كشفت مصادر مصرية مطلعة على تفاصيل المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار وإبرام صفقة تبادل الأسرى في قطاع غزة، عن "اتصالات مكثفة جرت بين المسؤولين في جهاز المخابرات العامة وقيادة حركة حماس، بشأن مناقشة ما جاء في رد الحركة الذي طرحته أخيراً لاستكمال مفاوضات التوصل إلى هدنة في غزة".
وقدّمت حركة "حماس"، مساء الخميس الماضي، مقترحها لتبادل الأسرى وإرساء هدنة في قطاع غزة، قائلة إن التصور يرتكز على مبادئ "وقف العدوان على شعبنا في غزة، وتقديم الإغاثة والمساعدات له، وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم، وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع"، بالإضافة إلى رؤيتها فيما يتعلق بملف تبادل الأسرى.
وفي حين لم تكشف الحركة عن تفاصيل المقترح، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول في "حماس" لم تسمه قوله، الجمعة الماضي، إن المقترح يقوم على مرحلتين ويفضي في النهاية إلى وقف دائم لإطلاق النار. في المقابل، نقلت وكالة "أسوشييتد برس"، أمس السبت، عن مسؤولين مصريين، أحدهما مشارك في المحادثات والثاني تم إطلاعه على رد الحركة، وجود 3 مراحل.
وأوضح المسؤولان المصريان أن المرحلة الأولى ستكون عبارة عن وقف إطلاق نار لمدة ستة أسابيع، يتضمن إطلاق سراح 35 أسيراً إسرائيلياً في قطاع غزة، هم نساء ومرضى وكبار السن، في مقابل 350 أسيراً فلسطينياً. كما ستطلق الحركة سراح ما لا يقل عن خمس جنديات مقابل 50 أسيراً، بما في ذلك بعض الذين يقضون أحكاماً طويلة، مقابل كل جندي. وأشارا إلى أن قوات الاحتلال ستنسحب من طريقين رئيسيين في غزة وتسمح للنازحين بالعودة إلى شمال غزة وتدفق المساعدات.
وقال المسؤولان إنه في المرحلة الثانية سيعلن الجانبان وقفاً دائماً لإطلاق النار وستطلق "حماس" سراح الجنود الإسرائيليين المتبقين مقابل المزيد من الأسرى. وفي المرحلة الثالثة، ستسلم "حماس" جثث القتلى مقابل قيام إسرائيل برفع الحصار عن غزة والسماح ببدء إعادة الإعمار.
اتصالات بين مصر وحماس
وأوضح مصدر مصري، لـ"العربي الجديد"، أن "الاتصالات الجارية بين مصر وحماس تستهدف تجهيز بدائل لبعض البنود التي من الممكن أن تشكل عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق قبل انطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة في العاصمة القطرية الدوحة، والتي من المقرر أن تشهد حضوراً أميركياً وإسرائيلياً مكثفاً".
وأوضح المصدر أن "هناك دعوة مصرية مفتوحة لقيادة حماس، لزيارة وفد منها إلى القاهرة، للتوافق على خطوط عامة قبل انطلاق الاجتماعات في الدوحة".
وقال المصدر، إن "المسؤولين في القاهرة يعتقدون أن حماس قدمت تسهيلات خلال ردها الأخير، لتجاوز محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للتملص من التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار".
وأوضح أن حركة حماس "ربما تكون أدركت المحاولات الإسرائيلية لتصدير أزمة داخلية لها، في ظل تردي الوضع الإنساني، وحاجة مواطني القطاع إلى هدنة لالتقاط الأنفاس، وهو ما يجنبها خسارة الحاضنة الشعبية للمقاومة".
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي أعرب، مساء أمس الأول الجمعة، عن "تفاؤل حذر" بشأن التطورات الأخيرة في المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس بشأن إطلاق سراح الرهائن.
وقال كيربي، في مؤتمر صحافي، إن "رد حماس على إطار اتفاق الرهائن الأخير، هو ضمن حدود الصفقة التي كنا نعمل عليها منذ عدة أشهر". وشدد على أن رد الحركة "يتماشى مع الإطار الأوسع للمفاوضات المستمرة منذ فترة".
تنسيق بين فصائل المقاومة
من جانبه، قال قيادي في "حماس" إن "رد الحركة الأخير، جاء بعد تنسيق كامل مع باقي فصائل المقاومة في غزة، والذين يمثلون شركاء الميدان". ولفت إلى أن "تأخير الرد، جاء للحصول على موافقة كاملة من هؤلاء الشركاء"، معتبراً، في الوقت ذاته، أن "ما تم تقديمه، لا يمثل تنازلات، ولكن هي المفاوضات وتكتيكاتها" بحد تعبيره.
