نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمعلقة كارين آتيا قالت فيه إن كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، والمرأة السوداء يجب ألا تكون الوجه للسياسة الأمريكية القبيحة في غزة و”بالنسبة لامرأة سوداء، فالمساحة الأولى التي يتحول فيها شهر التاريخ الأسود لتاريخ المرأة السوداء، يبدو الوقت المناسب للتفكير في تقدمنا وما هو المدى الذي علينا المضي فيه”.
واستخدمت إدارة بايدن نساء سوداوات كقفازات مخملية وقبضات حديدية، فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة والذي قتل فيه أكثر من 30,000 فلسطيني حسب وزارة الصحة في غزة. ويقمن بفرض التواطؤ الأمريكي في هذه الجريمة ومحاولة تلطيف صورتها. ففي يوم الأحد، ألقت نائبة الرئيس هاريس في سيلما، بولاية ألاباما رسالة الإدارة حول مأزق الفلسطينيين أثناء ذكرى يوم الأحد الدامي في عام 1965، حيث نظمت مسيرة احتجاجية ضد قتل الشرطة لجيمي لي جاكسون والمطالبة بحق التصويت. وقامت قوات الشرطة بإطلاق النار على المشاركين في المسيرة وهم يعبرون جسر إدموند بيتس واعتدوا عليهم بقسوة.
ويقدم الجسر والتضحية السوداء حسا في الجو للسلطة الأخلاقية. وقالت “كما قلت أكثر من مرة، قتل الكثير من الأبرياء الفلسطينيين”. واعترفت هاريس وهي مصيبة في هذا “لقد رأينا تقارير عن عائلات تأكل الأعشاب أو علف الحيوانات ونساء يلدن أطفالا يعانون من فقر التغذية وبدون أي عناية طبية وأطفال يموتون بسبب سوء التغذية”، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار وعلى الأقل في شهر رمضان، وطالبت بالإفراج عن الأسرى وأن تسمح إسرائيل بدخول المواد الإنسانية إلى غزة.
لكن ما لم تقله كان مهما بنفس القدر. فلم تنتقد هاريس الحصار الإسرائيلي المقصود والهجوم. ولم تطالب بمساءلة عملية نقل الأسلحة لإسرائيل، وبدلا من ذلك أشارت لما حل بالفلسطينيين في غزة بأنه “كارثة” مجهولة، وكأن إعصارا مشبعا بالقنابل والرصاص انفجر من البحر المتوسط. وما يجب عمله هو وقف دائم لإطلاق النار ونهاية للاحتلال الإسرائيلي الوحشي.
وقالت آتيا إن ما تسبب بالموت والتجويع في غزة هي أفعال بعينها لأشخاص عبر أنظمة السلطة. وتعلم السود هذا منذ قرون وأجبروا على النجاة ومقاومة آلة الحرب التي أخافتهم وقمعتهم بشكل نشط استقلاليتهم الاقتصادية والاجتماعية. فضرب وسحل وذبح السود كان سلاحا منهجيا ومتعمدا استخدمه دعاة التفوق الأبيض، ولم يكن مجرد هبات لا يمكن تفسيرها من “الفوضى” العشوائية. وكان خطاب هاريس مترهلا تنكر بزي القوة، فما دعت إليه من “إسقاط المساعدات الإنسانية جوا” هو حل غير فعال وغير كاف بطريقة مثيرة للشفقة. وأكثر من هذا، فالدعوة هي إشارات أخرى عن الضعف الأمريكي وتؤكد أن فريق بايدن لن يستخدم ما لديه من ورقة نفوذ تتعلق بنقل السلاح من أجل إجبار إسرائيل على التعاون.
وإن لم تكن هاريس وجه الضعف لإدارة بايدن فهي الوجه المستمر لوحشية الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين، مع ملعقة من هاشتاغ بلاك ماجيك غيرل (هاشتاغ البنت السوداء الساحرة) لتسهيل بلع السم. ولن يقتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزي هاريس المدني المخملي والذي لا يرغب بالإقناع أكثر من كونه محاولة لتهدئة القاعدة الديمقراطية المؤيدة لغزة والمعادية للتطهير العرقي.
وبعد كل هذا، فقد اعتمدت الإدارة على امرأة سوداء أخرى لإرسال رسالة مختلفة إلى نتنياهو، وهي القبضة الحديدية لمنع الدعوات المطالبة بوقف القتل. فلم تستخدم السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس- غرينفيلد الفيتو مرة فقط بل مرتين لمنع الدعوات المطالبة بوقف إطلاق النار. وبالنسبة للكثير من الناخبين السود فإن المنظور هذا يعيد ذكريات أول وزير خارجية أسود، كولين باول والذي استخدم مكانته في الأمم المتحدة لتقديم جدله الداعي لغزو العراق.
وفي عيون العالم، فغرينفيلد هي مثل باول وجه أسود يقدم غطاء للوحشية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة في العالم العربي. وقارن التقرير هاتين المرأتين بامرأة سوداء أخرى التي تجسد روح سيلما الأصلية، بما في ذلك الاستعداد لقول ما هو صواب. ففي تشرين الأول/أكتوبر كانت كوري بوش، النائبة الديمقراطية عن مونتانا من بين أول القادة الأمريكيين الذين دعوا لوقف إطلاق النار والإغاثة الإنسانية. وتخيل كم جرى تجنب معاناة وموت لو استمع إليها، حيث حملت إسرائيل المسؤولية الكاملة، وكتبت: “دعوني أكون واضحة.. العقاب الجماعي للفلسطينيين في غزة هو جريمة حرب.. والتزامي بوقف العنف والوحشية والاضطهاد ليس مشروطا ولكنه عالمي”.
وكانت إلهام عمر، النائبة الديمقراطية عن مينسوتا صريحة بشأن الوحشية ضد الفلسطينيين وتقدمت بمشروع قرار لمنع مبيعات السلاح إلى إسرائيل. وتعهدت جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل، اللجنة الأمريكية- الإسرائيلية للشؤون العامة بإنفاق ملايين الدولارات لهزيمة النساء السود في مناطقهن الانتخابية. والتمثيل والتناسب يذهبان لمدى معين، ولا يهم من يسير في أروقة السلطة لو لم تتغير القرارات.
ويبدو استحضار نائبة الرئيس لذكرى يوم دموي في تاريخ السود الأمريكيين وكفاحهم ضد الفصل العنصري، وفي نفس الوقت تمثل إدارة تفرض القمع في الخارج، مظلما. وبخاصة عندما نعرف أنه في نهاية الأمر، الرجال البيض في الإدارة هم من يصدرون الأوامر. وهل نستطيع الاحتفاء بنساء سود في السلطة لا يستطعن استخدامها لمنع الموت والتجويع لسكان جردوا من دولتهم؟ أرغب في الحصول على جواب من الناخبين.