كشف مصدر مطلع على مجريات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ، أنَّ هناك حرصاً من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس على تمرير مقترح بإنشاء حكومة «تكنوقراط» تتولى الترتيبات الإدارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون جميع الفصائل المشاركة في الاجتماع ممثلة فيها، وفي مقدمتها حركة «حماس».
وأوضح المصدر الذي تحدث لـصحيفة «الشرق الأوسط» شريطة عدم نشر هويته، أن الرئيس عباس طرح خلال الاجتماع فكرة تشكيل الحكومة الجديدة التي تتولى «إطلاق معركة دولية لوضع الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت الائتمان الدولي»، وهي صيغة معدلة من أسلوب الانتداب الذي خضعت له فلسطين قبل 1948، في محاولة لـ«التصدي لمساعي إسرائيل لالتهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ووضع آلية دولية لمراقبة ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني».
ولفت إلى أنَّ «حركة (حماس) أبدت تجاوباً مع مقترح حكومة وحدة وطنية تشارك فيها»، إلا أنها «رهنت مشاركتها بإصلاح نظام الانتخابات، ووضع إطار زمني معقول لإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية».
وأكد الرئيس الفلسطيني رغبتَه في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني، مشدداً على ضرورة أن يتمكن أهل القدس الشرقية من المشاركة فيها، من دون أي عوائق من قبل إسرائيل.
وأشار المصدر إلى أنَّ الاجتماع «شهد إصراراً من جانب الرئيس الفلسطيني على منع امتداد النشاط المسلح للفصائل إلى الضفة الغربية»، وأنه طلب من جميع الفصائل الحاضرة، خاصة «حماس»، الالتزام بذلك.
في السياق ذاته، كشف المصدر أن الرئيس الفلسطيني حرص على بث رسائل لأطراف عدة، خلال لقاءاته مع كثير من قادة الفصائل الفلسطينية المشاركة في الاجتماع عشية انعقاده، إذ أكد حرص القيادة الفلسطينية على أن «تظل مصر المرجعية الأساسية الداعمة للقرار الوطني الفلسطيني، وليس أي طرف إقليمي آخر».
وأضاف المصدر أن عباس أبلغ عدداً من قادة الفصائل أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، سعى إلى القيام بوساطة لترتيب لقاء بين الرئيس الفلسطيني وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الأول إلى تركيا، وكان مقرراً أن يقوم نتنياهو بزيارة أيضاً في توقيت متزامن.
وانطلق، ظهر الأحد، في مدينة العلمين (شمال غربي مصر)، اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ومشاركة وفود تمثل 11 فصيلاً فلسطينياً، بهدف بحث التطورات في الأراضي المحتلة، وسبل استعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام.
ووصل الرئيس الفلسطيني، مساء السبت، إلى العلمين، في زيارة رسمية لمصر تستمر 3 أيام، ومن المقرر أن يلتقي يوم الاثنين نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، لبحث آخر المستجدات على الساحة الفلسطينية، والجهود المبذولة لدفع عملية السلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، حسب بيان صادر عن السفارة الفلسطينية في القاهرة.
وكان عباس قد استقبل مساء السبت، في مقر إقامته بمدينة العلمين الجديدة، عدداً من المشاركين في اجتماع أمناء الفصائل، ومن بينهم وفد «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، برئاسة نائب الأمين العام جميل مزهر.
ويأتي اجتماع أمناء عموم الفصائل الفلسطينية بعد دعوة وجهها الرئيس الفلسطيني مطلع الشهر الحالي، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على جنين ومخيمها، ووافقت مصر بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية على استضافة الاجتماع، وتولت توجيه الدعوات لقادة الفصائل الفلسطينية.
وعدَّ الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الاجتماع «مؤشراً على خطر قادم»، لافتاً إلى أنه عندما توجه مصر الدعوة إلى اجتماعات فلسطينية بهذا المستوى، فإن الأمر «يحمل استشعاراً لخطر حقيقي يتهدد القضية الفلسطينية».
وأوضح الرقب لـ«الشرق الأوسط» أن مصر سبق لها أن دعت إلى مؤتمر فلسطيني شامل عام 2005، وتلا ذلك حدوث الانقسام الفلسطيني في قطاع غزة في 2007، ثم كررت الدعوة عام 2016، وكان ذلك استشعاراً لخطر تجسد لاحقاً في دعوة الإدارة الأميركية لما عُرف بـ«صفقة القرن» عام 2017، ومن ثم فإن الدعوة لاجتماع أمناء الفصائل «قد يعكس استشعار القاهرة لخطر كبير قادم».
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن قضية «سلاح المقاومة» كانت ضمن بنود مناقشات الاجتماع؛ مشيراً في هذا الصدد إلى «رغبة الرئيس الفلسطيني الواضحة في أن يكون السلاح في الضفة الغربية واحداً بيد السلطة الوطنية، وهو ما ترى الفصائل أنه طرح غير واقعي، في ظل عدم قدرة السلطة على توفير الحماية، وفي ضوء اتفاقاتها الأمنية مع إسرائيل».
وأكد الرقب كذلك أن طرح تشكيل حكومة «تكنوقراط» كان من البنود التي تداولها الاجتماع، وبخاصة في ظل إمكانية أن تقوم الحكومة بإدارة موارد الضفة وقطاع غزة، وتيسير دخول وخروج السلع إلى الأراضي المحتلة، عبر وجود ممثلين للسلطة على المعابر، وتحصيل الجمارك والضرائب، لافتاً إلى أن «حركة (حماس) لا تمانع في الأمر؛ خاصة في ظل أزمة الرواتب التي تعانيها».
واستبعد الأستاذ بجامعة القدس أن يتم التوصل إلى إطار زمني لتنظيم انتخابات فلسطينية عامة، معرباً عن توقعه أن «يبقى الباب مفتوحاً لتفاهمات مستقبلية» في هذا الشأن.
من جانبه، توقع الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن يخرج اجتماع العلمين بـ«نتائج إيجابية»، رغم كل ما يعانيه المشهد الفلسطيني من مظاهر للانقسام وتباين المواقف والرؤى، حسب قوله. وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط»، أن الاجتماع يمثل «مؤشراً على قدرة القاهرة على احتواء جميع الأطراف، لتصويب البوصلة في الملف الفلسطيني عند الضرورة»، مضيفاً أن غياب بعض الفصائل وفي مقدمتها «الجهاد» و«الجبهة الشعبية العامة- القيادة العامة»، «لن يكون مؤثراً على مخرجات الاجتماع»؛ لأن الطرفين المسيطرين في الضفة الغربية وقطاع غزة (فتح، وحماس) حاضران للاجتماع، كما أن «حماس» تضمن ضبط أداء جماعة «الجهاد» في غزة. واستبعد في الوقت ذاته أن يكون هناك اتفاق بشأن «مصالحة شاملة في الوقت الراهن».
وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن تبدأ القاهرة نشاطاً مكثفاً عقب الاجتماع، ولم يستبعد في هذا الصدد دعوة وفد من قيادات حركة «الجهاد» إلى مصر في وقت لاحق، كما توقع أن تبدأ السلطات المصرية المعنية اتصالات مع الجانب الإسرائيلي لضمان توفير أجواء لتهدئة في الأراضي المحتلة، ووقف الاقتحامات وعمليات الإخلاء القسري التي تقوم بها سلطات الاحتلال في مدينة القدس.