حرب غزة وإعادة الاعتبار للعرب بعد السنين العجاف..

السبت 06 يناير 2024 01:55 م / بتوقيت القدس +2GMT



كتب الطيب بن إبراهيم:

الطيب بن إبراهيم

ما يلفت الانتباه ويثير الاستغراب، أن العرب رغم تنوع إمكانياتهم ومواردهم وثرواتهم، ورغم موقعهم الجغرافي الاستراتيجي، ورغم ملايين سكانهم، ورغم تكرر نكساتهم، ورغم لدغهم من جحر واحد أكثر من مرة، لم يعتبروا ولم يتعضوا؟؟!!

المؤامرات والنكسات وطعنات الغدر المعهود من طرف أوروبا ضد العرب
تكررت وتوالت مع بداية القرن العشرين، عندما ضعفت الدولة العثمانية قاهرة الصليبيين وفاتحة القسطنطينية. وأثناء الحرب العالمية الأولى، وعندما بدأت تظهر بوادر انتصار الحلفاء وهزيمة الدولة العثمانية، ورغم مقاتلة العرب إلى جانب فرنسا وبريطانيا ضد الدولة العثمانية، فكانت الطعنة الأولى في الظهر من قبل الدولتين الاستعماريتين اللتين اجتمعتا سرا وتم الاتفاق بين ممثليهما في الاتفاقية التي عرفت باسم ممثلي الدولتين “سايكس وبيكو”، كان ذلك الاتفاق سنة 1916، وينص الاتفاق السري على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، وبموجب الاتفاقية تصبح فلسطين والأردن وجنوب العراق خاضعة لبريطانيا، وشمال العراق وسوريا ولبنان تصبح خاضعة لفرنسا.
وبعد أن أوشكت الحرب العالمية الأولى على نهايتها، وتأكدت هزيمة الدولة العثمانية، وبعد سنة من اتفاقية سايكس بيكو، تعرض العرب لطعنة غدر أوروبية أخرى من طرف بريطانيا، متمثلة في وعد بالفور المشئوم، في شهر نوفمبر سنة 1917. وكان الوعد عبارة عن رسالة بعث بها وزير خارجية بريطانيا آرثر بالفور إلى أحد زعماء الصهيونية آنذاك اللورد ليونيل روتشيلد، فكان ذلك الوعد يمثل الخطوة الأولى “لِلْوَحَمْ” قبل الحمل ومولد إسرائيل، وبعد ثلاثين سنة من العمل والتنسيق والترتيب والتحضير، أُعلن عن تأسيس دولة بني صهيون يوم 14 من شهر ماي سنة 1948، ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل تكبر وتنمو وتتوسع في أرض فلسطين يوما بعد آخر.
كان وضع العرب آنذاك لا يحسدون عليه، فالمغرب العربي تحت الاحتلال الفرنسي، والمشرق العربي تحت الاحتلال البريطاني بطريقة أو بأخرى، ومع ذلك كانت ردود الفعل العربية قوية رسمية وشعبية، وشاركت في الحرب ضد إسرائيل كل من مصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية، وقدمت أوروبا الدعم للعصابات الإسرائيلية، فهُزِمت الدول العربية، وارتكبت أولى المذابح ضد الفلسطينيين، أولهم مذبحة دير ياسين في شهر افريل سنة 1948، أي قبل شهر واحد من الإعلان عن دولة إسرائيل، وتواصلت المذابح والتهجير للسكان من طرف عصابات مسلحة ومدربة، فبدأت أول خطوات التهجير واللجوء والتشريد تطال الفلسطينيين، وأطلق على الأحداث التي عرفتها فلسطين وصف “النكبة”، لما كان لها من آثار ونتائج سلبية على السكان الفلسطينيين.
وفي منتصف الخمسينات وقبل عشر سنوات من تأسيس إسرائيل، عرفت مصر الإطاحة بالنظام الملكي من طرف الضباط الأحرار سنة 1952، وأعلن جمال عبد الناصر عن دعمه للثورة الجزائرية ودعمه للمقاومة الفلسطينية ولكل حركات التحرر، وتأميمه لقناة السويس، فكان الغدر للمرة الثالثة ضد العرب متمثلا في العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر، في نهاية شهر أكتوبر 1956.
وبعد عشر سنوات حدثت عدة تطورات واستقلت بلدان المغرب العربي وعرفت العراق الإطاحة بالنظام الملكي سنة 1958، وجاءت الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة سنة 1967، بين الدول العربية وإسرائيل شاركت فيها الجزائر ودول مغاربية، بالإضافة لمصر والعراق والأردن وسوريا، وكما حدث سنة 1948، و1956، لم يتخلى الأوربيون والأمريكان عن لقيطتهم إسرائيل، وتدخلوا بقوة، وكانت نتيجة الحرب صادمة للعرب وأصدقائهم، وأصيبوا بهزيمة مدوية على كل الجبهات وفي ظرف قياسي، خلال ستة أيام فقط، وقع ما لم يكن في الحسبان، ليس فقط في أعداد القتلى ولا في العتاد الحربي وتدميره، بل في فقدان مساحات شاسعة من الأراضي العربية، فاحتلت إسرائيل سيناء المصرية والجولان السورية، والسيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وأطلق على هزيمة حرب سنة 1967 وصف النكسة، وانطبق عليهم المثل الجزائري القائل: “مشى يسعى ودّر تسعة”.
كانت نتائج حرب 1967 كارثية والهزيمة مدوية، وجاءت حرب أكتوبر سنة 1973 لتحرير الأراضي العربية، ليس الفلسطينية، ولكن المصرية والسورية، وإعادة الاعتبار للعرب، وكانت الحرب في شهر رمضان، ونجح الجيش المصري مدعوما بالمقاتلين العرب معه في عبور خط برليف المحصن، وكان الإنجاز الوحيد دون استرداد سيناء المصرية أو الجولان السورية، فما بالك بتحرير فلسطين، بل رأى البعض أن محاولة تحرير فلسطين معناها فقد المزيد من الأراضي العربية.
بعد عجز الدول العربية المجهزة بجيوشها وأسلحتها عن استرداد أراضيها المحتلة، والتي هي أولى من فلسطين، بدأت مرحلة جديدة من التفكير في التعامل مع إسرائيل، وبدأت كل دولة تعمل على مصلحتها أولا، فلجأت مصر من أجل استرداد سيناء من إسرائيل إلى عقد معاهدة للسلام معها، وُقِّعت بأمريكا سنة 1979، وتم تطبيع علاقتهما مع إسرائيل والتخلي عن الحرب، والتحقت بمصر السلطة الفلسطينية بعد معاهدة أوسلو والتوقيع على معاهدة السلام بأمريكا سنة 1993، ثم التحقت بالصف الأردن، ووقعت اتفاقية واد عربة سنة 1994.
هكذا روّضت إسرائيل الدول العربية المعنية بالصراع معها، والتي تقع على حدودها، إما اختيار التخلي عن فلسطين والتطبيع مع إسرائيل، أو توسع إسرائيل وفقد المزيد من الأراضي العربية، لأن جيش إسرائيل لا يقهر حتى ولو كانت الدول العربية مجتمعة، وبقيت هذه الصورة الوهمية والمصطنعة إلى أن عصفت بها أعاصير طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023، ولأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أعادت مقاومة غزة إسرائيل إلى حجمها الحقيقي، وطهّرت بيت المقاومة من الدخلاء والمزيفين من العرب والفلسطينيين، وتحولت المقاومة لأول مرة من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم، وأعادت الاعتبار للعرب الشرفاء بعد السنين العجاف!!