انتزاع زمام المبادرة السياسية..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 02 يناير 2024 09:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT
انتزاع زمام المبادرة السياسية..مهند عبد الحميد



الجندي الإسرائيلي «تل تيتنك» البالغ من العمر 18 عاماً أحيل الى السجن بعد رفضه التجنيد في الجيش الإسرائيلي، بحسب صحيفة الغارديان. جندي واحد من بين مئات الآلاف عاند التيار الجارف بضمير حي وبشجاعة. قال إنه «يرفض الاعتقاد بأن المزيد من العنف سيجلب الأمن لإسرائيل». وأضاف :أرفض المشاركة في حرب انتقامية، كان خياري برفض الخدمة يساوي موقفاً ضد الانحلال الأخلاقي في الداخل، ولأُظهر للآخرين أن هناك طريقاً آخر. وأعلم ان المحكمة العسكرية ستحكم على رافضي الخدمة بأنهم غير مؤهلين عقلياً ما يعني ان «معارضة الخدمة تساوي الجنون».
ما أصعب حال هذا الجندي! لأن الخدمة العسكرية الإسرائيلية هي طريقة للانخراط في المجتمع ولقياس المكانة والأهمية الاجتماعية خلافاً للدول والشعوب الأخرى.
حرب الانتقام والتوحش التي أرادوا للجندي تل أن يشارك فيها، صنعت الأهوال والكوارث والدمار لـ 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة. فبحسب الجهاز المركزي للإحصاء فإن ضحايا الحرب هي الأعلى منذ نكبة 48، حيث بلغ عدد القتلى الشهداء 22.404 بينهم 9000 طفل و 6450 امرأة وفتاة، و7000 مفقود، و1.9 مليون مهجر من شمال القطاع الى جنوبه. وما زالت حرب الإبادة وتدمير البنية التحتية وركائز المجتمع الفلسطيني مستمرة مع دخول العام 2024، حيث يتوقع جنرالات الحرب وحكومة نتنياهو استمرار الحرب طوال العام الجديد. وما يعنيه ذلك من استمرار تأمين الغطاء السياسي الاميركي والدولي للحسم العسكري الذي يهدد مصير واستقرار وحياة هذا الجزء الحيوي من الشعب الفلسطيني.
 بعد 3 أشهر من حرب الإبادة يلاحظ استمرار طغيان الحسم العسكري على حل سياسي ينهي الحرب أولاً، ويضع أسساً وآليات لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي جوهره إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المزمن للأراضي الفلسطينية. بقي صوت الحرب طاغياً أولاً بسبب قيادة نتنياهو واليمين العنصري الفاشي للدولة والحكومة والحرب بما ينسجم مع برنامج تصفية القضية الفلسطينية الذي يتضمن التهجير ويرفض حتى البحث راهناً في حلول ما بعد الحرب. وبسبب التحاق المعارضة الإسرائيلية بحكومة نتنياهو وحلفائه الكهانيين بزعم وجود خطر وجودي يهدد إسرائيل برمتها.
إن انضمام غانتس وعدم امتلاكه مع لابيد لمشروع سياسي، او على رأي المثل الروماني القديم «إذا كنت لا تعرف أي ميناء تسعى للوصول اليه فلن تصلك الريح اليه». المعارضان كلاهما أنقذا نتنياهو وأسبغا على حكومته العنصرية المتطرفة شرعية داخلية وخارجية. وبات مشروع نتنياهو هو الوحيد المتداول والمأخوذ به، وفي مقدمة ذلك استمرار الحرب وإطالتها لفترة زمنية قد تستغرق عاما وأكثر. لا شك في أن التحاق المعارضة الإسرائيلية بحكومة نتنياهو بدون شروط أقلها إقصاء بن غفير وسموتريتش، أدى الى انهيارها السياسي والى تقوية اليمين المتطرف.
