عن ليبيا والتطبيع مع إسرائيل..محمد ياغي

الجمعة 01 سبتمبر 2023 07:00 م / بتوقيت القدس +2GMT



لا يبدو صحيحاً أن رئيس وزراء ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، لم يكن على علم بأن وزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، ستلتقي وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين.
المعلومات التي ظهرت بعد ظهور اللقاء إلى العلن تعطي الانطباع بأن اللقاء لم يكن مبادرة شخصية من الوزيرة، وإنما بترتيب مسبق مع الحكومة الليبية.
الانتقادات الأميركية لإسرائيل لكشفها اللقاء جاءت بما معناه أن الأخيرة قوضت أشهراً طويلة من عمل الإدارة الأميركية لتحقيق هذا اللقاء، وأنه كان مجرد خطوة ستتبعها خطوات لتطبيع العلاقات بين ليبيا وإسرائيل، وهذا «مسار» بالطبع لا يمكن أن يتم دون معرفة رئيس الوزراء الليبي.
إسرائيل نفسها تحدثت عن أن اللقاء تم الترتيب له مسبقاً مع مكتب رئيس وزراء ليبيا، والمسألة هنا عدم نفي ليبيا لهذا الادعاء الإسرائيلي وتجاهله إعلامياً.
وأخيراً لا يعقل أن تهرب وزيرة خارجية ليبيا إلى تركيا دون معرفة أطراف في الحكومة الليبية، وعلى الأغلب رحلت بالاتفاق مع الدبيبة بعد أن بدأت الاحتجاجات الشعبية على اللقاء.
لكن الأهم من معرفة أو عدم معرفة رئيس الوزراء الليبي عن اللقاء، هو السؤال الآتي:
ماذا ستكسب ليبيا من التطبيع مع إسرائيل؟
لطالما اعتقد العرب أن الطريق إلى واشنطن يمر من تل أبيب، لكن كان لهؤلاء هدف واضح من الوصول إلى واشنطن.
السادات زار إسرائيل وعقد معاهدة سلام معها لأنه اعتقد مُخطئاً أن سياسة الانفتاح على واشنطن والابتعاد عن الحليف الروسي والتخلي عن القضية الفلسطينية ستنقذ الاقتصاد المصري.
مصر حصلت على عشرات المليارات من المساعدات الأميركية لكن الاقتصاد المصري لم يتحسن.
قيادة العسكر في السودان التقت قادة إسرائيل ودخلت مرحلة التطبيع معهم، لأنها من جملة ما أرادت الحصول على شرعية غريبة لبقائها في السلطة ورفع اسمها عن لوائح الإرهاب لعل ذلك يسهل الاستثمارات الغربية فيها ويجلب مساعدات مالية واقتصادية للسودان، لكنها اليوم غارقة في حرب أهلية.
المغرب أقدمت على التطبيع لأنها أرادت اعترافاً أميركياً بأن الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وقد حصلت على هذا الاعتراف، لكن ذلك لم ينهِ الصراع على الصحراء الغربية.
كل دولة عربية طبعت مع إسرائيل كان لها طلبات واضحة من واشنطن. التطبيع كان مشروطاً بالحصول على شيء ما من واشنطن وليس لأن لإسرائيل قيمة مضافة للدول العربية التي طبعت معها.
الحق يقال إن الدول التي طبعت مع إسرائيل تدرك جيداً أن هذا التطبيع عبء كبير عليها نظراً لرفض شعوبها له، وأيضاً لأن إسرائيل تجلب مشاكلها معها لهذه الدول. فهي دولة لها كم كبير من الأعداء في المنطقة ولا أحد له مصلحة فعلية بأن تكون له علاقة معها.
إسرائيل بالطبع لها مصالح مهمة من العلاقة مع ليبيا فهي أحد المداخل المهمة لتطوير علاقاتها بالدول الأفريقية، ومياهها الإقليمية ضرورية لخط أنابيب الغاز التي تفكر إسرائيل بإقامته لربط أوروبا بغازها، وهي اختراق إضافي للجسم العربي الرافض للتطبيع.  
لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا تستفيد أو تريد حكومة طرابلس من واشنطن مقابل تطبيعها لعلاقاتها مع إسرائيل.
نتذكر أن ابن القذافي، إسلام، كان قد حذر الغرب أثناء ما سُمِيَ الثورة الليبية من أن المتطرفين إذا استلموا الحكم في ليبيا فإن إسرائيل لن تكون آمنة، معطياً إيماءات بأن ليبيا قد تغير نهجها من إسرائيل إن تم وقف التدخل الأطلسي لإنهاء حكم والده.  
ونتذكر أن الجنرال حفتر أرسل ابنه «صدام» لإسرائيل للحصول على أسلحة وبعض من الشرعية التي قد تمنحها أميركا له لقاء علاقاته بإسرائيل لكنه لم يحصل عليه بسبب الدعم الروسي له.
منطقياً لا توجد مصلحة لليبيا من العلاقة مع إسرائيل.
ليبيا دولة لديها ما يكفيها من المال وهي ليست بحاجة للأموال الأميركية والغربية.
ليبيا بلد فيه صراعات إقليمية ودولية ومحلية تحتاج إلى سنوات عديدة لحلها، ولا يوجد سبب معقول لزيادة هذه التعقيدات من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
لا نعتقد أن الدبيبة يريد شرعية سياسية من الولايات المتحدة فالرجل حصل عليها من خلال الأمم المتحدة التي رفضت قرار البرلمان الليبي بإقالته وتعين فتحي باشاغ رئيساً للوزراء بدلاً منه.
ما الذي يحرك الدبيبة ووزيرة خارجيته للتطبيع مع إسرائيل إذاً؟
هذا السؤال سيبقى محيراً لبعض الوقت، ولن نعرف إجابته قبل أن تتكشف حقيقة العلاقة التي تربطهما بالولايات المتحدة.