ممر قبرص البحري ..قصة قديمة جديدة ..!

الأحد 10 مارس 2024 07:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
 ممر قبرص البحري ..قصة قديمة جديدة ..!



كتب أكرم عطا الله:

                                                                                 

           " اسرائيل توافق على إنشاء ممر بحري يربط غزة بجزيرة قبرص " كأن التاريخ يعيد نفسه بمكر شديد ، من يقرأ هذا الخبر يعتقد أنه رد فعل على ما جاء على خطاب الرئيس الأميركي الأخير لكنه كان عنواناً رئيسيا لصحيفة الحياة اللندنية في الثالث عشر من أغسطس عام 2015 عندما كانت تبحث اسرائيل عن بديل يتمم فك الإرتباط نهائيا مع غزة كانت تلك خلاصة مفاوضات كان يرعاها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لكنها لم تنجح تماماً قبل ثماني سنوات بين تل أبيب والدوحة حيث التواصل مع رئيس المكتب السياسي آنذاك حالد مشعل .

               في يونيو 2018 جرى تداول مقترح من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أفيغدور ليبرمان بإنشاء رصيف بحري لقطاع غزة في جزيرة قبرص لم يتم نقاش المقترح تماما ويبدو أن وجود ليبرمان في وزارة الدفاع وفر له إطلالة على بعض من مشاريع الامن القومي الإستراتيجية لكن الأمر كان مبكرا ينتظر نضوج ظروف أكثر مهيأة لتفيذه .

               في العشرين من ديسمبر الماضي كان وزير الخارجية الإسرائيلي الذي تم استبداله في الحرب إيلي كوهين يزور قبرص لإجراء محادثات بشأن الممر المائي الذي اقترحته نيقوسيا في أوائل نوفمبر الماضي " معطيا موافقة اسرائيل على المشروع " الذي بدأ يرى النور بعد أقل من شهر على بدء الحرب دون أن تدرك نيقوسيا أو غيرها أو تفحص مسار المساعدات البرية كأن هناك معرفة بأن اسرائيل ستغلق المسارات البرية خلال الأشهر القادمة من كان يعرف ذلك ؟ اسرائيل وحدها .

             في خطاب الرئيس الأميركي لحالة الإتحاد اندهش المراقبون واسرائيل أيضا من قرار الرئيس الأميركي بالطلب من الجيش إنشاء ممر بحري للمساعدات لغزة يربطها بقبرص كان الأمر أشبه بمفاجأة غبية ولإكمال الدهشة تعلن اسرائيل ترحيبها بالخطة الاميركية لنقل المساعدات من غزة ...! يا للمفاجأة ... اسرائيل وافقت على مشروعها القديم .. الرئيس الأميركي الذي كان أضعف من إدخال كيس من الدقيق لشمال القطاع وأوقف بتسليئيل سموترتريتش شحنته التي أرسلها قرر تجميدها في ميناء اسدود أعطى أوامره بانشاء ممرا بحريا دون التشاور مع اسرائيل ... ولحسن الحظ اسرائيل التي لم تكن تعلم أعطت موافقتها ...!

              يبدو أن اسرائيل والولايات المتحدة يتعاملون مع الفلسطينيين كمجموعة من السذج ممسوحي الذاكرة والذين يمكن تبليعهم أي شيء فقط مجرد اخراج متوسط الأداء وكل شيء يتم تنفيذه ، وهم إلى حد ما محقون في هذا فقد اتكات اسرائيل على انعدام الكفاءة الفلسطينية في إدارة السياسة وانشغال الفلسطينيين بصغائر صراعاتهم على السلطة والحكم تمكنت اسرائيل خلال ذلك من تنفيذ أخطر مشروع تخطط له منذ الثمانينات بفصل غزة عن الضفة وقد تم عام 2007 رغم كل المعطيات والتصريحات قبل ذلك لكن الفلسطينيين ساروا بأقدامهم إلى حيث يريد القدر الإسرائيلي .

                جاء الممر البحري كمشروع اسرائيلي قديم جديد يعلنه الرئيس الأميركي وليس اسرائيل تحت غبار الصواريخ والأزمة الإنسانية التي أغلقت اسرائيل كل أبواب انفراجها متعمدا حتى لا تترك متسعاً إلا للممر البحري وفي هذه الظروف يهرع الجميع بإسم الإنسانية في ذروة الأزمة حيث لا متسع للأسئلة الصعبة حين تتبدى المأساة المصطنعة بهذا الشكل حيث لا تفكير سوى الإنقاذ في حالة الطوارئ .

                الإخراج عبر الولايات المتحدة التي استسلمت لعجزها عن ادخال مساعدات من المعابر وكأن الأمر رغما عن اسرائيل وتهرع دولاً عربية لتمويل المشروع ويظهر المشروع كتدخل علاجي طارئ في لحظة انسانية حرجة أمام عناد اسرائيل التي لم تجد أمام هذا الإندفاع الدولي سوى الإستسلام والرضوخ والموافقة حتى أن الأمم المتحدة التي تبحث اسرائيل شطب ذراعها الكبير في اغاثة اللاجئين الأونروا ترسل كبيرة منسقيها للشئون الإنسانية وإعادة اعمار غزة سيخريد كاخ التي تزور قبرص في الخامس من فبراير الماضي لتناقش الممر البحري لقطاع غزة .. كان ذلك قبل أن يعلن الرئيس بايدن بشهر .

                  الحقيقة أن اسرائيل منذ سنوات طويلة تبحث في هذا الممر قبل السابع من أكتوبر كإستكمالاً لمشروع فصل غزة ودفعها بعيدا جاءت الحرب لتحاول اسرائيل اقتلاع غزة من جذورها قتلاً وتهجيرا يتخوف الفلسطينيون من أن المشروع أصلا كان لإيجاد وسيلة للترحيل في ظل إغلاق المعبر مع مصر هذا الخوف الذي يتزايد مع تصريحات اسرائيلية تساقطت من مسؤولين اسرائيليين بترحيل غزة بهجرة طوعية إذا لم تحدث الهجرة القسرية وقد عملت اسرائيل كل شيء لجعل غزة غير قابلة للحياة ليبحث الناس عن حياتهم خارجها .

                  المسالة الأخرى أن الممر يعني فصل عن الضفة الغربية والوحدة الجمركية والإستيراد والتصدير والتبادل التجاري وفصل عن اسرائيل وهذا ما كانت تسعى له عندما فشلت في احتوائها وفشلت في إلقائها في حضن مصر بقي أن تذهب بإتجاه بعيداً بإتجاه آخر ، من يستطيع الإعتراض وسط هذه الكارثة ؟ لا أحد يملك الجراة على الإعتراض فمن يعترض سيم اتهامه بحصار الشعب دون أن يتوقف الجميع أمام عجز العرب والعجم والمسلمين والأوروبيين والأميركان على إرغام اسرائيل على فتح المعابر كوسيلة أسهل لإدخال مساعدات ...هل هذا منطقي ؟