ملاحظات حول معرض الكتاب..عبد الغني سلامة

الإثنين 18 سبتمبر 2023 11:47 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ملاحظات حول معرض الكتاب..عبد الغني سلامة




انتهت أيام معرض فلسطين الدولي للكتاب بنسخته الثالثة عشرة، وعاد الزوار والكتّاب والناشرون بحصيلة من اللقاءات والذكريات على مدى أيامه الأحد عشر، فيما أضافت وزارة الثقافة منجزاً جديداً للمشهد الثقافي الفلسطيني، وأضاءت لوحة أخرى تُظهر وجه فلسطين المشرق والحضاري على المستويَين العربي والإنساني.. ولا أعلم إن عاد الناشرون بمنفعة مادية وأرباح معقولة، أم تجرعوا خسارات مادية «مفرحة» تضاهي فرحتهم بزيارة فلسطين، فلا معلومات دقيقة لديّ حول حجم المبيعات، وإن كنت أظنها أدنى من الحد المأمول، وذلك بالقياس على نفسي، إذ بالكاد تمكنت من اقتناء نحو خمسة عشر كتاباً في حقول متنوعة، وأظن أن الجميع يعاني من نفس الضائقة المالية، الأمر الذي يؤخر موضوع اقتناء كتاب إلى مؤخرة سلّم الأولويات.
ومن متابعتي لدورات المعرض السابقة، يمكنني القول بطمأنينة: إن المعرض في تطور مستمر ومذهل، وكل دورة تأتي أنجح من سابقتها، مع تلافي بعض الأخطاء والنواقص التي كانت تعتري الدورات السابقة، ومع الأخذ بشهادات ناشرين وزوار شاركوا بمعارض الكتاب في دول عربية شقيقة، نضيف: إن الدورة الثالثة عشرة لمعرض فلسطين تعتبر من بين الأفضل على المستوى العربي، من حيث التنظيم والإدارة والحضور، والأهم لدور وزارة الثقافة المميز ممثلة بكل طاقمها الذين كانوا حاضرين على مدار الساعة، يتابعون التفاصيل، ويحلّون المشاكل، ويلبون الطلبات، فلهم جميعاً كل الشكر على ما بذلوه من جهود مضنية.
وما يميز معرض الكتاب من حيث الشكل جمالية الموقع، وجاهزية القاعة الفسيحة التي استوعبت برحابة عشرات دور النشر وآلاف الزوار، ونظافة المكان وحسن ترتيبه، وتوفر كافتيريا ومرافق صحية ومياه باردة ومكيفات الهواء وغيرها (وبعض هذه مثلاً لم تكن متوفرة سابقاً).
أما من حيث المضمون الثقافي وتأدية رسالة المعرض، فقد تبنى المعرض شعار «فلسطين تقرأ»، واهتم بإبراز النكبة وتداعياتها بصفتها نقطة تحول مركزية في التاريخ الفلسطيني، واهتم بإبراز قضية الأسرى، وبعرض صور لشهداء الثورة الفلسطينية ومفكريها ومبدعيها، كما ضم المعرض قاعات لاستضافة فعاليات ثقافية حملت أسماء أعلام فلسطينية راحلة شكلت علامات فارقة في المشهد الثقافي واستحقت التكريم: قاعة باسم الراحلة سلمى الخضراء الجيوسي، وقاعة باسم الراحل زكريا محمد، إضافة إلى جناح خاص بالأطفال، وجناح لعرض لوحات فنية لفنانين كبار، كما نظمت إدارة المعرض العديد من الندوات الثقافية والفنية في مجالات السينما والمسرح والحركة النقدية الأدبية بمشاركة ضيوف عرب أشقاء من فنانين ومفكرين، إضافة إلى حفلات توقيع عشرات الكتب بحضور مؤلفيها.
والآن نأتي إلى ما يمكن وصفها بالنواقص أو السلبيات، والتي نتمنى تلافيها في الدورات اللاحقة، مثلاً يتوجب توفير شبكة Wi-Fi للزوار، وتوفير أماكن مناسبة مخصصة لركن السيارات، أو على الأقل تنظيم حركة المرور، وتوفير مواصلات من وإلى المعرض مثل Shuttle bus، والاهتمام أكثر بنظافة المكان، خاصة الكافتيريا.
