أدّى إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، أن إسرائيل ستتولى السيطرة على الأمن في قطاع غزة لفترة غير محددة، إلى زيادة الغموض حول مستقبل القطاع المحاصر بعد مرور أكثر من شهر على بدء العدوان على غزة.
ويسعى المسؤولون الإسرائيليون منذ ذلك الإعلان لتوضيح أنهم لا يعتزمون إعادة احتلال غزة التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية في عام 2005، لكن ليس هناك وضوح لسبل ضمان الأمن دون استمرار وجود عسكري في القطاع.
شيء واحد فقط هو الذي أُكِّد مراراً، وهو ضرورة تدمير حركة حماس، التي شنت هجوماً مباغتاً في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تقول إسرائيل إنه أدى إلى مقتل نحو 1400 شخص، واحتجاز أكثر من 240 إسرائيلياً وأجنبياً.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي السابق بني غانتس، الذي انضم إلى نتنياهو في حكومة الحرب الشهر الماضي، اليوم الأربعاء: "يستحيل وجودهم هنا. يمكننا التوصل إلى أي آلية نراها مناسبة، لكن حماس لن تكون جزءاً منها".
وأضاف غانتس، الذي قال إن حماس تمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل، للصحافيين إنه سيتعين على إسرائيل ضمان "التفوق الأمني" حول غزة.
وقال رون ديرمر، أحد أقرب مساعدي نتنياهو، والذي يشارك مثل غانتس في حكومة الحرب، إن إسرائيل سيتعين عليها أن تلعب دوراً نشطاً في الإشراف على غزة، لكن الكثير سيعتمد على طريقة حكم القطاع في المستقبل.
وأضاف لشبكة (أن.بي.سي) الأميركية يوم الثلاثاء: "هل ستكون هناك قوة تمنع ظهور الإرهاب هناك؟ هل ستكون هناك قوة فلسطينية تبني وتحكم غزة بالطريقة الملائمة لشعب غزة، وليس فقط لتدمير إسرائيل؟ هذا ما لم يحسم بعد".
وبعد استشهاد أكثر من 10 آلاف فلسطيني في القصف المتواصل لقطاع غزة بالطائرات الإسرائيلية، وفق وزارة الصحة في غزة، أصبحت الحرب بالفعل من بين أكثر الأحداث دموية منذ عقود من الصراع.
وسويت مساحات كبيرة من الشريط الساحلي المكتظ بالسكان بالأرض، وأجبر أكثر من 1.5 مليون شخص، أي نحو ثلثي السكان، على ترك منازلهم، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.
ويقول دبلوماسيون إن إعادة بناء البنية التحتية المادية وإعادة بناء الحكم في المنطقة ستشكلان تحدياً هائلاً سيجبر إسرائيل على العمل مع الفلسطينيين، على الرغم من العداء المرير بين الجانبين.
ومع استمرار الحرب، ارتفعت نداءات من دول غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لاستئناف الجهود المتوقفة للتوصل إلى حل الدولتين الذي يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحافي بطوكيو: "الحقيقة الآن أنه قد تكون هناك حاجة لفترة انتقالية ما بنهاية الصراع، ولكن من الضروري أن يكون للشعب الفلسطيني دور مركزي في الحكم في غزة والضفة الغربية أيضاً". وأضاف: "من الواضح أيضاً أن إسرائيل لا يمكنها احتلال غزة".
تحديات مقبلة
انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، ما أثار غضب المستوطنين المتشددين الذين أُجبروا على المغادرة مع الجيش عندما قرر رئيس الوزراء السابق أرييل شارون أن تكاليف الحفاظ على وجودهم هناك مرتفعة أكثر مما يلزم.
وظهرت التحديات، التي من المرجَّح أن تواجه أي آلية أمنية قد تحددها إسرائيل، بوضوح خلال أكثر من 18 شهراً من الاشتباكات العنيفة المتزايدة في الضفة الغربية المحتلة.
وناقش بعض الدبلوماسيين إمكانية إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، التي أنشئت بموجب اتفاقيات السلام المؤقتة في أوسلو قبل 30 عاماً، لكي تلعب دوراً في إدارة غزة، إذا نجحت إسرائيل في هدفها المتمثل بتفكيك حماس.
وكانت السلطة الفلسطينية تدير كلاً من غزة والضفة الغربية، لكن حماس طردتها بالقوة من غزة في عام 2007، ولا تحكم الآن سوى أجزاء من الضفة الغربية، التي تنتشر فيها المستوطنات اليهودية وتتزايد باستمرار.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أخيراً لمراسلين أجانب إن السلطة الفلسطينية لن تعود إلى غزة "على ظهر دبابة إسرائيلية"، ما يثير شكوكاً عميقة في التكهنات بأن إسرائيل ستسعى لإلقاء مسؤولية الإدارة اليومية للقطاع على حكامه السابقين.
وفي كل الأحوال، تجد السلطة الفلسطينية صعوبات منذ فترة طويلة في فرض سلطتها، حتى في الضفة الغربية، رغم أنها مسؤولة نظرياً عن النظام فيها، لكنها لا تحظى بثقة إسرائيل وقطاعات كبيرة من السكان الفلسطينيين.
وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، قتلت القوات الإسرائيلية مئات الفلسطينيين، بمن فيهم مسلحون، وشباب يلقون الحجارة، ومدنيون، واعتقلت الآلاف في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وفي الفترة نفسها، قُتل عشرات الإسرائيليين في هجمات شنها فلسطينيون.
وقال ديرمر إنه في حينٍ دخلت القوات الإسرائيلية فعلياً بلدات الضفة الغربية، إلا أنها كانت غائبة بشكل أساسي عن غزة على مدى 17 عاماً ماضية. وأضاف: "الواضح أننا لا يمكننا أن نكرر (هذا). لذلك بعد إطاحة حماس من السلطة... سيتعين على إسرائيل الاحتفاظ بالمسؤولية الأمنية المهيمنة إلى أجل غير مسمى".
وقال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق مروان المعشر لـ"رويترز" إنه لم يرَ أي مبادرة مقنعة بشأن طريقة حكم غزة بعد انتهاء الحرب. وأضاف المعشر، وهو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومقرها واشنطن: "لا أعتقد أن هناك أي تفكير واضح حتى الآن بشأن ما يجب فعله في اليوم التالي".