نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده إيشان ثارور، تحدث فيه عن “أوهام” رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”النصر الشامل”. وعلق في تقريره على عودة أكبر دبلوماسي أمريكي من جولته الخامسة في الشرق الأوسط، وعلى وجهه “صفعة افتراضية” من نتنياهو.
وبعد جولة في العواصم العربية، حمل وزير الخارجية أنتوني بلينكن معه مجموعة من المقترحات تشمل هدنة محتملة بين إسرائيل وحماس والإفراج عن الرهائن في غزة، كما عبّر عن “قلقه العميق” من حصيلة القتل بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حماس، والتي وصلت أكثر من 27,700 ضحية معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب 67,708 جرحى .
لكن نتنياهو عبّر عن رفضه للخطة التي سيحملها إليه بلينكن طوال جولة الدبلوماسي الأمريكي، ورفضها واصفا مطالب حماس بـ”الواهمة” وتعهد بمواصلة الحرب على غزة. وأخبر بلينكن الصحافيين أن “هناك مساحة لمواصلة اتفاق وننوي متابعتها”، إلا أن نتنياهو أوضح أولوياته، وزعم أن “النصر الشامل” على حماس “بات قريبا”، ووعد بنزعٍ أبدي لأسلحة غزة.
وعندما سأله صحافي لكي يوضح ما يعنيه بالنصر الشامل، استحضر نتنياهو مجازا مثيرا للقشعرية، مستشهدا بشخص “يهشم الزجاج إلى قطع صغيرة ثم يواصل التهشيم إلى قطع أصغر وتواصل ضربهم”.
ويعلق الكاتب أن إسرائيل فعلت الكثير من التهشيم، فقد سوّت الغارات الإسرائيلية والغزو البري معظم قطاع غزة بالأرض، وحوّلت نسبة 90% من السكان لمشردين بدون مأوى وخلقت أكبر كارثة إنسانية. وقال بوب كيتشن، نائب رئيس الطوارئ في لجنة الإغاثة الدولية: “لو لم يقتلوا (المدنيون الفلسطينيون) أثناء القتال، فإن النساء والأطفال سيكونون عرضة لخطر الموت بالجوع والمرض… لا توجد هناك منطقة آمنة للفلسطينيين كي يذهبوا إليها، حيث مُحيت بيوتهم وأسواقهم وخدماتهم الصحية”.
ويعلق الكاتب: “ربما كان هذا مخططا له، فقد لاحظ الصحافي تي سيتفنسون في تحليل لاذع، أن المسؤولين والسفراء الإسرائيليين قارنوا حملة القصف على مدينة دريسدن الألمانية و”حجم القتل، خارق وفاق أي تدمير لبنى تحتية”.
وتحصنت حماس في الأنفاق، وهي شبكة واسعة ومعقدة ولا يمكن لإسرائيل تدميرها بشكل كامل، في وقت تعرّض الخطط الإسرائيلية لضرب آخر مدينة في الجنوب، رفح، حياةَ أكثر من مليون فلسطيني للخطر. وكان بعض المسؤولين الإسرائيليين أكثر صراحة بتعقيدات العملية، ففي مقابلة تلفزيونية أجرتها قناة إسرائيلية مع غادي أيزنكوت، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق، قال فيها إن قدرات حماس أُضعفت في شمال غزة، ولكن “أي شخص يتحدث عن هزيمة مطلقة لحماس في غزة، وقدرتها على الإضرار بإسرائيل، لا يقول الحقيقة”.
وكانت هذه التصريحات لذعة لنتنياهو الذي لا يكن حباً لأينزكوت مع أنه عضو في حكومة الحرب. وقُتل ابن أيزنكوت وابن أخيه في الحرب في غزة، واتهم نتنياهو هذا الأسبوع بتجاهل الحديث عن ترتيبات ما بعد الحرب في غزة.