بالنسبة لضيوف المعرض، مع ترحيبنا وتقديرنا لكل من أتى، لا بد من تذكّر من غابوا من كتّاب وأدباء ومبدعين، سواء من غزة، أم من الأردن وسائر البلدان العربية، وبالطبع نعلم إمكانيات الوزارة المحدودة وقيود الاحتلال، لكن هناك العشرات منهم مستعدون للحضور والمشاركة على نفقاتهم الخاصة، وكل ما يحتاجونه اتصال هاتفي من إدارة المعرض، وتوفير تصريح زيارة.
كما لوحظ غياب دور نشر مهمة والتي سيشكل حضورها إضافة نوعية للمعرض، ولا داعي لذكر أسمائها، فكل مهتم بالشأن الثقافي يعرفها، ربما كان الاحتلال هو المانع.
وأيضاً غاب عن المعرض الاهتمام بالشأن العلمي والتكنولوجي، ليس من حيث نوعية الكتب، بل من حيث نوعية الفعاليات والضيوف، والتي اقتصرت تقريباً على الناحية الأدبية والفنية. وفي هذا المجال يمكن اقتراح الاهتمام بمشاركة أوسع لمسرحيّين وسينمائيّين ومصوّرين فوتوغرافيّين وفنانين تشكيليّين. والاهتمام أيضاً بمشاركة سياسيّين وصناع قرار ومفكرين وفلاسفة.
وهناك مقترح سمعته من الأخت ماجدة حوراني حول مشاركة طلبة المدارس، فقد حضر الآلاف منهم، وهذه مبادرة ممتازة من قبل وزارة التربية نتمنى تعميمها وتطويرها. لكن هؤلاء الطلبة يحضرون وليس في حوزتهم سوى بضعة شواكل، يصرفونها على الساندويتشات والمرطبات، ثم يجوبون أركان المعرض تراودهم أحلام اقتناء كتاب أو أكثر، وهذه المعضلة تنبه لها معرض بغداد الدولي للكتاب، حيث زودت الشركات الراعية للمعرض هؤلاء الطلبة بكوبونات تمكنهم من شراء ما يرغبون به من كتب، فلماذا لا تبادر بعض الشركات الراعية والمقتدرة على تزويد طلبتنا بمثل تلك الكوبونات؛ تشجيعاً منها للقراءة؟
المشكلة الأخرى أن الطلبة يأتون مع معلميهم ومعلماتهم الذين يوصونهم قبل دخول أرض المعرض بعدم تقليب الكتب (من باب الانضباط والتهذيب)، والنتيجة أنهم لا يتجرؤون على تصفح الكتب، وبالتالي كيف لهم أن يشتروا شيئاً منها؟ وفوق ذلك، فإن الوقت المتاح لهم بالكاد يكفي لزيارة ربع المعرض، فلماذا دائماً المعلمون والمعلمات على عجل؟
وهناك ظاهرة أخرى تتمثل بالمتطوعين والمتطوعات، وأغلبهم من طلبة الجامعات، الذين يعملون على بيع الكتب، فإذا سألتهم عن كتاب معين أو كاتب ما لا يعرفون الإجابة! قد لا تكون تلك مشكلة فيهم بقدر ما هي مسؤولية دور النشر، فمن المهم والجميل تطوع هؤلاء واختيارهم لمثل هذه التجرية المفيدة.. وما يصعّب موضوع البحث عن كتب معيّنة طريقة عرضها التقليدية، وقد آن الأوان للتفكير بطريقة عرض إبداعية ومختلفة تسهل على الزوار، فليس من السهل أبداً العثور على كتاب وسط عشرات الآلاف من الكتب المعروضة، هذا الأمر يضيّع الكثير من الفرص للعثور على كتب مهمة.
بقي أن نقول: إن إقامة معرض دولي للكتاب على أرض فلسطين، رغم كل الظروف الصعبة، إنجاز كبير بحد ذاته، ولا بد من شكر وتقدير جميع القائمين على المعرض، وشكر دور النشر التي تكبّدت عناء الزيارة وتكاليفها، وشكر كل من حضر.. مع تمنيات أن يستمر دعم دور النشر مادياً من قبل الرئاسة كما حصل في دورات سابقة، سواء بشراء كميات كبيرة من الكتب، أم عن طريق الدعم المباشر.
#فلسطين_تقرأ