سلط خبراء ومحللون في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، الضوء على القدرات العسكرية التي طورتها حماس خلال السنوات الماضية، مرجحين أن الحركة تخبّئ "مفاجآت" لم تكشف عنها بعد، خاصة ما يتعلق بمسيرات مائية وأسلحة أخرى جديدة.
وبدأ تقرير الصحيفة الأميركية بالتذكير بحادثة استشهاد مهندس الطيران التونسي، محمد الزواري، عام 2016، والذي كان العقل المدبر لتطوير صناعة المسيرات بالحركة.
وقام الزواري بتصنيع مسيرات مائية ذاتية القيادة يمكن تزويدها بمتفجرات لمهاجمة منصات النفط والموانئ والسفن البحرية.
ومع تصاعد الحرب في غزة، وسط استمرار الغارات الإسرائيلية ردا على هجوم السابع من أكتوبر، تزداد احتمالات أن تكشف حماس، عما وصفه محللون يدرسون القدرات العسكرية للحركة عن "مفاجأة قاتلة".
ويلفت التقرير إلى أنه بعد يوم واحد من هجوم السابع من أكتوبر ضد إسرائيل، أعلنت حماس أنها استخدمت 35 طائرة مسيرة ذاتية التفجير، تعتمد جميعها على تصميمات الأسلحة التي طورها الزواري والذي أطلق اسمه عليها.
وأفادت الصحيفة بأن صناع الأسلحة التابعين للحركة قد حصلوا على تكنولوجيا لمجموعة من الأسلحة الجديدة، بدءا من الألغام القوية والقنابل المزروعة على الطرق وحتى الذخائر الموجهة بدقة، مشيرة إلى أن "تطوير بعضها من قبل مهندسي حماس خارج غزة، وفي معظم الحالات بمساعدة فنية من إيران".
وفيما أوضح مصدر للصحيفة أن معظم الأسلحة المستخدمة في 7 أكتوبر شوهدت من قبل، يشير خبراء إلى احتمالية احتفاظ حماس بترسانة احتياطية أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية، لاستخدامها ردا على هجوم بري إسرائيلي يعلم قادة الحركة أنه قادم بكل تأكيد.
يقول فابيان هينز، خبير الصواريخ ومحلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث بريطاني: "من الوارد جدا أن تمتلك حماس قدرات لم نرها بعد، ولكن قد نكتشفها لاحقا".
وإذا اتبعت حماس نفس قواعد اللعبة التي اتبعها حليفها حزب الله، والتي خاضت حربا مع إسرائيل في عام 2006 – فقد تسعى الحركة إلى جر القوات الإسرائيلية برا ثم شن ضربات غير متوقعة، ربما ضد أهداف بعيدة عن خط المواجهة، وفق هينز.
وتابع: "الفكرة هي الوصول إلى مستوى أعلى من التصعيد، ومن ثم إخراج الأرنب من القبعة".
وذكرت الصحيفة أن المفاجأة العسكرية غير المتوقعة التي حزب الله في حرب عام 2006، كانت عبارة عن صاروخ مضاد للسفن.
وأوضحت أن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية لم تر في البداية أي دليل على أن حزب الله قادر على ضرب السفن البحرية على بعد أميال من الساحل حتى 12 يوليو من ذلك العام، عندما استهدف صاروخ السفينة الرئيسية للبحرية الإسرائيلية "آي إن إس هانيت"، ما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد الطاقم.
وحول ما إذا كانت حماس تخطط لمفاجأة مماثلة، يتوقع هينز ومحللون آخرون، أن تكون عبارة عن مسيرات مائية مشابهة لتلك التي كان الزواري يطورها للحركة قبل أكثر من سبع سنوات، أو أيضا صاروخا كبيرا مزودا بنظام توجيه دقيق، مما قد يمكن المجموعة من ضرب البنية التحتية الحيوية أو القواعد العسكرية بدقة على بعد عدة كيلومترات.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن آلاف الصواريخ والقذائف التي أطلقتها حماس على إسرائيل، حتى الآن، تفتقر إلى حزم توجيه متطورة، على الرغم من أن العديد من الخبراء يعتقدون أن الجماعة المسلحة قد حصلت على التكنولوجيا الأساسية من إيران أو حزب الله قبل سنوات.
ويستعد الجيش الإسرائيلي لهجوم بري محتمل على غزة، بعد توجيهه أوامر لعشرات الآلاف من جنوده بالقضاء على قيادة حماس في غزة، وفقا لما كشفه مسؤولون عسكريون، الأسبوع الجاري، لـ"نيويورك تايمز".
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن هدفه النهائي من العملية يتمثل في القضاء على الوجود السياسي والعسكري لقيادة حماس.