وبحسب صحيفة إسرائيلية، فقد قال أيزنكوت: “مع استمرار رئيس الوزراء في المماطلة وعدم اتخاذ قرارات في الموضوعات الهامة، تعيد حماس بعض قدراتها وتعود إلى شمال القطاع وتسيطر على المساعدات الإنسانية”.
ويقاتل نتيناهو من أجل مستقبله السياسي، ويميل نحو اليمين، حيث رفض المقترح الأمريكي والعربي بشأن تسليم إدارة غزة للسلطة الفلسطينية، حيث يطالب حلفاؤه في اليمين بالتطهير العرقي غزة وإمكانية عودة الاستيطان إليها.
وتنتشر التوقعات حول محاولات نتنياهو استخدام الحرب كوسيلة للبقاء في السلطة حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يأمل بأن تؤدي لهزيمة بايدن وعودة صديقه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وتتزايد الدعوات للإطاحة بنتنياهو من السلطة وعقد انتخابات جديدة. وتشير الاستطلاعات إلى أن نتنياهو سيحصل على نسبة 16% من الأصوات في أي انتخابات قادمة، مما يجعله وبشكل متزايد تابعا لليمين المتطرف في حكومته. وقال وزير في حكومته لصحافي “هآرتس” أنشيل بيفر: “يقرأ نتنياهو الاستطلاعات ويعرف أن غالبية الإسرائيليين تريد هزيمة حماس، وهو ملتزم بالعواطف العامة. لكنّ مشكلته هي أنه يرفض قراءة أشياء أخرى واضحة في الاستطلاعات، وهي أن الرأي العام لا يريد السماع منه، مع أنه يقول الأمور التي يريدون سماعها”.
وهناك أمور لا يريد الإسرائيليون من أنصار نتنياهو وأعدائه سماعها. فالأمريكيون وحلفاؤهم الأوروبيون والعرب، يريدون رؤية عودة المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وسط الركام في غزة.
وقضى نتنياهو مسيرته السياسية في محاولة لوأد حل الدولتين، وأقنع الإسرائيليين ومحاوريه في الخارج، أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ستتم إدارته إلى الأبد. وظل الأمريكيون والأوروبيون وعلى مدى السنوات الماضية، مجرد مراقبين لما يجري في المناطق الفلسطينية، ولم يعترضوا على التوسع الاستيطاني، والحروب التي كانت تندلع بين إسرائيل وحماس أو الجماعات الأخرى.
ولم يكن غياب الحقوق الفلسطينية حاجزا أمام تطبيع دول عربية العلاقات مع إسرائيل برعاية من إدارة بايدن. وفي أيلول/ سبتمبر، اعتبر نتنياهو التطبيع بأنه “الشرق الأوسط الجديد” وحمل معه خريطة إلى الأمم المتحدة بدون وجود فلسطين عليها.
لكن حل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والطريق لدولة فلسطينية عاد إلى رأس الأجندة، حيث تقول الدول العربية، خاصة السعودية إن الطريق للدولة الفلسطينية هو شرط لأي تواصل في مرحلة ما بعد الحرب.
ويوافق بعض المشرعين الأمريكيين على هذا، وهناك مقترحات داخل إدارة بايدن بأنها قد تعترف رسميا بدولة فلسطين، مع أنها ستكون نظرية.
ومن الصعب تسويق هذا للإسرائيليين الذين يفضلون الوضع القائم على أي تنازلات للفلسطينيين. ولكن الوضع القائم لا يمكن استمراره كما يحذر بعض الإسرائيليين. وكتب ألوف بن، المعلق الإسرائيلي في “فورين أفيرز”: “بنتنياهو أو بدونه، ستظل إدارة النزاع وقص العشب سياسة دولة، وتعني مزيدا من الاحتلال والاستيطان والتشريد”، مضيفا: “قد تبدو هذه السياسة خيارا خطيرا على الرأي العام الخائف من فظائع 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ولكنها ستقود إلى الكارثة”.