قالت صحيفة “لاكروا” الفرنسية إن بين إسقاط المساعدات الإنسانية على غزة، والنشاط الدبلوماسي والدعوة إلى وقف إطلاق النار، تسعى المملكة الأردنية إلى إسماع صوتها منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس. لكن عمّان، الواقعة في مرمى النيران، أسيرة عجزها. فوسائل ضغطها محدودة لتجنب استمرار الحرب وتدفق اللاجئين إلى الأراضي الأردنية. وتواصل المملكة نشاطاً دبلوماسياً لصالح حل الدولتين.
وقالت الصحيفة إن الرسالة التي ألقاها العاهل الأردني قبل أسبوعين من هجوم السابع من أكتوبر، تحمل في طياتها شيئاً يكاد يكون بصيراً. كان عبد الله الثاني يحضر قمة في نيويورك عندما أعرب عن شكوكه بشأن اتفاقيات التطبيع التي وقّعتها إسرائيل مؤخرا مع العديد من الدول العربية، حيث قال: “اعتقاد بعض الجهات الفاعلة في المنطقة أنه يمكننا الهبوط بالمظلات في فلسطين، وتوقيع اتفاقيات مع العرب لا يعمل”.
بعد مرور شهر على هجوم حماس وبدء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، يجد الأردن نفسه على خط المواجهة وفي حالة توازن. ومع ذلك، فإن المملكة معتادة على تجربة الاضطرابات في فترات الأزمات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حتى في ساحة المساجد، حيث هي حارسة الأماكن المقدسة في القدس، تقول “لاكروا”.
لكن القيادة الأردنية تكافح لإسماع صوتها في هذا الانفجار غير المسبوق الذي تخشى تداعياته الداخلية والإقليمية. المعادلة معقدة كما لخّصها الجيوسياسي مارك لافيرن، مدير الأبحاث الفخري في المركز الوطني للأبحاث العلمية: “في الأردن، هناك القصر، وزوجة الملك- رانيا، وهي فلسطينية من الطبقة المتوسطة العليا في نابلس، ومجلس الوزراء وشعب يتألف في جوهره من فلسطينيين، مما يضع عبد الله الثاني في موقف محرج”.
وبينما تجعل الملكة رانيا صوتها مسموعا في مقابلاتها للتنديد بالاحتلال الإسرائيلي، تزيد الملكة من الدعوات لوقف إطلاق النار واحترام القانون الإنساني.
وأشارت صحيفة ”لاكروا” إلى أن الفلسطينيين والأردنيين مرتبطون بالدم. ومع وجود أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، فإن الأردن هو البلد العربي الذي يرحب بأكبر عدد من اللاجئين، ومعظمهم أحفاد المنفيين من “النكبة” ويحملون الجنسية الأردنية. ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أصبحت المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني يومية، حتى أن البعض حاول اقتحام السفارة الإسرائيلية في عمان.
العلاقات مع حماس معقدة
تابعت “لاكروا” القول إن المملكة الأردنية “الضعيفة” تُريد تجنب العدوى الداخلية في الوقت الذي يدعو فيه الزعيم السابق لحركة حماس، خالد مشعل، الأردنيين إلى التعبئة للانضمام إلى القتال من أجل فلسطين. فالروابط مع الحركة الإسلامية معقدة وقديمة، فقد استضاف الأردن الفرع السياسي لحماس حتى عام 1999 قبل طرده. ويُشير الباحث الجيوسياسي مارك لافيرن، أيضاً، إلى أن “حماس تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي عقد معها الملك الحسين اتفاقاً بدمجهم في البرلمان لتحييدهم”.
وبعد فشله في تحقيق وقف إطلاق النار الذي يدعو إليه، يريد عبد الله الثاني أن يظل لاعباً مركزياً من خلال جعل عمّان مركزا للدبلوماسية، كما يتضح من زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن إلى عمّان في الرابع من الشهر الجاري، تضيف “لاكروا”، معتبرةً أن الأردن لا يتمتع بنفوذ مصر أو قطر، وأن هذه الحرب على غزة تزيد من تعقيد علاقته القوية مع الولايات المتحدة، حيث تعد المملكة الأردنية ثاني أكبر متلق للمساعدات بعد إسرائيل.
ويظل الغموض قائماً فيما يتعلق بإسرائيل، التي ترتبط بها عمّان من خلال اتفاقية وادي عربة، وهي معاهدة السلام الموقعة في عام 1994، والتي ندد بها الشارع الأردني في الأيام الأخيرة. وتخشى المملكة التهجيرَ القسري للفلسطينيين، وتنظر بشكل قاتم إلى خطاب اليمين القومي المتطرف في إسرائيل الذي يقدّم الأردن أحيانا على أنه “وطن ثانٍ” للفلسطينيين.
وقررت المملكة الأردنية يوم الأربعاء الماضي، استدعاء سفيرها لدى إسرائيل “فورا” احتجاجا على القصف الإسرائيلي لقطاع غزة. وكانت عمّان قد اتخذت بدعم من الرأي العام، مواقف واضحة المعالم، بتشديد ملكها خلال مؤتمر صحافي في 17 أكتوبر، على أنه “لا لاجئين في الأردن، ولا لاجئين في مصر، يجب معالجة هذا الوضع ببعده الإنساني داخل غزة والضفة الغربية” مستنكرا نية “خلق أمر واقع على الأرض”.