نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته مراسلة شؤون أفريقيا والشرق الأوسط فيفيان يي، قالت فيه إن مصر تراقب بقلق، الضغوط التي تتزايد على حدودها مع غزة. وقامت بتعزيز الجانب الحدودي وحذرت إسرائيل من أية خطوة قد تؤدي إلى إجبار سكان القطاع على دخول الأراضي المصرية، وأنها قد تؤثر على معاهدة السلام.
ففي الوقت الذي أُجبر فيه أكثر من نصف سكان غزة على الإقامة في مدن الخيام البائسة في رفح، المدينة الصغيرة قرب الحدود مع مصر، ولم يعد أمامهم أي مكان للهروب إليه من الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة، هدد بنيامين نتنياهو بأنه سيقتحم رفح، وأمر قواته بتحضير خطط إجلاء المدنيين لفتح المجال أمام عملية عسكرية جديدة ضد حماس.
ولا أحد يعرف إلى أين سيذهب هؤلاء السكان. وبدلا من فتح حدودها للفلسطينيين كما فعلت للفارين من نزاعات أخرى في المنطقة، عززت مصر من الرقابة والحشد العسكري على الحدود مع غزة. وحذرت القاهرة من خطوات إسرائيلية تعرض للخطر أقدم معاهدة سلام في الشرق الأوسط والموقعة عام 1979، وأي خطوة إسرائيلية في رفح قد تقود إلى نقطة الانهيار في العلاقات.
وتشير الصحيفة إلى أن مصر رحّبت في النزاعات السابقة والحالية في المنطقة، بلاجئين من سوريا واليمن والجارة السودان، لكنها في هذه الحرب تصرفت بطريقة مختلفة أمام محنة جيران عرب، وحرّكتها دوافع عدة متعلقة بالأمن والخوف من تحول التشرد الفلسطيني إلى دائم بشكل يقضي على آمال الفلسطينيين بدولة لهم.
ويخشى قادة مصر من حماس وإمكانية نشرها التشدد في بلدهم، حيث تحاول مصر القضاء على التمرد الإسلامي داخل أراضيها منذ عدة سنين. ووصف نتنياهو رفح بأنها المعقل الأخير لحماس في غزة. وسواء كلامه دقيقا أم لا، إلا أن المدينة مزدحمة باللاجئين، وهي آخر ملجأ لحوالي 1,4 مليون نازح، وهم جائعون ويبحثون عن مأمن. ومعظمهم شرّدتهم الحرب الإسرائيلية من أماكن أخرى في قطاع غزة.
وبحسب دبلوماسي غربي بارز في القاهرة، فقد حث المسؤولون المصريون نظراءهم الغربيين على إخبار إسرائيل أن أي تحرك لإجبار الغزيين على دخول أراضيها في سيناء، سيعتبر خرقا يُنهي وبشكل عملي معاهدة كامب ديفيد عام 1979.
وقال مسؤول غربي آخر، وأمريكي وإسرائيلي، إن الرسالة كانت مباشرة، حيث هدد المصريون بتعليق المعاهدة لو أجبرت إسرائيل الغزيين على الفرار إلى مصر. وكررت مصر التحذيرات يوم الأربعاء أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للقاهرة، ولقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحسب قول المسؤول الإسرائيلي.
وقال المسؤول الأمريكي، إن مصر كانت واضحة في عسكرتها للحدود مع غزة، ونشرت الدبابات، لو بدأ الغزيون بالدفع باتجاه سيناء.
وخلال العقود الأربعة من توقيع معاهدة كامب ديفيد، ظلت العلاقة بين مصر وإسرائيل باردة، مع أن القاهرة انتفعت من المعاهدة وما جلبته من دعم أمريكي سنوي بأكثر من مليار دولار. ورغم التوترات، لا يزال المسؤولون المصريون والإسرائيليين على تواصل.
وقال المسؤول الإسرائيلي، إن ضباط الجيش من البلدين والذين أقاموا علاقات تعاون أمني بشأن الحدود، على تواصل حول الاجتياح الإسرائيلي لرفح. وفي هذه المحادثات، طلب المصريون من الإسرائيليين الحد من حجم العملية.
ويتحدث البلدان اللذان تعاونا في فرض حصار خانق على غزة منذ سيطرة حماس على القطاع في 2007، عن منح إسرائيل دورا أكبر في محور فيلادلفيا (14 كيلومترا) على طول الحدود بين مصر وغزة، حسب المسؤولين الغربيين.
إلا أن الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة المصرية، نشر نفيا من مسؤولين مصريين لم تسمهم بشأن أي اتفاق، مما يعبر عن تردد القاهرة للظهور أمام مواطنيها بمظهر من يتعاون مع إسرائيل. وأضاف حديث إسرائيل عن الرغبة بالسيطرة على محور فيلادلفيا توترات مع مصر.