ومن المتوقع أن يكون الهجوم البري المحتمل أكبر عملية برية لإسرائيل منذ الحرب مع لبنان عام 2006، وفق نيويورك تايمز .
في هذا السياق ذاته، يضيف التقرير أن القوات البرية والمركبات الإسرائيلية يمكن أن تواجهها أيضا أشكال أكثر قوة من القنابل القاتلة التي تزرع على الطرق، والتي تعمل الجماعات المدعومة من إيران منذ ما يقرب من عقدين من الزمن على تطويرها.
"تكنولوجيا ودعم إيراني"
وفي وقت سابق من هذا العام، تحدثت تقارير استخباراتية أميركية عن تدريب خبراء إيرانيين لمسلحين متمركزين في سوريا على تصنيع قنبلة خارقة للدروع يمكن أن تخترق الغطاء الفولاذي لدبابة قتالية من مسافة 75 قدما.
وقال مسؤولو استخبارات أميركيين حاليين وسابقين إن قدرات حماس العسكرية تعتمد بشكل كبير على الدعم الذي تقدمه لها إيران.
وفي حين لا يوجد دليل قاطع حتى الآن على مسؤولية أو صلات طهران بهجوم السابع من أكتوبر، تشير "واشنطن بوست" إلى أن من المعروف أن المسؤولين الإيرانيين قدموا تدريبات عالية التقنية ومساعدة لوجستية لحماس وحلفائها كجزء من دعم عسكري يقدر بـ 100 مليون دولار.
وأفاد المصدر ذاته، أن إيران قدمت لسنوات نماذج أولية للصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار التي تستخدمها حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، كما ساعدت حزب الله في نشر عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف، والعديد منها مجهز بأنظمة توجيه تسمح له بضرب أهداف بعيدة بدقة.
وباستخدام التكنولوجيا الإيرانية أيضا، قامت حماس ببناء مصانع تحت الأرض قادرة على إنتاج الصواريخ والمسيرات.
ويقول مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إن المكونات الرئيسية، مثل المتفجرات والدوائر الإلكترونية، يتم تهريبها إلى القطاع عبر الأنفاق أو يتم إسقاطها قبالة ساحل غزة عن طريق القوارب.
وفي حين أن تهريب الأسلحة الكبيرة نسبيا مثل الصواريخ أمر صعب، فإن المكونات اللازمة لتحويل الصواريخ "غير الذكية" إلى أسلحة دقيقة وموجهة "لن يحتاج حتى إلى حقيبة ظهر لتهريبها بل يمكن فقط وضعها في حقيبة يد فاخرة"، وفقا لهينز، وهو أحد المحللين العديدين الذين يقدرون أن حماس ربما تمتلك مثل هذه الأسلحة.
وفيما أشارت "واشنطن بوست" إلى أن تطوير مسيرات تحت مائية يمثل تحديا أكبر، أوضحت أن حماس أظهرت أيضا أنها قادرة على القيام بهذه المهمة من الناحية التكنولوجية، بعد أن تم وضع التصميم الأساسي لهذه المشروع منذ سنوات من قبل الزواري، مهندس الطيران الذي عمل مع حماس داخل غزة قبل أن يعود إلى مسقط رأسه في صفاقس، على الساحل التونسي، لبناء النموذج الأولي.
وحشد الجيش الإسرائيلي آلاف جنود الاحتياط وعشرات الدبابات على حدود غزة، بالتزامن مع مطالبة سكان شمال القطاع بإخلائه والتوجه جنوبا.
ويعتقد أن عشرات الآلاف من مسلحي حماس قد تحصنوا داخل مئات الكيلومترات من الأنفاق والمخابئ تحت تحت مدينة غزة والأجزاء المحيطة بها شمالا، وفقا لنيويورك تايمز.
ويتوقع القادة العسكريون الإسرائيليون أن تحاول الحركة عرقلة تقدمهم أيضا من خلال تفجير بعض هذه الأنفاق مع تقدم الإسرائيليين فوقها، وأيضا من خلال تفجير القنابل المزروعة على جوانب الطرق وتفخيخ المباني.
وفي تقرير آخر ذكرت واشنطن بوست أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيواجه صعوبات بالغة في عمليته العسكرية البرية التي ينوي شنها على قطاع غزة، حيث تقول تل أبيب إن هدفها هو القضاء على حركة "حماس" التي تسيطر على القطاع.
الصحيفة أشارت في تقرير مطول إلى أن جيش الاحتلال يتوقع أن يواجه صعوبات في المناطق المكتظة بالسكان في غزة، لأن مقاتلي "حماس" قد يحاولون نصب كمين لقوات الجيش الإسرائيلي من الأنفاق ووسط الأنقاض، مشيرةً إلى أن هذه المساحة المحدودة قد تحد من القدرة على المناورة.
