«حماس»… ومتطلبات المسؤولية الوطنية..ساجي خليل

الأحد 04 فبراير 2024 07:15 ص / بتوقيت القدس +2GMT



الجرائم الوحشية التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وما أحدثته من مآس وآلام ودمار وتخريب عمَّ الأراضي المحتلة جميعها، فتحت عيون العالم على الطابع الوحشي للاحتلال الصهيوني، وللظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة. والمهمة الوطنية المباشرة أمام شعبنا الآن وقبل كل شيء هي وقف المجزرة ومواصلة بذل كل الجهود من أجل تأمين وصول المساعدات الإنسانية.
لقد حاز الشعب الفلسطيني على تعاطف وتأييد معظم شعوب العالم التي انتصرت لقضيته ولحقوقه الوطنية، وعبرت عن تنديدها بالجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحقه، وأبدت احترامها لصموده ومقاومته لمحاولات تهجيره عن أرض وطنه، ولشجاعته في التصدي للقوات الإسرائيلية الغازية ودفاعه الباسل عن حقوقه الوطنية، ما أعاد وضع القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم وأكد استحالة تهميشها وتجاوزها أو تجاهلها.
لا شك بأننا اليوم في خضم معركة مصيرية حاسمة نواجه فيها تحديات هائلة ومخططات عدوانية، ترمي لحسم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على نحو يتعارض مع الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وذلك من خلال محاولة فرض قيادة جديدة بديلة تحت شعار تشكيل “سلطة متجددة” تقبل بمخططات يجري إعدادها لتدمير هدف إقامة الدولة المستقلة لتكون دولة صورية بالمقاس الاسرائيلي، بدون سيادة وبدون القدس الشرقية، دولة مقطّعة الأوصال على غرار الدولة الهزيلة التي عرضها ترامب في صفقته الشهيرة، والتي رفضتها في حينه القيادة الفلسطينية وعموم الشعب الفلسطيني.
إننا لا نستطيع مجابهة هذه التحديات بدون توحيد صفوفنا وترميم وضعنا الداخلي بأسرع وقت ممكن. فبعد كل ما جرى في قطاع غزة وكذلك في الضفة الغربية، لم يعد معقولاً ولا مقبولاً من أي طرف فلسطيني أن يواصل إدارة ما يتعلق بالشأن العام منفرداً، ولا مصلحة لأي طرف فلسطيني في استمرار حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، وبقاء حركة حماس خارج الإطار الوطني الذي تمثله منظمة التحرير. فحركة حماس هي حركة وطنية فلسطينية وجزء من نسيج الشعب الفلسطيني، ولا شك بأن استيعاب حماس في إطار المنظمة وعلى قاعدة برنامجها من شأنه ان يسهم على نحو جوهري في إعادة نهوض الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة موحدة قوية ومنسجمة، ومن شأنه أيضاً تقديم حركة حماس كقوة وطنية شرعية تمتلك الغطاء والقبول الاقليمي والعالمي، ويكرس مكانتها على الصعيد الوطني الداخلي كقوة وطنية توحيدية مسؤولة وذات سياسة واقعية، لا كعنصر انقسام وتطرف مذهبي أو أيديولوجي.
ان هذا يقتضي من «حماس» مواءمة برنامجها وطروحاتها السياسية مع البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي التفت من حوله كافة قطاعات الشعب الفلسطيني في مختلف تجمعاته في الوطن والشتات، ما مكّن شعبنا من امتلاك سياسة وطنية جامعة ذات أهداف واقعية حظيت بأوسع تأييد على نطاق العالم. ان من الخطورة التسليم باستمرار حالة الانقسام الراهنة والانخراط في المعركة السياسية التي تلوح ملامحها في الأفق بدون حماس، أو التوصُّل في ظل حالة الانقسام الراهنة إلى ترتيبات أو تسويات سياسية باسم الشعب الفلسطيني بمعزلٍ عن حماس. فحماس بسياسة وطنية واقعية يجب أن تكون طرفاً رئيسياً داخل المعادلة السياسية، وركناً رئيسياً من أركان الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
إن على حركة حماس أن تحسم أمرها وأن تتحمل مسؤوليتها الوطنية، وأن تسارع للانخراط في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وان تساهم في تمكين شعبنا من المضي بصفوف موحدة ومواصلة خوض هذه المعركة الوطنية المصيرية والحاسمة، معركة التحرر من الاحتلال واقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين على أسس عادلة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وفي هذا المجال لا بد من ملاحظة أن حركة حماس بدأت في إبداء بعض المؤشرات المحدودة التي تعكس درجة من التجاوب مع هذا الاستحقاق، فقد جاء في الوثيقة التي أصدرتها «حماس» مؤخراً بعنوان «هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى» أن الحركة تسعى للتخلص من الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية، وإنجاز الاستقلال والحرية كباقي شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس». وكان اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة صرح في شهر تشرين الثاني الماضي «أن الحركة مستعدة للتفاوض وقدمت للوسطاء تصوراً شاملاً يشمل فتح المسار السياسي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وحق تقرير المصير». والملفت في هذا السياق التصريحات التي أطلقها مؤخراً جون كيربي المسؤول والناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، والتي قال فيها إن «حماس لا تزال تتمتع بقوة كبيرة في غزة. ومن هذا المنطلق علينا تقبل فكرة أنّ حماس ستبقى موجودة».
ولا شك بأن التزام حركة حماس بكون منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، هي المرجعية ذات المسؤولية الكاملة عن قطاع غزة وكافة الاراضي الفلسطينية المحتلة والحفاظ على الأمن والاستقرار فيها، على قاعدة وحدة الأرض الفلسطينية وفق مبدأ الدولة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الواحد؛ وبما يشمل تقيُّد كافة الأطراف الفلسطينية بهذا المبدأ، من شأنه إحداث تحول إستراتيجي يعزز مكانة قضيتنا الوطنية ودور منظمة التحرير في ميزان الصراع الجاري في المنطقة.
وفي المقابل، فإن هذا يستدعي من القيادة الفلسطينية الالتزام باعتماد وتطبيق مبدأ مشاركة كافة الاطراف الفلسطينية في تحمّل المسؤولية وفي اتخاذ القرارات ورسم السياسات الوطنية من خلال الأطر القيادية للمنظمة.
وعلى قاعدة ما سبق يمكن التقدم لتشكيل حكومة توافق وطني تكون مرجعيتها منظمة التحرير ومهمتها إدارة الوضع في كافة الأراضي المحتلة، الضفة الغربية وقطاع غزة، وتَوَلي مسؤولية الإعمار، والتحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في كافة المناطق الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية في التوقيت المناسب، والتزام الجميع بنتائج تلك الانتخابات حال إجرائها.
إن المعركة الفاصلة التي نجابهها اليوم رغم شدَّة الآلام والصعوبات وخطورة التحديات الراهنة والمستقبلية، من الممكن أن توفر لنا أيضاً فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتحقيق أهدافنا الوطنية. الشرط الرئيسي لتحقيق ذلك هو توحيد صفوفنا وإعادة بناء جبهتنا الداخلية، والتقدم للعالم بموقف وطني موحد.