نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين آرون بوكسرمان وآدم راسغون قالا فيه إن مقاتلي حماس في شمال قطاع غزة أطلقوا ما لا يقل عن 25 صاروخا على مستوطنة نتيفوت في غلاف غزة يوم الثلاثاء، مما جدد انتقادات اليمين في "إسرائيل" لقرار الحكومة تقليص بعض العمليات العسكرية في الحرب.
وقالت حماس في بيان إنها استهدفت مستوطنة نتيفوت، على بعد حوالي ستة أميال من حدود غزة. وقالت الشرطة الإسرائيلية إن مبنى واحدا على الأقل تعرض لأضرار.
وسلط الهجوم الضوء على قدرة حماس المستمرة على تهديد الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق الصواريخ على الرغم من أكثر من 100 يوم من الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي المدمر الذي يهدف إلى تدمير القدرات العسكرية للجماعة.
كما سلط وابل الصواريخ الضوء على الضغوط المتنافسة التي يواجهها القادة الإسرائيليون: المطلب الشعبي واسع النطاق بسحق حماس، والدعوات من السياسيين اليمينيين إلى أن يكونوا أكثر عدوانية في تلك الحملة، ومناشدات عائلات الأسرى لدى حماس لتقديم تنازلات لتأمين عودتهم والغضب في جميع أنحاء العالم بسبب المذبحة والدمار في غزة.
ويقول محللون عسكريون إسرائيليون إن الجيش أضعف بشكل كبير قدرات إطلاق الصواريخ لدى حماس وغيرها من الجماعات المسلحة الأصغر في غزة منذ بداية الحرب، لكنه لم يقض عليها - وهي عملية قالوا إنها قد تستغرق أشهرا، إن لم يكن أطول، لإتمامها.
وقال ياكوف أميدرور، الجنرال المتقاعد الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة: "إن استمرار إطلاق الصواريخ يخبرنا بأننا لم ننه مهمتنا. لا تزال هناك مناطق نحتاج إلى تنظيفها".
استشهد أكثر من 24 ألف فلسطيني في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ونزح أكثر من 85 بالمئة من سكان غزة، والعديد منهم مهددون بالمجاعة والمرض، وفقا للأمم المتحدة. وقالت وكالة الأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، الثلاثاء، إن الحرب تسببت في أكبر نزوح للشعب الفلسطيني منذ طرد مئات الآلاف منهم في أواخر الأربعينيات، في الحروب التي أعقبت قيام "إسرائيل".
وقالت سيندي ماكين، مديرة برنامج الأغذية العالمي، يوم الاثنين: "الناس في غزة يواجهون خطر الموت من الجوع على بعد أميال قليلة من الشاحنات المملوءة بالأغذية. كل ساعة ضائعة تعرض حياة عدد لا يحصى من الناس للخطر".
يوم الثلاثاء، أكدت "إسرائيل" وحماس أن قطر توسطت في اتفاق يسمح بوصول المزيد من الأدوية والمساعدات الإنسانية الأخرى إلى سكان غزة مقابل توصيل الأدوية للأسرى الإسرائيليين المحتجزين هناك.
قبل الحرب، قدر الجيش الإسرائيلي أن حماس والجماعات الأخرى في غزة لديها ترسانة تزيد عن 10,000 صاروخ، لكن المسؤولين قالوا مؤخرا إن أكثر من 12,000 صاروخ تم إطلاقها على "إسرائيل" خلال الحرب.
ومن غير الواضح كم عدد الأشخاص الذين ما زالوا في أيدي حماس وحلفائها. وقال يسرائيل زيف، وهو جنرال متقاعد كان يقود القوات الإسرائيلية في غزة سابقا، لوكالة رويترز للأنباء إنه يُعتقد أن ما بين 10 بالمئة إلى 15 بالمئة من مجموعة مطلقي الصواريخ التابعة لحماس قبل الحرب والتي تضم حوالي 1000 مسلح لا تزال على قيد الحياة، وأن الحركة لا يزال لديها حوالي 2000 صاروخ.
وقال مسؤولون إسرائيليون في الأسابيع الأخيرة إن حملتهم ضد حماس تتحول إلى مرحلة أكثر استهدافا وسط انتقادات دولية متزايدة بشأن عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية في القطاع الفلسطيني.
يوم الاثنين، سحب الجيش الإسرائيلي فرقة من شمال غزة، كجزء من انسحاب أوسع للقوات يهدف جزئيا إلى تخفيف ضغوط الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي. وبعد القصف الصاروخي صباح يوم الثلاثاء، دعا الأعضاء اليمينيون في حكومة نتنياهو في زمن الحرب إلى إعادة النظر بشكل عاجل في هذا القرار.
وقال إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إن قرار سحب بعض الجنود كان "خطأ فادحا وخطيرا سيكلف أرواحا". وقد دعا بن غفير، أحد حلفاء نتنياهو الأكثر تشددا، إلى إعادة احتلال غزة إلى أجل غير مسمى.
