الحل الفاشي الإسرائيلي إلى أين؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 27 فبراير 2024 07:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحل الفاشي الإسرائيلي إلى أين؟ مهند عبد الحميد



• «إن جميع المدنيين في غزة مذنبون»
• جميع من هم فوق الرابعة من العمر في غزة من أنصار (حماس)، ويستحقون العقاب الجماعي.
رامي إيغرا، مسؤول سابق بـ«الموساد» متحدثاً في برنامج قناة «كان 11» الإسرائيلية.
• «فخورة بالدمار الذي أحدثه جيشنا في قطاع غزة متوعدة بقطع رأس السنوار»  
ماي غولان وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية.
• «أمم العالم لا تستطيع أن تدعي أن يهوديا يسلب الأرض فنحن نطبق أمرا إلهيا»
يتسحاك غولدكنوف وزير الإسكان الإسرائيلي.
• آلاف من المستوطنين يشاركون في مؤتمر «الاستيطان اليهودي في غزة» بقيادة اثني عشر وزيرا وخمسة عشر عضوا في الكنيست. عرضوا خارطة ضخمة تظهر قطاع غزة مليئا بالمستوطنات وخاليا من الفلسطينيين، مستوطنات مكان بيت لاهيا ومدينة غزة وخان يونس، آن الأوان للعودة إلى «غوش قطيف في غزة» ومستوطنات شمال الضفة قال الوزير بن غفير، وأضاف، «علينا طرح حل أخلاقي وعملي للمشكلة الإنسانية: تشجيع الهجرة وقانون الإعدام» فيما كان مستوطنان يرفعان لافتة ضخمة أمامه كتب عليها: الترانسفير هو الحل.
في قضايا الاحتلال والحرب والديمقراطية، نحن دولة بصوت واحد ونظرة واحدة ورأي واحد «ومعا سننتصر»، يقول جدعون ليفي معلقا على آخر تصويتين في الكنيست. تصويت أول جاء 99 صوتا مقابل 8 أصوات عربية زائد صوت إسرائيلي يهودي واحد، ضد الاعتراف بدولة فلسطينية، تضمن النص كلمات من «طرف واحد» وبدون «تفاوض» لتسويغ رفضها القاطع  ورفض التفاوض عليها في الخطاب السياسي قبل 7 أكتوبر وبعده وفي كل الأوقات. موقف المؤسسة الذي يمعن في تجاهل الحقوق الفلسطينية المشروعة، وتجاهل أي مسعى دولي لإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
التمويه الفاشل الذي ألصق بنص قرار رفض الدولة الفلسطينية «بدون تفاوض» و»من طرف واحد»، الذي وَحّد المعارضة مع الحكومة، أزالته خطة نتنياهو لليوم التالي بعد الحرب. وهي تتحدث عن استمرار الحرب والسيطرة الأمنية الكاملة من النهر إلى البحر، وعن احتلال قطاع غزة والاضطلاع بمهمة إزالة التطرف من المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية، وإغلاق وكالة الغوث، والتحكم في إعادة الإعمار ورهنه بنزع السلاح واجتثاث التطرف. الكاتب الإسرائيلي ألون بنكاس لخص في «هآرتس» خطة نتنياهو بأنها غير قابلة للتطبيق ونفي لخطة بايدن وهي جزء من مقامرته الأخيرة للتمسك بالسلطة.
عندما تتحد المعارضة مع معسكر نتنياهو بن غفير على رفض الدولة الفلسطينية وضمنا رفض الحل السياسي للصراع، فهذا يعني أن المعسكرين متفقان على الحسم العسكري وتحويل قطاع غزة إلى مكان يستحيل العيش فيه، من خلال القتل والتدمير وحجب المساعدات الإنسانية أو تقليصها إلى أقل القليل بغية خلق أزمة إنسانية شديدة واستخدامها لتحقيق أهداف الحرب، كما يقول كريس هيدجر في مقال بعنوان «موت إسرائيل» في موقع «جدلية»، ويضيف هيدجر، «ستقوم إسرائيل بإبادة جماعية وأرض محروقة لتحقيق حلمها بدولة حصرية لليهود يوحدها الكراهية ويهيمن عليها المتعصبون وتجرد أي فلسطيني يبقى فيها من حقوقه.
