قال موقع “ميديابارت” الفرنسي إنه خلال الأسبوع الماضي، توفي حوالي 20 شخصا بسبب الجوع في شمال قطاع غزة الذي لا تصله أي مساعدات تقريبا. وبعد خمسة أشهر من الحرب، أصبح المدنيون الذين تُركوا لشأنهم، أول ضحايا الحصار الإسرائيلي.
وتوفيت طفلة في الأول من آذار/ مارس بمستشفى الأطفال الوحيد في شمال قطاع غزة “بسبب نقص الغذاء والدواء”. زجاجة الحليب التي تمكن الفريق الطبي من إحضارها لها وصلت بعد فوات الأوان. كما توفيت شقيقتها قبل أيام قليلة في نفس المستشفى. ويلاحظ الطاقم الطبي هذه الحلقة المفرغة بلا حول ولا قوة. فالأمهات اللواتي يعانين من سوء التغذية أثناء الحمل، يتراكم لديهن النقص الغذائي، وعندما يولد أطفالهن، لا يقدرن على إرضاعهم لأنهن جائعات. وكان طفل آخر يبلغ من العمر شهرين توفي في نهاية فبراير/ شباط. لقد مرض وجهاز مناعته كان ضعيفا، كما قال أحد موظفي الرعاية الصحية.
ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، توفي عشرون من سكان غزة بسبب الجوع والجفاف. ولوحظت أولى حالات الوفاة في نهاية شهر فبراير. ويشير الموقع الفرنسي إلى أن فرق منظمة الصحة العالمية لاحظت مستويات خطيرة من سوء التغذية، وأطفالا يموتون جوعا، ونقصا خطيرا في الوقود والغذاء والإمدادات الطبية، والمستشفيات التي دُمرت.
وعلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدث السفير الفلسطيني رياض منصور، عن ضحية أخرى تبلغ من العمر 10 أعوام. وتوفي الطفل في أحد مستشفيات مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، حيث كان يعاني من الشلل الدماغي، وكان بحاجة إلى نظام غذائي متوازن من المستحيل العثور عليه في الجيب المعزول عن العالم. وحتى في رفح، بوابة المساعدات الغذائية، لم تعد هناك فواكه ومنتجات طازجة، ونادراً ما توجد اللحوم التي يتم المتاجرة بها بأسعار باهظة، يتابع “ميديابارت”.
وتحاصر إسرائيل قطاع غزة منذ خمسة أشهر، حيث لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا غاز، وكل شيء مغلق. والتجويع جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية في القطاع وهو سلاح حرب. وهذا ما يسير جنبا إلى جنب مع نيّة الإبادة الجماعية التي اتُهمت إسرائيل رسميا بارتكابها أمام محكمة العدل الدولية، كما ينقل “ميديابارت” عن فداء الأعرج، منسقة الأمن الغذائي والحماية في منظمة أوكسفام غير الحكومية، التي تم الاتصال بها هاتفيا في رفح، حيث تتواجد.
وتابع “ميديابارت” التوضيح أنه تم تدمير الأراضي الزراعية إلى حد كبير، وبات ميناء غزة في حالة خراب. من الشمال إلى الجنوب، الجميع جائعون في غزة. ووفقا للأمم المتحدة، فإن ربع السكان يقتربون من المجاعة. وفي الشمال، حيث ما زال يعيش حوالي 300 ألف شخص، يتغذى السكان على أوراق الشجر، والكعك المصنوع من بذور الطيور أو أعلاف الحيوانات.
وأشار الموقع إلى أمر محكمة العدل الدولية في 26 يناير/ كانون الثاني، إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع. ولكن على العكس من ذلك، انخفضت عمليات التسليم بنحو الثلثين في فبراير/ شباط. ويُلقي مكتب الجيش الإسرائيلي المسؤول عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والمسؤول بشكل خاص عما يدخل إلى غزة، بالمسؤولية على عاتق المنظمات الإنسانية.
ويتعين على الجمعيات والمنظمات تنسيق تحركاتها مع جيش الاحتلال، لتجنب استهدافها بالنار، والتنقل في الأماكن التي يصعب عبور الطرق فيها، والمدمرة إلى حد كبير. ويجب على القوافل أيضا الحصول على تصريح للمرور عبر نقاط التفتيش الإسرائيلي خاصة باتجاه شمال قطاع غزة، وغالبا ما تتأخر، وتضطر أحيانا إلى العودة بسبب عدم المرور في الوقت المناسب. والشمال معزول عن العالم، حيث قامت الأونروا بعملية التوزيع الأخيرة بمدينة غزة في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، يوضح “ميديابارت”.
ويضاف إلى ذلك الآن انهيار النظام العام. وقد انسحبت السلطات المدنية في غزة المرتبطة بحماس بعد استهدافها من قبل الجيش الإسرائيلي، ولم يتم استبدالها، كما يشرح “ميديايارت”، موضحا أن إسرائيل تواصل حربها ضد مؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة الأونروا، التي تعد المؤسسة الوحيدة القادرة على تولي إدارة قطاع غزة جزئيا. وفي الشمال، وهو الجزء الأكثر دمارا بسبب القتال، وبدون وجود إنساني كبير، يُترك المدنيون لشأنهم، في فراغ مؤسسي مثير للقلق.
ويُشير “ميديابارت” إلى ما حدث يوم 29 فبراير/ شباط، حيث قُتل 118 فلسطينيا كانوا ينتظرون المساعدات الإنسانية، وأصيب 780 آخرون، جراء إطلاق الجيش الإسرائيلي النار عليهم.
ومن مستشفى الشفاء في مدينة غزة، الذي استقبل أكثر من 200 جريح، أوضح رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) في غزة، جورجيوس بتروبولوس، في الأول من مارس/ آذار، أنه “شاهد أشخاصاً مصابين بطلقات نارية، ومبتوري الأطراف وأطفالا أصغرهم في الثانية عشرة من عمره”.
وأفاد الفلسطينيون أن الجيش الإسرائيلي يطلق النار بانتظام على الحشود أثناء تسليم المساعدات الإنسانية في شمال القطاع. وقد وثّقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة “ما لا يقل عن 14 حادثة شملت إطلاق نار وقصفاً” أثناء توزيع المساعدات في مدينة غزة. وفي 25 فبراير/ شباط، قُتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص عند دوار النابلسي في غزة. وذكّرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأنه “على إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، واجب ضمان توفير الغذاء والرعاية الطبية للسكان، بما يتناسب مع احتياجاتهم”.
وتابع “ميديابارت” التوضيح أن دولاً معينة، بما فيها فرنسا، نفذت عمليات إنزال جوي للمساعدات الإنسانية في شمال قطاع غزة، معتبرا أن صور هذه الطرود وهي تُلقى من السماء، والحشود التي تندفع لمحاولة الإمساك بإحداها، هي صور مهينة بشكل خاص لسكان غزة. وسقطت بعض الطرود في الأراضي الإسرائيلية، فيما سقط بعضها الآخر في البحر. كما أن كل هذه الإنزالات غير كافية، وسكان غزة يريدون المساعدات التي تصل بطريقة منظمة.
واعتبرت فداء الأعرج، منسقة الأمن الغذائي والحماية في منظمة أوكسفام، أنها “ليست أزمة إنسانية، بل هي حرب مفتوحة”، مشددة على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وأكدت أنه إذا انتهت الحرب، فما يزال يتعين إدارة أزمة إنسانية في القطاع.