الصحيفة وصفت جيش الاحتلال بأنه "أحد أقوى الجيوش في العالم"، لكنها أشارت بوضوح إلى أن "حماس" كانت تستعد على ما يبدو لعملية برية إسرائيلية واسعة النطاق، وأضافت أن القصف الإسرائيلي المكثف حوّل مباني وشوارع غزة إلى متاهة من الركام.
يُرجح أن يؤدي الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة إلى الحد من نطاق الهجمات التي يمكن تنفيذها من الجو، حتى لا تُعرض القوات الإسرائيلية على الأرض للخطر.
تقول الصحيفة في سياق حديثها عن التحديات التي ستواجه جيش الاحتلال، إنه يمكن استخدام الأنقاض كمخبأ تهاجم منه "حماس" الجنود الإسرائيليين، وأضافت أن "حماس" أيضاً قد تحاول توجيه جنود الجيش الإسرائيلي إلى المناطق التي زرعت فيها العبوات الناسفة والمتفجرات.
لفتت الصحيفة إلى أن "حماس" قد تستخدم أيضاً طائرات مسيرة انتحارية، إلى جانب المروحيات الرباعية التي استخدمتها أيضاً، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثناء تنفيذها عملية "طوفان الأقصى"، وقد تستخدم هذه المروحيات أيضاً لإلقاء متفجرات من الجو.
الصحيفة أوضحت أيضاً أن "التهديدات قد تأتي من أي اتجاه، فمثلاً قد يضعون قناصة على أسطح المباني"، لاستهداف الجنود الإسرائيليين.
وفيما قد يستخدم جيش الاحتلال تكتيكاً يجمع بين المشاة والمدرعات وعناصر دعم أخرى ليتقدم. فالمركبات المدرعة ستوفر غطاءً وقوة نارية للمقاتلين، لكن- بحسب الصحيفة- فإن الشوارع الضيقة قد تقيّد حركتها، وتجعلها عرضة للنيران المضادة للدبابات.
ترى "واشنطن بوست" أنه لا يمكن تحقيق أهداف في هذه العملية إلا من خلال قتال المشاة، وهذا سيقتضي من الجنود الانتقال من منطقة إلى منطقة، ومن باب إلى باب، لإخلاء المباني و"تنظيفها".
لكن سيكون بمقدور مقاتلي حماس التنقل من موقع لآخر عبر فتحات مصنوعة في الجدران، ونوهت الصحيفة أيضاً إلى "أنفاق حماس"، التي قد تمكّن مقاتليها من الاختباء ومحاولة مفاجأة الجنود الإسرائيليين.
زعمت الصحيفة أن بعض هذه الأنفاق يُستخدم لإنتاج الصواريخ، والبعض الآخر يؤوي مسؤولين كباراً في "حماس"، وسلطت الصحيفة الضوء على أن محاولة تدمير الأنفاق بهجمات جوية قد يلحق الضرر بالمدنيين، وهذا يثير مخاوف بشأن مصير الأسرى والمفقودين.
من جانبه، قال مايكل آيزنشتات، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في مركز واشنطن لسياسة الشرق الأوسط: "يبدو أن العملية البرية الكبرى قد تركز على مدينة غزة، على الأقل في البداية، وربما بدرجة محدودة على أماكن أخرى أيضاً، ولكن من المرجح أن يستمر القصف المدفعي والجوي لأهداف إضافية في جميع أنحاء قطاع غزة أيضاً".
بدوره، قال غيث العمري، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط: "ستكون للحملة البرية حتماً عواقب وخيمة على المدنيين في قطاع غزة، فطبيعة البناء الحضري هناك تعني أن هذه العملية ستواجه مقاومة شرسة".
أضاف العمري أن العملية "ستتطلب استخدام قوة هائلة من جانب إسرائيل، وما يثير القلق في هذه العملية هو أنها قد تستمر لفترة غير مسبوقة، والمدنيون لن يكونوا عرضة لخطر الموت والإصابة بشكل مباشر فحسب، بل سيتعرضون أيضاً لنقص حاد وطويل الأمد في المساعدات الإنسانية".
ولليوم الخامس عشر على التواصل، يواصل جيش الاحتلال لليوم الخامس عشر على التوالي، استهداف قطاع غزة بغارات جوية مكثفة دمّرت أحياء بكاملها، في أحدث إحصائية لوزارة الصحة في قطاع غزة، تسبب القصف الإسرائيلي على القطاع، منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، باستشهاد 4137 شخصاً، بينهم 1524 طفلاً، بالإضافة إلى 13 ألف مصاب.
وفجر 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية "طوفان الأقصى"، رداً على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".
في المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية "السيوف الحديدية"، ويواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.