إدارة بايدن تكذب كما تتنفس..محمد ياغي

الجمعة 08 ديسمبر 2023 10:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT



تُطلق الولايات المتحدة من فترة لأخرى تصريحات وتسرب أخباراً توحي بأنها لا تتفق مع الأهداف أو الطريقة التي تخوض بها دولة الاحتلال حربها الإجرامية في غزة، لكن الحقيقة أنهم يكذبون، وأنهم شركاء في عمليات القتل الوحشي للفلسطينيين في غزة والضفة.
الكل يعلم أنهم قادرون على وقف هذه الحرب خلال ساعة واحدة إن أرادوا ذلك، ولكنهم لا يفعلون لأنهم شركاء في هذه الحرب، وهم من يضعون أهدافها ويقدمون كل ما هو ضروري لدولة الاحتلال من سلاح ومال واستخبارات وغطاء سياسي وحماية عسكرية من أجل استمرارها حتى تحقيق نتائجها.
لقد أوقف الرئيس الأميركي أيزنهاور العدوان على مصر العام ١٩٥٦ باتصال هاتفي واحد لرئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن.
وفي ثمانينيات القرن الماضي انهار النظام العنصري في جنوب أفريقيا عندما قررت أميركا وحلفاؤها في الغرب فرض العقوبات الاقتصادية عليه.
ولقد سمح العديد من الأنظمة العسكرية في دول أميركا اللاتينية بالانتخابات في بلدانها في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي عندما أوقفت أميركا الدعم العسكري لها.
وفي العام ١٩٩٨ اختارت أميركا وحلفاؤها في أوروبا التدخل العسكري المباشر لوقف حرب صربيا على البوسنة وتم قصف صربيا لمدة شهر تقريبا إلى أن تم إخضاعها.
والولايات المتحدة وحلفاؤها فعلوا نفس الشيء في ليبيا العام ٢٠١١ تحت مسمى حماية الشعب الليبي من «حرب نظام القذافي عليه».
واختارت أميركا وحلفاؤها تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والمالي لأوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد روسيا في أوائل العام ٢٠٢٢، ولا يزالون يقومون بذلك إلى يومنا هذا.
إذاً، لو أرادت أميركا وحلفاؤها الغربيون وقف آلة الحرب الإسرائيلية التي تقتل الأطفال والنساء وتمحو مدناً كاملة في غزة عن وجه الأرض، لفعلوا ذلك بكل سهولة.
بإمكانهم قصفها بالصواريخ مثلما فعلوا في صربيا أو وقف مساعداتهم المالية والاقتصادية والعسكرية مثلما فعلوا في جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية، أو دعم الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح للدفاع عن نفسه مثلما فعلوا في أوكرانيا أو رفع الغطاء السياسي عن إسرائيل في مجلس الأمن، أو الوقوف حتى على الحياد في هذا الصراع.
لكنهم لا يفعلون. على العكس من ذلك تبنت إدارة الرئيس بايدن منذ البداية الرواية الإسرائيلية عن أحداث ٧ أكتوبر وساهمت في نشرها على نطاق واسع دون أن تحاول التحقق منها.
لقد وقف بايدن أمام الإعلام ليدعي أن المقاومة قطعت رؤوس الأطفال، ولم يعتذر عن ذلك بعد أن تبين له أن دولة الاحتلال قد كذبت عليه، واستمر بالكذب مدعياً أن مقاتلي المقاومة الفلسطينية اغتصبوا النساء في إسرائيل وهو يعلم أن ذلك لم يحصل.
إن مشاركة الولايات المتحدة في العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحتى قيادتها له كانت واضحة منذ بدايته.
في اليوم الأول من العدوان وصل وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن إلى إسرائيل وتحرك منها إلى مصر لإقناعها بخطة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين «مؤقتاً» إلى مصر، وهو ما تم رفضه من مصر.
