اختبأ ضابط ياباني يدعى هيرو أونودا لسنوات طويلة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في غابة بجزيرة "لوبانغ" الفلبينية الواقعة في خليج مانيلا، ولم يلق سلاحه إلا في عام 1972.
هذه القصة الحقيقية العجيبة تحولت إلى أشرطة وثائقية وأفلام سينمائية بطابعها الفريد، وبما تعكسه من إصرار أسطوري لعسكري لم يصدق أن بلاده استسلمت في الحرب، وكان ينفذ آخر أمر عسكري تلقاه بأن يواصل القتال.
حدث ذلك حين وصلت القوات الأمريكية إلى الجزيرة في 28 فبراير عام 1945. قتل الكثير من العسكريين اليابانيين وفر آخرون، فيما تلقى الملازم أونودا أمرا من الرائد يوشيمي تانيجوتشي بأن يصمد ويواصل القتال، وقال له في تلك المناسبة: "قد يستغرق الأمر ثلاث سنوات، وربما يستغرق الأمر خمس سنوات، ولكن مهما حدث، سنعود من أجلك".
المهمة طالت، وبقي هذا الضابط الياباني بعد انتهاء الحرب في جزيرة فلبينية يبلغ طولها 16 ميلا وعرضها 6 أميال، 29 عاما كاملة.
أونودا كان وصل إلى جزيرة "لوبانغ" الواقعة شمال غرب الفلبين، لتنفيذ مهمة في عام 1944، وبقي بعد انتهاء الحرب مع ثلاثة من رفاقه المدربين جيدا على حرب العصابات، وكان ولاؤهم التقليدي للإمبراطور يصل إلى حد الخيال.
قرأ العسكريون الأربعة المنشورات الدعائية التي كانت تلقيها الطائرات الأمريكية مفيدة باستسلام اليابان وانتهاء الحرب، لكنهم لم يصدقوها واعتبروها دعاية وخدعة ماكرة.
عاش الأربعة في الجزيرة في أكواخ بنوها من الخيزران، واقتاتوا بسرقة الأرز والأطعمة الأخرى من السكان المحليين وعانوا من الحرارة الاستوائية ومن الجرذان والبعوض، ومع ذلك حافظوا على زيهم العسكري وبقيت بنادقهم صالحة للاستعمال حتى النهاية.
كان الأربعة يعتقدون أنهم في حالة حرب، وبرعوا في الاختباء عن فرق بحث أمريكية وفلبينية أرسلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والأدهى أنهم على مر السنين تبادلوا إطلاق النار مع السكان المحليين وقتلوا حوالي 30 شخصا.
اللافت أن قصة هؤلاء العسكريين اليابانيين شديدي المراس كانت انتشرت في عام 1950، حين يئس واحد من رفاق أونودا فاستسلم لقوات فلبينية وعاد إلى اليابان، في حين قتل آخر في اشتباك مع رجال أمن فلبينيين في عام 1954، وقتل الثالث في تبادل مماثل لإطلاق النار في عام 1972، لكن الضابط العنيد لم يتزحزح من مكانه لعامين آخرين.
في عام 1974 وصل إليه طالب يدعى نوريو سوزوكي كان يبحث عنه، إلا أن الملازم أونودا رفض العودة إلى بلاده، مصرا على أنه ينتظر الأوامر!
بنهاية المطاف أرسلت إليه الحكومة اليابانية وفدا ضم شقيقه وقائده السابق المتقاعد الذي كان أمره بأن يستميت ويواصل القتال.
في استسلام رسمي، أعفى الرئيس الفلبيني في ذلك الوقت فرديناند ماركوس أونودا من تبعات جرائم القتل التي ارتكبها ورفاقها في الجزيرة، فيما مثل الملازم الياباني أمامه في زي الجيش الإمبراطوري وبقبعته وسيفه وكلها في حالة جيدة.
عاد أونودا في مارس من نفس العام إلى اليابان، وهناك استقبل استقبال الأبطال، وكتبت إحدى الصحف اليابانية افتتاحية قالت فيها: "بالنسبة لهذا العسكري، كانت الأسبقية للواجب على المشاعر الشخصية. أظهر لنا أونودا أن الحياة أكثر بكثير من مجرد الوفرة المادية والتطلعات الأنانية. هناك جانب روحي ربما نسيناه".
لم يستطع أونودا أن يتكيف مع الحياة الجديدة في وطنه، فهاجر إلى البرازيل في عام 1975، وامتهن هناك الزراعة، وعاد إلى اليابان في عام 1984، وأقام معسكرات لتعليم الشباب مهارات البقاء على قيد الحياة، وعاش متنقلا بين البرازيل ووطنه الأصلي إلى أن وافته المنية في عام 2014 في طوكيو، وكان عمره 91 عاما.