وتابع أن "الرد الجديد، جاءت فلسفته متماشية مع موقف المقاومة"، مضيفاً: "نحن لم نسقط المبادئ العامة المتعلقة بالوقف الكامل لإطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع وإعادة الإعمار ورفع القيود عن إدخال المساعدات"، موضحاً، في الوقت ذاته، أن "تلك الشروط حاضرة على طاولة التفاوض، خلال مرحلة تالية ضمن إطار اتفاق مرحلي".
وشدد على أن "ما قدمته حماس مؤخراً، ليس اتفاقاً قائماً على مرحلة واحدة، ولكن هو رد متعلق برؤية تشمل اتفاقا قائما على مراحل، حتى لا يظن الاحتلال أنه سيحرر أسراه دون دفع الكلفة".
وقال القيادي في الحركة إن "المقاومة، وهي جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ونسيجه، تشعر بآلامهم وتتجاوب معها، ولا تتعنت في المفاوضات، لكنها في الوقت ذاته، تعمل على الحفاظ على مكتسبات هذا الشعب وتضحياته التي قدمها، وصموده الأسطوري".
وشدد القيادي في حركة حماس على أن "أيادي المجاهدين على الزناد في الميادين المختلفة"، مضيفاً أن "من يظن أن حالة الهدوء من الممكن أن تتحقق بمجرد الحديث عن بدء مفاوضات وقف إطلاق النار، فهو واهم"، مشدداً على أن "الساحات كافة، ستظل على مستواها القتالي لحين التوصل إلى اتفاق واضح بضمانات حقيقية".
خطوط حمراء لدى المقاومة
وأضاف: "فيما يتعلق ببعض المطالب الواردة في رد المقاومة، فإن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن التراجع عنها أو التساهل بشأنها، ولو كانت الحركة قد أبدت مرونة تكتيكية بشأن بعض الخطوط والأطر العامة، إلا أنها، في الوقت ذاته، تتمسك ببنود أخرى مثل ضرورة انسحاب جيش الاحتلال من الممر الذي أنشأه جنوب مدينة غزة، في محاولة منه لفصل شمال القطاع ووسطه عن الجنوب، وفتح شارع الرشيد وطريق صلاح الدين". وشدد على أن المقاومة "تجاوبت مع جهود الوسطاء مؤخراً، بعد ما أكدوا إبداء الاحتلال قبولاً بعودة المواطنين للشمال".
وأشار القيادي في الحركة إلى أن "مسألة إطلاق سراح عسكريين ضمن المرحلة الأولى -في إشارة للمجندات- سيتم وفقاً لرؤى المقاومة المتعلقة بأثمان العسكريين في المفاوضات، وأن إطلاق سراح أي من المجندات الذين تم أسرهن من داخل الوحدات العسكرية التي دخلتها المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيكون وفقاً للأثمان التي حددتها الكتائب". وأكد أن "الأسرى العسكريين، سيبقون لدى المقاومة، كضمانة لاستمرار الاحتلال في الوفاء بباقي بنود أي اتفاق يتم التوصل إليه".
فرص جيدة للتوصل إلى اتفاق
ورأى المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير محمد العرابي، أن فرص التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي جيدة. وقال لـ"العربي الجديد"، إنه "في هذه المرة، هناك فرصة سانحة للوصول إلى اتفاق بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة في قطاع غزة"، مضيفاً أن "القادم كبير جداً، وحماس تدرك هذا جيداً".
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي يوسف الشرقاوي، لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن لدى كل الأطراف حالياً جدية في تنفيذ صفقة تبادل، لا سيما أن رد حركة حماس واقعي، ويتطابق مع مقترحات باريس".
وأوضح الشرقاوي أن "حماس" تشترط "إلزام الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من شارع الرشيد ومحور صلاح الدين، لتمكين النازحين جنوباً من العودة إلى شمالي قطاع غزة، ومنح المواطنين حرية التنقل، وتهيئة الظروف لحرية نقل المساعدات".
وأوضح أن الحركة "طالبت إسرائيل بالإفراج عن 50 أسيراً فلسطينياً من أصحاب المؤبدات، مقابل كل مجندة إسرائيلية حية، والإفراج عن النساء والأطفال وكبار السن والمرضى الإسرائيليين. أما في المرحلة الثانية، فقد اشترطت حركة حماس، وقفاً دائماً لإطلاق النار، يسبق تبادل ما لديها من أسرى من العسكريين الإسرائيليين. أما في المرحلة الثالثة، فاشترطت حماس، البدء بعملية إعمار شاملة ورفع الحصار عن غزة".
واتفق مع ذلك، الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، مؤكداً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق، خاصة وأن الإدارة الأميركية أبدت رضاها عما قدمته حماس، وأيضاً تصاعد الضغط على نتنياهو، وآخره تصريحات رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي (تشاك شومر)، وهو يهودي صهيوني معروف بدعمه الدائم لإسرائيل". واعتبر أن "الدوائر أخذت تضيق على نتنياهو، ولا يوجد وقت كثير لديه لمواصلة المماطلة".