كما نرى إسرائيل تدمر الحل السياسي وأي فرصة للسلام باعتمادها الحل الفاشي الذي يتولى عملية تدمير المجتمع الفلسطيني بشكل منهجي. نجاح الحل الفاشي الإسرائيلي في غزة، يأتي امتدادا لمحاولات فرض حلول فاشية في الهند وسورية والسودان وليبيا واليمن وبلدان أخرى. يفسر الكاتب السوري ياسين الحاج صالح بأن الفاشية والحكم بالإرهاب أقدر على الدفاع عن نظام التوحش الاقتصادي العسكري الدولي، من ديمقراطية لا تكف عن التراجع إلى آلية انتخابية تضمحل فيها الفروق السياسية بين التيارات المختلفة، ويضيف، رأينا كيف وقف النظام الدولي صفا واحدا وراء «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
معسكر نتنياهو الذي يضم الكاهانية الجديدة وحله الفاشي، لم يدفع المعارضة بقيادة غانتس ولابيد إلى تمييز موقفها، بل أوغلت نحو اليمين حتى في المسألة الديمقراطية حين صوتت  لصالح فصل عضو الكنيست عوفر كسيف أستاذ الفلسفة والنائب عن الجبهة الديمقراطية لأنه وقع على رسالة تدعم دعوى قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم «إبادة جماعية» في غزة. فقد صوت 22 نائبا معارضا مع فصل زميلهم عضو الكنيست مع انه لم يخالف القانون، وتغيب آخرون لتفادي التصويت. المصوتون مع فصل زميلهم والمتغيبون عن التصويت غدروا بالديمقراطية التي يدعون أنهم يدافعون عنها في مواجهة الانقلاب القضائي. قد يكون موقف المعارضة منسجما مع السياق التي وضعت نفسها فيه فلا يمكن أن يكون عضو الكنيست مع حرب إبادة وضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه يكون ديمقراطيا، هذا النوع من حرب تدمير مجتمع آخر ينتمي إلى فعل فاشي متناقض مع الديمقراطية.    
إن اتحاد المعارضة مع اليمين الفاشي في الحرب وقبوله بالنتائج المرعبة التي أسفرت عنها، قطع الطريق على استقطاب جديد داخل المجتمع الإسرائيلي على أساس منظومة القانون الدولي وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها. إن التنافس مع أيديولوجية اليمين المتطرف في قضايا الاحتلال والاستيطان والنهب والسيطرة على شعب آخر، وتغييب القضية الفلسطينية من برامج المعارضة وتجاهل أهمية حلها عكس نفسه على تشكل الرأي العام نحو أقصى اليمين. يوجد 74% من الإسرائيليين يعارضون إنشاء دولة فلسطينية، الكاتب الإسرائيلي مايكل فرويند قرأ هذه المعارضة بالقول، إن «فلسطين ماتت» عنوان مقالته في «الجروزالم بوست». وفي موقف لافت قال 47% من الإسرائيليين اليهود، إنهم يفضلون القضاء على «حماس» على إعادة الرهائن. نتيجة طبيعية لنشر ثقافة الكراهية التي يعبر عنها وزراء وأعضاء كنيست وجنرالات وقيادات أمنية ومستوطنون، صباح مساء، والتي تترجم بحروب وتطهير عرقي وقمع وقتل واعتقال ونهب وقرصنة وإذلال. ثقافة الكراهية حطمت كل عناصر الثقة القائمة والمحتملة بإمكانية الحل السياسي قبل 7 أكتوبر. وشوشت إمكانية التعايش مع المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية داخل الخط الأخضر.   
تحول جديد غير مسبوق في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عنوانه: لا يوجد حل ولا عمل مشترك فلسطيني إسرائيلي من أجل الحل على قاعدة منظومة القانون الدولي والإنساني على غرار ما حدث بعد النكبة – تجربة الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة -. لقد بدأت معادلة الصراع الصفري الوجودي والنهاية الحتمية لاحد قطبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي نشأت ونمت داخل الأيديولوجيا الدينية اليهودية وانتقلت إلى الأيديولوجيا الإسلامية طوال سنوات الاحتلال. وقد وضعت على دكة التطبيق بعد 7 أكتوبر عبر حرب الإبادة. السؤال الذي أفرزته الحرب هل يمكن بناء استقطاب جديد من أجل حل سياسي بديل للحرب؟.