وقال بن غفير في بيان إن وابل الصواريخ "يثبت أن غزو غزة ضروري لتحقيق أهداف الحرب".
وضغطت إدارة بايدن على "إسرائيل" لكبح هجومها، من أجل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين والسماح للنازحين من شمال غزة بالعودة إلى ديارهم – على الرغم من إصرار الحكومة الإسرائيلية على أنهم لن يتمكنوا من العودة قريبا. وفي مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض: "نأمل أن يسمح سحب هذه القوات وهذا التحول المعلن عنه للناس بالعودة إلى شمال غزة".
وفي الأسابيع الأولى من الحرب، أطلق المسلحون الذين تقودهم حماس عشرات الصواريخ بشكل شبه مستمر، مما دفع عشرات الإسرائيليين إلى الهروب إلى الملاجئ المحصنة. لكن إطلاق الصواريخ تباطأ مع استمرار القصف الجوي الإسرائيلي والهجوم البري، ومع سيطرة القوات الإسرائيلية على مساحات واسعة من غزة.
وقال مسؤول في حماس إن التباطؤ كان قرارا استراتيجيا وليس علامة على استنفاد ترسانة الأسلحة بشدة، مضيفا أن الحركة لديها أسلحة كافية لمواصلة القتال لعدة أشهر.
وأوضح المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام: "من الواضح تماما أن هذه الحرب ستستمر لفترة طويلة. من المنطقي أنهم لن يطلقوا كل ما لديهم الآن".
وقال إن "أهداف إسرائيل ثبت أنها مجرد خيالات"، مضيفا أن "الهجوم على نتيفوت اليوم هو دليل على أن استراتيجية إسرائيل لا تنجح".
وقال وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، الاثنين، إن "إسرائيل" أنهت عملياتها البرية "المكثفة" في شمال غزة وستنهي قريبا تلك المرحلة من القتال في الجنوب. وأوضح في مؤتمر صحفي أن القوات الإسرائيلية نجحت في تفكيك كتائب حماس المسلحة في الشمال و"تعمل الآن على القضاء على جيوب المقاومة"، واصفا إنجازات الجيش الإسرائيلي بأنها "مثيرة للإعجاب للغاية".
لكن المنتقدين في "إسرائيل" يتساءلون عن مدى قرب الجيش من هدفه المعلن المتمثل في القضاء على القدرة العسكرية لحماس، وما إذا كان القضاء عليها أمرا ممكنا. وقد قلل المسؤولون الإسرائيليون مرارا من قوة حماس، بدءا من قدرتها على تنفيذ هجوم مثل ذلك الذي حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى بناء شبكة أنفاقها، والتي وجدت القوات الإسرائيلية أنها أكبر بكثير وأكثر تطورا مما توقعت.
واستمر القادة الإسرائيليون في إخبار الجمهور بأن يتوقعوا استمرار القتال لعدة أشهر، حتى مع إعلان الجيش عن مقتل ما لا يقل عن 185 جنديا إسرائيليا منذ بدء الغزو البري في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر.
وقال جدعون ساعر، النائب المعارض عن تحالف الوحدة الوطنية الذي انضم إلى حكومة الطوارئ التي تشكلت بعد بدء الحرب، في بيان له، الثلاثاء: "من الخطأ تقليص قوة الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في غزة والقوات المنتشرة هناك في الوضع الحالي".
وقد سعى نتنياهو إلى إظهار الثقة في أن الهجوم الإسرائيلي على غزة سيسمح لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين فروا من منازلهم بالقرب من حدود غزة بالعودة إلى ديارهم، لكن الهجمات الصاروخية المستمرة أضعفت تلك الآمال.
وقال نتنياهو لقادة المستوطنين في غلاف غزة، الثلاثاء: "نحن مصممون على إعادة بناء البلدات والكيبوتسات في ما يسمى بمحيط غزة، لإعادة السكان إلى منازلهم وتحقيق المزيد من الرخاء عما كان عليه قبل الحرب. ولكن لتحقيق ذلك، علينا أولا هزيمة حماس".
وقال سيرغي دافيدوف، الذي يدير مغسلة سيارات في نتيفوت، المدينة التي استهدفتها الصواريخ الفلسطينية يوم الثلاثاء، إن عدد زبائنه قد تضاءل منذ بداية الحرب. وقال إن بعضهم كانوا من جنود الاحتياط الإسرائيليين الذين تم استدعاؤهم للقتال، في حين كان آخرون غير مرتاحين بشأن القيام بالرحلة إلى المنطقة الحدودية.
وتابع دافيدوف، الذي يدعم مثل معظم الإسرائيليين الحرب ضد حماس: "أشعر أن الحكومة تدعمنا اقتصاديا، بما في ذلك من خلال تقديم المساعدة للشركات المتضررة من الحرب. ولكن من حيث الأمن ليس تماما".