خرافة الخلاف الأميركي الإسرائيلي..عماد الدين حسين

الأربعاء 14 فبراير 2024 10:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT



تروّج التقارير الصحافية الإسرائيلية والأميركية في الأيام الأخيرة خرافةً واضحة تقول إن هناك خلافاً كبيراً بين البيت الأبيض وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن كيفية سير الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة.
بالطبع يستند هؤلاء إلى تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الخميس الماضي بأن «أسلوب الرد الإسرائيلي في قطاع غزة كان فوق الحد، وأن إدارته تدفع بقوة من أجل التوصل إلى هدنة تضع حداً للقتال وتتيح إطلاق سراح الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية».
يعتقد هؤلاء بأن ما قاله بايدن هو أعنف انتقاد أميركي لإسرائيل منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية «طوفان الأقصى» للمقاومة الفلسطينية في ٧ أكتوبر الماضي.
السؤال الطبيعي والمنطقي الذي يفترض أن يسأله أي مراقب موضوعي للعلاقة الأميركية الإسرائيلية وللموقف الأميركي من التطورات التي أعقبت العدوان الإسرائيلي هو: هل هناك تناقض أميركي إسرائيلي فعلاً، وهل هناك خلافات، أم أنها مجرد اختلافات بسيطة في وجهات النظر لا تتصادم مع التحالف المتين بين البلدين؟
لستُ من أنصار نظرية الأبيض والأسود في العلاقات الدولية أو حتى العلاقات الإنسانية، وأؤمن بوجود العديد من الألوان والدرجات المختلفة في كل شيء تقريباً، لكن فيما يتعلق بالعلاقة الأميركية الإسرائيلية، فقد بتُّ متيقناً أنها أكثر من مجرد زواج كاثوليكي، وتفهمت تماماً الآن مقولة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حينما قبل على مضض وقف إطلاق النار بعد انتصار السادس من أكتوبر ١٩٧٣ واتفاقيات فض الاشتباك بأنه «يحارب أميركا وليس إسرائيل فقط».
نظرياً جيد أن يُفيق بايدن ويكتشف أن الرد الإسرائيلي، قد تجاوز الحد، لكن لا شيء تغير على الأرض، والدليل أن بايدن بعد هذا التصريح بساعات قليلة أكد هو والمستشار الألماني أولاف شولتز أنهما يؤيدان «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس» وهذا التعبير هو المرادف الحقيقي لكلمة استمرار العدوان.
بايدن غاضب، ومن قبله قال بلينكن وزير خارجيته إنه يحاول إقناع إسرائيل بحماية المدنيين الفلسطينيين، لكن على الأرض فإنه لا شيء قد تغير. الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل مستمر في كل المجالات.
مجلس الشيوخ الأميركي أقر يوم الخميس الماضي مشروع قانون المساعدات الأمنية، والذي يتضمن دعماً لإسرائيل بـ١٤ مليار دولار، في حين أن النواب الجمهوريين المؤيدين لترامب لا يريدون أن تتضمن الحزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة ٦١ مليار دولار، بل يكتفون بدعم إسرائيل فقط. وقبل هذا القرار بأسابيع تجاوز بايدن وإدارته الكونغرس وأرسلا أسلحة وذخائر عاجلة إلى إسرائيل، وهي نفس الأسلحة التي تقتل المدنيين الفلسطينيين وتهدم بيوتهم وتحولهم إلى نازحين في بلدهم.
بايدن وإدارته استخدما الفيتو أكثر من مرة لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.
بل إن الولايات المتحدة تحارب عملياً بجوار إسرائيل حينما تقوم بشن الهجمات ضد أي قوة تحاول مساعدة الفلسطينيين، ولا ننسى أن واشنطن أرسلت حاملتَي طائرات وسفينة نووية إلى السواحل الإسرائيلية حتى لا تدخل أي دولة لنجدة الفلسطينيين.
والحالمون كانوا يقولون إن بايدن لم يتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ أسابيع في إشارة إلى غضبه منه، لكن هؤلاء لم يلحظوا أن الاتصال قد تم بالفعل يوم الأحد الماضي، وبعد أن كان بايدن وإدارته يعارضان اقتحام الجيش الإسرائيلي لرفح الفلسطينية على الحدود مع مصر، فقد تغيرت اللهجة وصارت الموافقة على دخول المدينة المكتظة بمليون ونصف المليون نازح فلسطيني، لكن مع المحافظة على المدنيين!!.
كل ما سبق هو الواقع على الأرض وهو الأصدق، مقارنة بأي كلام معسول يقال.
لا نريد من الأميركيين كلاماً طيباً معسولاً، بل نريد منهم سلوكيات على الأرض.
الواقع الذي نراه يقول إن الإدارة الأميركية شريك كامل في العدوان الإسرائيلي، وغير ذلك كلام للتخدير والإلهاء فقط.