نشرت صحيفة “صاندي تايمز” البريطانية تقريرا أعدته، إنا لازاريفال، قالت فيه إن عشرات الآلاف من الإسرائيليين يهاجرون أو يفكرون بالهجرة في أعقاب التصويت للحد من سلطات المحكمة العليا.
وقالت إن عوديد، رجل في الثلاثينات من عمره، قرر عام 2019 السفر إلى إسرائيل من كندا واللستقرار فيها مع شريكه وولديه رغم الحياة المريحة هناك.
وفي الأسبوع المقبل، فإنه سيسافر مرة أخرى إلى كندا حيث غيّر خطط حياته نتيجة الوضع السياسي في إسرائيل. وقال: “عشنا في ظل حكومات اعتبرناها سيئة جدا، ولكن لم يكن الوضع كهذا، ولم يخيفنا الوضع السياسي كما اليوم”.
وعائلة عوديد هي واحدة من آلاف الإسرائيليين الذي يهاجرون أو يفكرون في ذلك بعد التعديلات القضائية، في تحد لثمانية أشهر من الاحتجاجات الواسعة ضدها. وبعيدا عن مظاهر القلق التي أثارها موقف جنود الاحتياط، إلا أن تداعيات المواجهة على الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل ستكون زلزالية. ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على صناعة التكنولوجيا التي كانت من أسرع القطاعات نموا خلال العقود الماضية، ووصل حجمها إلى 14% من الوظائف وخمس الناتج المحلي العام.
وكان نمو صناعة التكنولوجيا واحدا من الإنجازات التي ظل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو يتفاخر بها. واليوم يحتج الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة الذين صنعوا التقدم التكنولوجي وجعلوا إسرائيل فخورة بإنجازاتها في مجال الأمن الإلكتروني، إما في الشوارع أو يفكرون بالهجرة إلى الخارج.
وتراجع الدعم للشركات الناشئة بنسبة 70% منذ النصف الأول من العام الحالي، بعد الإعلان عن مقترحات التعديلات القضائية.
ويرى الكثير من الإسرائيليين العلمانيين بأن التعديلات قد تعبّد الطريق أمام مزيد من قمع الحريات والحقوق الأخرى. وفي استطلاع أجرته القناة 13 الإسرائيلية، وجد أن نسبة 28% من الإسرائيليين يفكرون بالهجرة، ومنهم عدد كبير لديهم جوازات أجنبية أخرى. ولا يعرف إن كانت النوايا جادة للكثيرين منهم، لكن شركة “أوشين ريلوكشين” التي تساعد الناس على الهجرة والنزوح، قالت إنه منذ كانون الثاني/ يناير من هذا العام، تلقت مستوى غير مسبوق من الاستعلامات حول مغادرة إسرائيل.
وقال شاي أوبازانيك، مدير العلاقات الدولية في مجموعة أوشين: “بعدما مررت الحكومة القانون هذا الأسبوع، حدث ارتفاع هائل في الطلب”. وفي الوقت الذي توزعت النسبة بالتساوي العام الماضي بين من يريدون القدوم أو الخروج، إلا إن استعلامات العام الحالي تدور في 90% منها حول مغادرة إسرائيل، و”السبب الرئيسي الذي أسمعه من الناس هو الخوف على حريتهم، حقوق الإنسان، ووضع المساواة في إسرائيل اليوم”، بحسب شاي أوبازانيك.
وبحسب الأرقام من الوكالة اليهودية، التي تشجع اليهود على الهجرة إلى إسرائيل، فالهجرة انخفضت في الربع الأول من عام 2023، من كل الدول باستثناء روسيا، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2022. ورُبط الانخفاض بارتفاع كلفة المعيشة والتعديلات القضائية التي أعلنت عنها الحكومة في بداية كانون الثاني/ يناير 2023. وكان مدراء شركات التكنولوجيا من أكثر المعارضين للتعديلات.
وبحسب دراسة مسحية أجرتها سلطة الإبداع في إسرائيل، فقد وجدت أن نسبة 80% من الشركات الناشئة التي أُعلن عنها هذا العام، أُنشئت كلها خارج إسرائيل. وهناك العديد من الشركات تنوي تسجيل ملكيتها الفكرية في المستقبل بالخارج، وهو تحرك سيؤثر على موارد الضريبة.
وكان الأطباء الإسرائيليون من المعارضين للتعديلات المقترحة، وتمثل نقابة الأطباء الإسرائيليين كل أطباء البلد تقريبا، وأعلنت عن إضراب لمدة 24 ساعة في 25 تموز/ يوليو باستثناء الطوارئ والعمليات الضرورية. وقال الدكتور أورين زيموني، الخبير في الأمراض المعدية، إن القانون يعرّض مهنة الطب للخطر “لأنه يمنح سلطات غير مقيدة للوزير الصحة”.
وتم إنشاء مجموعة “واتساب” للأطباء الراغبين بالانتقال. وقال الطبيبة أوفري دون توفيلد، التي تعمل في إسرائيل: “في الوقت الحالي، هناك حوالي 3000 طبيب من أصل 30 ألفاً يعملون في البلد” وتقول إن هناك “مجموعة أطباء أسنان وطلاب في الكليات الطبية وأطباء لديهم زمالة أجنبية وعدد كبير من الجماعات التي تفكر بالهجرة”.
