نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً لمراسلها في إسرائيل جيمس شوتر قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمشي على حبل رقيق في محاولته تحقيق صفقة تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والسعودية.
وأضاف أن جهوده هذه حققت دفعة، نهاية الشهر الماضي، عندما سمح لوزير في حكومته لزيارة المملكة.
إلا أنه، ومع تسارع المحادثات المعقدة والمتعددة الأطراف بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل والمسؤولين الفلسطينيين، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بات يتصرف بحذر من أجل الحصول على دعم لصفقة محتملة، وتحمل إمكانيات إعادة تشكيل النظام الجيوسياسي بالشرق الأوسط. ويعتبر التطبيع مع دولة ينظر إليها كواحدة من الدول القائدة للمسلمين في العالم، ولربما شجعت دولاً أخرى لكي تحذو حذوها، جائزة لديها جاذبية في كل الطيف السياسي الإسرائيلي.
إلا أن حلفاء نتنياهو وخصومه على حد سواء لديهم تحفظاتهم من الصفقة الظاهرة، ورسموا خطوط القتال، في الأسابيع الماضية. وبالنسبة لتحالف نتنياهو المتطرف، والذي تحتل فيه الأحزاب القومية المتطرفة دوراً بارزاً، فإن الجزء الشائك من الصفقة هو طبيعة التنازلات التي ستقدم للفلسطينيين، وهي تنازلات يقول المسؤولون الأمريكيون والسعوديون إنها ثمن لتطبيع العلاقات مع الرياض. وعبّر المسؤولون الفلسطينيون لنظرائهم السعوديين والأمريكيين عمّا يريدونه، بما في ذلك تجميد توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، والمزيد من السيطرة على بعض الأراضي فيها، وكذا الدعم المالي، حسب أشخاص أحيطوا بالمحادثات.
ولكن ليس من الواضح ما يريده الأمريكيون والسعوديون من تنازلات. وربما قبل متشددون في ائتلاف نتنياهو زيادة في الدعم الاقتصادي للفلسطينيين. إلا الحزبين المتطرفين بقيادة وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وكلاهما يريد ضم الضفة الغربية، ويرفضان أي خطوات نحو دولة فلسطينية، كانا واضحين برفض أي تنازلات مناطقية.
وعلاقة بن غفير مع نتنياهو ليست جيدة، وقال، في الشهر الماضي، إن حزبه “القوة اليهودية” سيترك الائتلاف لو شملت الصفقة على تنازلات للفلسطينيين. ولو نفذ تهديده فسيخسر نتنياهو الغالبية في الكنيست. وقال النائب عن حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش، سيمحا روثمان: “لن تحصل على صفقة من خلال تقديم تنازلات للفلسطينيين، ولا نقاش على هذا”.
ولدى حزب الليكود، الذي لديه نصف مقاعد الائتلاف نفس التحفّظات. وقال أحد العارفين بالحزب: “أعتقد أن أي نوع من التنازلات المناطقية سيكون خطاً أحمر لعدد من فصائل الحزب”، و”أما الثاني [الخط الأحمر] فسيكون أموراً يمكن أن تعتبر رمزية في ظروف محددة؛ كعضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة”.
ولو لم يكن نتنياهو قادراً على بناء دعم قوي وكاف للصفقة داخل ائتلافه، فإنه قد يتخلى عنها، أو يقامر بالحصول على دعم أحزاب المعارضة؛ من أحزاب الوسط، مثل يش أتيد، الذي يقوده يائير لبيد، وحزب الوحدة الوطنية، بزعامة بيني غانتس، لتمريرها في الكنيست.
واستبعد لبيد وغانتس فكرة الانضمام إلى ائتلاف نتنياهو، أو الحلول محل حزبي بن غفير وسموتريتش. إلا أنهما دَعَما التطبيع مع السعودية، وتركا الباب مفتوحاً لدعم صفقة من خارج الحكومة، لو لم تخرق خطوطهما الحمراء. فكجزء من المطالب التي تقدمت بها السعودية كثمن للتطبيع، دعم أمريكي لمشروع نووي مدني، وعبّر لبيد عن رفضه لنتيجة تقوم فيها السعودية بتخصيب اليورانيوم على أراضيها. لكن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يناقشون خطوات تقوم من خلالها الولايات المتحدة بالتحكم في عملية التخصيب، ويقول زعماء المعارضة إن حل هذا الإشكال قد يفتح الطريق أمام دعمهم. وقال مسؤول في المعارضة الإسرائيلية: “الشيء الوحيد الذي يمنعنا في هذه اللحظة من تبني الصفقة هو موضوع تخصيب اليورانيوم”، و”لو لم يكن هذا العنصر في الصفقة النهائية، فستدعم معظم المعارضة الاتفاق بحماس”.
وهناك من يشكك في إمكانية تعاون بين الحكومة والمعارضة في الوقت الحالي بعد الاستقطاب بين الحكومة والمعارضة بشأن الإصلاحات القضائية والحد من سلطة المحاكم. وقال المطلع على شؤون الليكود من الداخل: “لا أعتقد أن هذا عملي في هذه المرحلة”، و”كانت هناك محاولة، وخلال نصف عام، للتوصل إلى تسوية في ما يتعلق بـ “الإصلاح” القضائي، ولكنهم لم يتفقوا على ذلك، فعدم الثقة المتبادلة والشك في زيادة”.
ويتساءل محللون فيما إن كان نتنياهو مستعداً للتضحية بائتلافه، والاعتماد على دعم المعارضة لتمرير صفقة، ليس على الأقل لأن دعم حزب الليكود قد تراجع، وإمكانية عدم قدرته على تشكيل حكومة جديدة، بسبب خلافه مع حلفائه السابقين. وبالمقابل، يقول آخرون إنه لو أمّنَ صفقة جيدة مع السعوديين، فربما دفع باتجاه انتخابات مبكرة، وستكون السادسة منذ 2019، ويحاول تشكيل حكومة مقبولة من الكنيست.
وقال أفيف بوشينسكي، المستشار السابق لنتنياهو، الذي أصبح محللاً سياسياً: “لو كان معظم الإسرائيليين من الداعمين، ولدينا اتفاقية سلام مع دولة كبيرة في الشرق الأوسط من ناحية المساحة، ويبدو أنه سلام دافئ أكثر من السلام مع مصر والأردن، فستكون لدى نتنياهو أفضل فرصة في انتخابات مبكرة، وستكون لديه اليد العليا”. وأضاف أن نتنياهو “مرن في إستراتيجيته، ولو كان الأمر قراراً ثنائياً، سلام أو لا سلام فسيمضي به مهما كان الثمن”.