وتُعتبر مصر هي الجارة الوحيدة لغزة إلى جانب إسرائيل، وساهمت منذ بداية الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر في إخراج حوالي 1,700 جريح فلسطيني للعلاج في المستشفيات المصرية والخارجية. إلا أن القاهرة ترفض تدفقا هائلا للغزيين إلى داخل الأراضي المصرية.
وقال المعلق المؤيد للحكومة هاني لبيب: “هناك فرق بين استضافة اللاجئين والموافقة على التشريد القسري للناس”. وترتبط الحساسية من التهجير القسري للفلسطينيين من غزة بالنكبة في 1948 عندما أجبرت العصابات الصهيونية، مئات الآلاف من الفلسطينيين على الخروج من أراضيهم، ولم يُسمح لهم بالعودة أبدا.
وبالنسبة للمصريين والعرب في الشرق الأوسط، فإجبار إسرائيل الغزيين على ترك بيوتهم وأراضيهم يعتبر نكبة ثانية. وفي بداية الحرب، ناقشت إسرائيل خططا مع دبلوماسيين لإجبار الغزيين على الفرار إلى سيناء. لكن المسؤولين الإسرائيليين توقفوا عن طرح الموضوع منذ تشرين الثاني/ نوفمبر.
إلا أن تصريحات الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو وغيرهم من المستوطنين، والداعية لطرد الفلسطينيين وإعادة بناء المستوطنات، غذت المخاوف العربية بأن خروج الغزيين سيكون دائما، مما يقوض آمال الدولة الفلسطينية. ورغم أن بعض الغزيين عبّروا عن رغبة بالخروج إلى مصر بسبب الحرب، إلا أنهم أكدوا التزامهم بحلم الدولة الفلسطينية، ورفضوا فكرة التخلي عن وطنهم.
وقال فتحي أبو سنيمة (45 عاما) والذي لجأ إلى رفح منذ أربعة أشهر: “مصر ليس خيارا للهروب إليه.. أفضّل الموت هنا”.
ووصف عبد الفتاح السيسي خروج الغزيين بأنه تصفية للقضية الفلسطينية. لكن مصر تخشى من تداعيات الوجود الفلسطيني في سيناء وما يعنيه لأمنها، فقد يقرر اللاجئون الغاضبون شن هجمات ضد إسرائيل، مما سيؤدي لرد انتقامي إسرائيلي. ويخشى السيسي من انتشار حركة حماس، وهي الحركة التي نبعت من الإخوان المسلمين -الجماعة التي أطاح بها عام 2013- وقضى العقد الماضي وهو يشيطنها كحركة إرهابية ويحاول اقتلاعها من مصر.
وتخشى مصر من مطالب إسرائيل بالسيطرة على محور فيلادلفيا كوسيلة لدفع الفلسطينيين في غزة نحو سيناء. وتزعم إسرائيل أن حماس تستخدم المحور لتهريب الأسلحة، إلا أن مصر قامت ومنذ عدة سنوات بتدمير الأنفاق وغمرتها بالمياه، وهدمت البيوت التي تقدم الغطاء للناس الذين يستخدمون الأنفاق. وقالت إنها قامت بدورها لتعطيل خط التهريب.
وتوصل الجيش الإسرائيلي والمخابرات إلى نتيجة أن معظم أسلحة حماس لا تأتي من التهريب عبر الأنفاق، بل من الذخيرة التي أطلقتها إسرائيل ضد غزة ولم تنفجر، وقامت حماس بإعادة تدويرها، وأيضا تلك المسروقة من القواعد العسكرية الإسرائيلية، كما أشار تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وتظل سيناء منطقة حساسة في مصر، حيث يُمنع المصريون غير المقيمين فيها من الدخول إليها بمن فيهم الصحافيون. لكن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي منظمة مقرها في لندن، وترصد انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، كشفت أن الجيش المصري ظل يدمر الأنفاق حتى عام 2020.
وحصلت الصحيفة على فيديوهات فيديو من المؤسسة. وقابلت المؤسسة مهربين من سيناء قالوا إن التهريب إلى غزة توقفت قبل أعوام. وتحدثت مع جنود على الحدود قالوا إن لديهم أوامر لإطلاق النار على أي شيء متحرك في المنطقة لمنع التهريب.
ويستخدم الجنود المصريون المسيّرات والدوريات والجرافات للحراسة ضد التهريب.
وبجيشها الذي يتفوق عليه الجيش الإسرائيلي، واقتصادها الغارق في أزمة عميقة، فليس لدى مصر سوى خيارات قليلة لكسر إرادة إسرائيل، إلى جانب ديونها المتزايدة وحاجتها للمساعدات الخارجية، مما أثار تساؤلات حول عرض حلفاء إسرائيل الغربيين محفزات مالية كافية للموافقة على إعادة توطين الغزيين في سيناء. إلا أن الغربيين ضغطوا على إسرائيل لكي تتجنب تشريد الغزيين إلى مصر بسبب خوفهم من زعزعة استقرارها.