكلفة بالنسبة للجميع.
متى تحين لحظة التعب؟ سؤال يبقى مطروحاً في مشهد شديد التعقيد ومفتوح على كل الاحتمالات أو السيناريوهات: ترابط في القتال على الجبهات من جهة واختلاف أو فك ارتباط بين التسويات أو التفاهمات التي ستوقف القتال على تلك الجبهات، ولكن لا تنهى النزاع من جهة أخرى. أي ترتيبات في غزة وفي جنوب لبنان غداً؟ متى يأتي ذلك الغد؟ ترتيبات تبقى انتقالية ومفتوحة في الزمان على جميع الاحتمالات طالما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية سلمية شاملة أمامها الكثير من العوائق والتحديات: ليس ذلك بالأمر السهل ولكنه ليس بالأمر المستحيل.