يستدل من استطلاع رأي أن السكان العرب يعانون أكثر من اليهود من الاكتئاب والقلق، ويفكرون بطلب المساعدة النفسية على إثر موجة العنف والجريمة؛ وهناك إجماع بين العرب واليهود على عدم قدرة الدولة على مواجهة العنف.
في أعقاب موجة العنف في المجتمع، يخشى السّكان العرب على سلامتهم الشخصية أكثر من السّكان اليهود، وهم يعانون من اكتئاب وقلق ويقضون وقتًا أقل في الأمكنة العامة. هذا ما أظهره استطلاع جديد نشرته جمعية أطباء لحقوق الإنسان. الاستطلاع، الذي أشرفت عليه شركة "بانِل برويكت همدغام"، فحَصَ موقف الجمهورين العربي واليهودي من العنف المتصاعد في المجتمع، والطريقة التي تؤثر بها هذه الظاهرة على مشاعرهم وعلى حالتهم العاطفيّة والنفسيّة، وعلى حياتهم اليوميّة.
ودلت النتائج أن 44% من العرب يخشون على سلامتهم بدرجة كبيرة حتى كبيرة جدًا، مقابل 30% فقط من اليهود ممن يشعرون كذلك. العنف في المجتمع يثير خوفًا وقلقًا لدى 66% من العرب، مقابل 63% من اليهود. يعاني 34% من العرب من الاكتئاب بسبب هذه الظاهرة، مقارنة بنسبة 28% فقط من اليهود.
بالإضافة إلى ذلك، فإن النتائج أشارت إلى أن العنف يسري في كل مكان: فمن ضمن من صرّحوا بأنهم قد عانوا من العنف خلال العام الماضي، أفاد 63% من هؤلاء بأنّهم تعرضوا له في أماكن عامّة، 28% منهم في أماكن العمل و19% منهم في بيئة منزلية.
من بين أولئك الذين عانوا من العنف خلال العام الماضي، يظهر أنّ 90% تعرّضوا لعنفٍ كلاميّ. وقد أشار العرب إلى تعرضهم لعنف جسدي أكثر من اليهود (32% مقابل 21%). تم أيضًا تسجيل هذا الفارق فيما يتعلق بالعنف الاقتصادي (16% لدى العرب، مقابل 12% لدى اليهود)، وكذلك بالنسبة للعنف الجنسيّ (7% مقارنة بـ5%).
وفقًا للأدبيات المهنيّة، فإن العنف يُعدُّ أحد العوامل الاجتماعية ذات التأثير الأشدّ على الصّحة. يكفي فقط أن يكون الانسان شاهدًا على العنف وليس بالضرورة ضحيّةً مباشرةً له، حتى يصاب بضرر صحيٍّ، جسديًا أو نفسيًا. وفيما يتعدى هذا الضرر، فإن العنف يؤذي الإحساس بالرفاه وبجودة حياة الفرد والمجتمع بأكمله.
كما اتضح من نتائج الاستطلاع، بأنّ العنف المتزايد له عواقب على أنماط السّلوك والتغيّرات في أسلوب الحياة، وخطورة تلك العواقب تؤثر بشكل خاص على المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، إذ أشار أكثر من خُمس من شاركوا بالاستطلاع، إلى أنهم قد غيّروا من نمط الحياة الخاص بهم. 71% من العرب يَعمدون إلى تقليص أوقات تواجدهم في الأماكن العامّة، يقابلهم 53% فقط من اليهود ممن يفعلون ذلك. 71% من المشاركين من السكان العرب يمتنعون عن زيارة البلدات التي حصلت فيها حوادث قتل العام الماضي، تقابلهم نسبة 63% من المشاركين اليهود. 21% من العرب يفكّرون بالتوجه لطلب مساعدة نفسيّة في أعقاب موجة العنف، مقارنة بـ13% فقط من اليهود. من بين أولئك الذين غيّروا روتين حياتهم اليومي، أشار 22% منهم إلى أنهم يفكّرون بالحصول على رخصة سلاح - اليهود أكثر مقارنةً بالعرب.
أخيرًا، هناك إجماع قائم لدى اليهود والعرب حول قدرة الدولة والسّلطات التنفيذية على حلّ مشكلة العنف في المجتمع. 47% يؤمنون بأن السلطات ليست قادرة، أو أنّ لديها قدرة على ذلك بدرجة متدنيّة فحسب، 23% يؤمنون أنها قادرة بدرجة متوسطة، و24% فقط يؤمنون بأنها قادرة إلى حدٍّ كبير حتى كبير جدًا.
وأفادت جمعية أطباء لحقوق الانسان بأن "تعرّض المجتمع في إسرائيل للعنف والنزاع المسلّح وما يترتّب عن ذلك، ثمنه أضرارٌ جسديّة ونفسيّة، على مستوى الفرد كما على مستوى الصّحة الجماهيرية".
وقالت رئيسة جمعية أطباء لحقوق الإنسان، د. لينا قاسم حسان، إن "الوضع، اليوم، هو نتيجة لتجاهل الحكومة المتعمَّد لكلّ ما يحدث في المجتمع العربي، بما في ذلك الجريمة المنظَّمة، التي تنامت على مر السنين، وألقت بالرّعب على الجميع. يعيش الناس في توتر وقلق من أن تصل إليهم أو إلى أقاربهم، من أن تضيق الدائرة أكثر فأكثر، فيصبح كل شخصٍ معرّضًا لأن يكون الضّحيّة التّالية. هنالك تأثير مباشر لكل ذلك على الصحّة النفسيّة، وعلى الوضع الصّحي العام في المجتمع العربي، والذي بالإمكان رؤية نتائجه في هذا الاستطلاع. إذا أرادت الحكومة، فبإمكانها القضاء على هذه الظاهرة، تمامًا كما فعلت مع الجريمة المنظَّمة في المجتمع اليهودي. ولكن طالما أن هذا الأمر ليس في قائمة أولوياتها، فإن شيئًا لن يتغيّر".