وبقي صوت الحرب طاغياً ثانياً بسبب موقف إدارة بايدن التي وفرت الدعم بالسلاح والمال والفيتو للحرب بدون مقابل سياسي، بدون وقف الحرب والانتقال الى الحل السياسي، واكتفت بمقايضة الدعم الهائل للعدوان بزيادة عدد شاحنات التموين والوقود الى داخل القطاع، وهو مستوى بخس لم يتجاوز 10% من احتياجات المواطنين في القطاع، ولم يحل دون المجاعة وانتشار الأوبئة. ولا يغير من واقع التشجيع الأميركي للحرب والحسم العسكري حديث إدارة بايدن عن مرحلة ما بعد الحرب، لجهة فرض وصاية على الحركة السياسية الفلسطينية، وتقديم مشاريع متناغمة مع أهداف الحرب، تتناقض مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بدون وصاية أو تدخل. ولا تنفصل مواقف الدول الأوروبية عن موقف إدارة بايدن، بل تجاوز الانحياز الألماني لإسرائيل الانحياز الأميركي «بإعلان الحكومة الألمانية أن دولة إسرائيل ليست أقل من مصلحة قومية أو وطنية ألمانية. وتحول سلوك ألمانيا حيال ماضيها النازي الإبادي الى ضرب من المكارثية التي تهدد الثقافة والفن، حيث أُلغيت عشرات النشاطات الثقافية والفنية الفلسطينية والعربية والإسلامية وحتى الألمانية بذريعة تحريضها على العداء للسامية. وبقي الموقف الأوروبي ملحقاً بالموقف الأميركي. ولم يبادر الاتحاد الأوروبي او بعض دوله كفرنسا الى تقديم مبادرة سياسية لحل الصراع.  
اما الموقف العربي الرسمي فقد تمخض عن مبادرة مصرية سياسية حظيت بتأييد فلسطيني لكن حضورها بقي ضعيفا، ربما يعود ذلك الى التجاهل الإسرائيلي. ويبقى الموقف الفلسطيني عنصراً مهماً سواء في استجابته للمبادرة المصرية او لقبوله المساعي المصرية القطرية للهدنة، ووقف إطلاق النار أو لجهة خروج مواقف صدرت عن ابو مرزوق وخالد مشعل وإسماعيل هنية كلاً على انفراد. لكن هذه المبادرات لم تتجاوز كونها بالونات اختبار لم تحظ بتبني قيادة حركة حماس داخل وخارج قطاع غزة لها.
 من بين كل المواقف يكتسب الموقف الفلسطيني أهمية حاسمة كونه القادر وحده على فتح المجال أمام مسار سياسي يدعم الحقوق الوطنية المشروعة، وقادر على انتزاع زمام المبادرة السياسية والخروج من دائرة الحسم العسكري الذي تتشبث به دولة الاحتلال. هل يمكن توحيد القوى الفلسطينية في رؤية واحدة، تبدأ بالمطالبة بوقف الحرب فوراً وانسحاب قوات الاحتلال من داخل قطاع غزة، ومعالجة الجرحى وإعادة ترميم المستشفيات، وإدخال المواد الغذائية والوقود، وتبادل الأسرى والمحتجزين. رؤية تقبل القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتعتمد الأسلوب الرئيسي للنضال في المرحلة القادمة وهو الأسلوب السلمي، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والمدنية المشروعة: إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967. وتطبيق قرار 194 حول حق اللاجئين في العودة، وتحقيق المساواة للفلسطينيين في مناطق 48 وإعادة إعمار قطاع غزة وعودة جميع المواطنين الى بيوتهم ومزارعهم في شمال ووسط القطاع. اعلان حكومة وحدة وطنية تضم كفاءات وتعبيرات سياسية واجتماعية استناداً الى معايير متفق عليها. فتح مؤسسات منظمة التحرير امام جميع القوى على قاعدة نظامها الأساسي. المشاركة في الحكومة وفي مؤسسات المنظمة لفترة انتقالية محددة زمنياً، وكافية لانضاج شروط العودة للانتخابات والحياة الديمقراطية، وتأسيس وحدة وطنية جديدة، تتبادل السلطة ومركز القرار بأسلوب سلمي ديمقراطي ونظامي. الرؤية الفلسطينية التي تحقق الوحدة الوطنية، يمكن ان تُدعم بمبادرة سياسية عربية، ويمكن أن تحفز المعارضة الإسرائيلية للانسحاب من الشراكة مع تحالف الليكود والكهانيين، خطوة من المرجح أن تؤدي إلى إسقاط نتنياهو وحكومة حرب الإبادة. انتزاع زمام المبادرة السياسية ضرورة لبداية جادة ومسؤولة، ولمراجعة التجربة السابقة من أوسلو وسياسة التفاوض والانتفاضة الثانية والمقاومة المسلحة وحروب المواجهات سيما حرب طوفان الأقصى، وأشكال النضال، والتدخلات، وضرورة لوضع معايير وناظم وقوانين لحياتنا السياسية ولأحزابنا.