ثم قام الرئيس بايدن بزيارة إسرائيل وحضور اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي ومعه مستشاروه العسكريون وفيه تعهد بتمويل حرب إسرائيل على غزة بـ١٤ بليون دولار وإنشاء جسر جوي عسكري لنقل كل ما يلزمها للحرب، وبالفعل وصل إلى إسرائيل خلال شهرين أكثر من مائتي طائرة عملاقة أميركية تحمل كل ما تحتاجه إسرائيل من أسلحة لاستكمال حرب إبادتها للشعب الفلسطيني.
وقامت أميركا أيضاً بإرسال أكثر من حاملة طائرات للمنطقة لحماية إسرائيل من صواريخ قد تصل إليها من جهات داعمة للمقاومة في غزة، وأرسلت تحذيراتها لحلفاء المقاومة بأنها لن تبقى على الحياد إذا ما قرروا التدخل ضد إسرائيل، ثم قامت بتوسيع انتشارها في البحر الأحمر لحماية السفن الإسرائيلية.
والأسوأ من كل ذلك، هو محاولات إدارة بايدن أن تقدم نفسها على أنها حريصة على المدنيين الفلسطينيين، بينما الواقع يقول إن أسلحتها واستخباراتها ومالها ودعمها السياسي لإسرائيل هو من يتسبب في إبادتهم.
فهي تعلن تارة أنها ضد تهجير الفلسطينيين (وهي التي حملت مقترح تهجيرهم لمصر)، وتعلن تارة أخرى أنها تطلب من إسرائيل توفير ملاذات آمنه للفلسطينيين (في الوقت الذي تعلن فيه أنها لا ترى أدلة على قتل المدنيين الفلسطينيين، الأدلة التي تنقلها وسائل الإعلام لكل العالم على الهواء مباشرة).
وتعلن أنها تطلب من إسرائيل وصول الأدوية والوقود للمستشفيات (وهي التي أيدت أكاذيب دولة الاحتلال بأن قيادة حركة «حماس» المركزية كانت أسفل مستشفى الشفاء وبرأت إسرائيل من مذبحة المستشفى الأهلي المعمداني)، وهي تدعي رفضها قيام دولة الاحتلال باقتطاع أي مساحة من أراضي غزة لأغراضها الأمنية (بينما تقوم بالتحضير وممارسة الضغوط على العديد من الدول لإرسال جيوشها لغزة لحماية دولة الاحتلال بعد تحقيق الأخيرة لأهداف عدوانها).
ثم تقوم الإدارة الأميركية، التي تكذب كما تتنفس، بتسريب أخبار للصحافة الأميركية مفادها أن الفُسحَة التي أعطتها لإسرائيل لتصفية المقاومة الفلسطينية (الحقيقة تصفية الشعب الفلسطيني وليس المقاومة فقط) قد أوشكت على النفاد أو أن أمام إسرائيل عدة أسابيع، ربما ثلاثة وربما أربعة لتنفيذ أهدافها، وتترك المحللين السياسيين والصحافيين، الذين يريدون أن يروا فرقاً بين أميركا وإسرائيل، يتسابقون لترويج أكاذيبها.
الحقيقة أن هذه الحرب تقودها أميركا ضد المقاومة والشعب الفلسطيني، ولو لم تكن كذلك لما تحول جون كيربي (الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي) إلى ناطق باسم الحكومة الإسرائيلية يبرر لها جرائمها ويتبنى أكاذيبها تارة بأنه «لا يشاهد أدلة تشير إلى جرائم إسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين» وتارة «بأن مقاتلي حماس قد تحرشوا بالنساء الإسرائيليات» وتارة أخرى «بأن إسرائيل قد وفرت ملاذات آمنه للمدنيين الفلسطينيين».
وحرب تقودها أميركا ضد الشعب الفلسطيني لأن وزير دفاعها لويد أوستن قال إن بلاده «لن تسمح بهزيمة إسرائيل».
في الخلاصة، من ينتظر سلاماً من أميركا عليه أن يراجع حساباته، فالسلام الوحيد الذي يأتي منها هو ذلك الذي ينتجه الخضوع والاستسلام للإرادة الإسرائيلية.