شهدت فرنسا يومي السبت والأحد الماضيين تظاهرتين مختلفتين في جمهورهما وتوجهاتهما، فالأولى كانت مؤيدة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وانطلقت يوم السبت الماضي وشارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين، والثانية انطلقت يوم الأحد الماضي ورفعت راية محاربة العداء للسامية.
وقد شاركت كل قوى اليسار في التظاهرة المؤيدة للشعب الفلسطيني، وخاصة حزب فرنسا الأبية اليساري الذي انتشر نوابه وسط المتظاهرين ورفعوا الشعارات المؤيدة لحقوق الفلسطينيين، كما شارك فيها عشرات الآلاف من الشباب وسكان الضواحي من الفرنسيين ذوي الأصول العربية، ورفعوا شعارات منددة بالعدوان الإسرائيلي مثل «إسرائيل قاتلة وماكرون متواطئ» و«إسرائيل ارحلي فلسطين ليست لكِ» و«حل واحد إنهاء الاحتلال»، ثم تم تكرار شعار «تحيا فلسطين» بالعديد من لغات العالم ومنها العربية.
واللافت أن هذه التظاهرة تجاهلها الإعلام الفرنسي ولم يشر إليها إلا بعد حدوثها في الصحافة الورقية، أما الإعلام المرئي فقد تراوح موقفه بين التجاهل الكامل والإشارة العابرة.
أما تظاهرة رفض العداء للسامية فقد ظلت «حديث المدينة» على مدار أسبوع قبل انطلاقها، وركز الإعلام المرئي وخاصة قنوات الأخبار المحلية على قضية العداء للسامية في فرنسا، التي ذكر الإعلام أنها سجلت ألف حالة منذ عملية ٧ أكتوبر، وهي ليست حوادث عنف أو اعتداء بدني إنما ألفاظ وشتائم تربط بين اليهود والعدوان الإسرائيلي، في حين عرض نفس هذا الإعلام جرائم الاحتلال في غزة والضفة الغربية بشكل عابر ومختصر للغاية، وتبنّى الرواية الإسرائيلية في الدفاع عن النفس بمعنى «حقها في قتل المدنيين».
مظاهرة يوم الأحد الماضي نالت اهتماماً إعلامياً كبيراً، وشارك فيها كل قادة الأحزاب ما عدا حزب فرنسا الأبية (اليسار)، كما شارك فيها أيضا رئيسا جمهورية سابقان ورئيسة الوزراء الفرنسية الحالية، وقدر عدد المشاركين فيها بحوالى ١٠٥ آلاف متظاهر في العاصمة الفرنسية وهو رقم معقول، ولكنه يظل أقل مما توقعه من قاموا بالحشد الإعلامي لصالح هذه المظاهرة.
من الصعب خلق صورة ذهنية نمطية عن كل مظاهرة، فيقينا هناك من شارك في تظاهرة الأحد ليس معادياً لحقوق الفلسطينيين وينطلق من موقف إنساني نبيل في رفض العنصرية والعداء للسامية، كما أن المشاركين في تظاهرة يوم السبت قضيتهم هي مواجهة جرائم الاحتلال وليس كراهية اليهود.
ومع ذلك فإن الخلفية الاجتماعية والثقافية للمشاركين في كل تظاهرة كان واضحاً اختلافها، فالتظاهرة المؤيدة للفلسطينيين يمكن القول إن أكثر من نصف المشاركين فيها تقريبا من أصول عربية والباقي فرنسيون من ذوي البشرة البيضاء، أما تظاهرة الأحد فمن شارك فيها أساساً أصحاب البشرة البيضاء أو اليهود من أصول شرق أوسطية، كما أن رفض هيئات إسلامية ويسارية المشاركة فيها يرجع لتوقيتها؛ لأنها بدت وكأنها تظاهرة تضامن مع جرائم الاحتلال تحت غطاء رفض العداء للسامية.