ولديها مشاعر مزيجة، فهي مثل الدوارة في منتزه الألعاب، لكن “الأشياء تتقدم الآن، والبلد يسير باتجاه التحول إلى بلد غير ديمقراطي وغير ليبرالي يحكمه أشخاص لديهم استعداد لتعريض كل حق أخلاقي ومثال للخطر، لكي يحصلوا على السلطة. لذلك من الصعب البقاء” في إسرائيل.
ويرى الحاخام الأرثوذكسي جوناثان روزبلام، من منطقة هار نوف في القدس، الذي يدعم التعديلات، إنه يأمل بأن تكون التهديدات بمغادرة البلد مبالغا فيها. وقال ساخرا: “ماذا حدث هنا؟ هل اعتبر أحد التكنولوجيا غير قانونية؟ هل حاول البعض فرض قوانين مشددة على الناس للعمل”، وأضاف: “الحديث عن المغادرة هو هستيريا، ولكنها أسوأ من الهستيريا، وهي أخطر عندما يكون الإسرائيليون هم من يتحدثون عنها”.
وواحد من التداعيات هو أن وكالة موديز للتصنيف الائتماني، خفّضت في نيسان/ أبريل رؤية إسرائيل من “إيجابي” إلى “مستقر”، وتعززت الرؤية في الأسبوع الماضي، عندما أصدرت المؤسسسة تقريرا جديدا، تحدثت فيه عن مخاطر هامة مستمرة بسبب التوتر الاجتماعي والسياسي بشأن التعديلات القضائية، مما سيترك أثره السلبي على اقتصاد إسرائيل وأمنها.
وعبّر آخرون عن مخاوفهم من فقدان الثقة باقتصاد إسرائيل. ويقول تال داغان، المدير السابق ليفميو إسرائيل، وأحد المحتجين: “أعتقد أن مغادرة البلد أمر رهيب، والتخلي عنه يدمره، وأي شخص يناقشني فيه أحاول إقناعه بالبقاء هنا والقتال من أجل البلد، ولو غادر الناس الجيدون -أفضل المهندسين والمقاتلين والأطباء- فسيترك ذلك ضررا كبيرا، وآمل أن يظل الناس ويقاتلوا”.
وبالنسبة لعوديد، فترك العائلة والأصدقاء ووظيفة جيدة أمر صعب ولكن لا خيار. ويقول: “نشعر بعدم الأمان هنا، خاصة أننا مثليون ولدينا أطفال، وعلينا القتال أمام المحكمة للحفاظ على العائلة، واعتراف الدولة بأبويتنا للأطفال. ويعتمد هذا على قرارات المحكمة”.
وفي سياق آخر، كتبت أيليت غوندار- غوشين، وهي روائية، مقالا في صحيفة معاريف، قالت فيه إن “الإسرائيليين يحصدون ثمار ما زرعوه في المناطق المحتلة”. وقالت مؤلفة رواية “صيد الذئب”: “لا أتذكر اللحظة بالضبط التي توقفت فيها عن الضحك، ولكنني لم أكن الوحيدة، رجال ونساء يقفون جنبا إلى جنب والدموع في عيونهم، انتهى الأمر.
وبعد 30 أسبوعا من الاحتجاجات، نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاولاته لتجاوز سلطة المحكمة العليا. وناشده وزير دفاعه وأساتذة الجامعات ومدراء شركات التكنولوجيا بالتوقف، لكنه لم يستمع.
وتضيف الروائية: “قالت جدتي البالغة من العمر 89 عاما، هذا هو، هذه نهاية ما بدأناه هنا قبل 70 عاما، هذه نهاية ديمقراطيتنا”. ولكنها ليست النهاية بل البداية، ففي الوقت الذي اعتقد فيه اليمين المتطرف بأن جنود الاحتياط غير جادين في تهديدهم، يرفض الطيارون التحليق والأطباء العمل، ويرفض الأساتذة في الجامعات التدريس. وبعد تمرير القانون، قرر مئات جنود الاحتياط تعليق واجباتهم، وانضموا إلى 10000 متطوع أعلنوا أنهم لن يستجيبوا للأوامر.
وقال الكابتن نيفو إيرتز، القائد السابق لوحدة النخبة البحرية والمسؤول في الموساد: “لدينا ثقة بالحكومة لكنها حطمتنا. لن أتطوع لخدمة دولة ديكتاتورية”.
وتقول الروائية إن صديقها عاد من القدس الأسبوع الماضي وآثار الكدمات عليه، ولم تكن صديقتها العربية متعاطفة، “لأول مرة في حياتكم تجربون معنى أن تكون عربيا في هذا البلد”. مضيفة: “كانت محقة، ففي الوقت الذي نقاتل فيه من أجل ديمقراطيتنا، علينا مساءلة أنفسنا عن السبب الذي منعنا من القتال بقوة وبصراحة عندما قامت الحكومة الإسرائيلية بارتكاب أفعال غير ديمقراطية في الأراضي المحتلة. و”الربط بين التعديلات والاحتلال كان نقطة عمياء بالنسبة للكثير من المحتجين. فالشرطة القاسية التي جرّت صديقها دُربت لكي تكون وحشية مع المحتجين السلميين في الأراضي المحتلة. لقد دربناهم لكي ينسوا ضميرهم وينفذوا الأوامر.. ونحصد اليوم ما زرعناه”.
وتقول إنهم كانوا يأخذون أطفالهم للتظاهرات، من أجل تعليمهم دروس المواطنة، إلا أنها تخشى ذلك اليوم فقد أجبر وزير الأمن إيتمار بن غفير، مديرَ شرطة تل أبيب عامي إيشيد على الاستقالة لأنه “متساهل” مع المحتجين.
ولو استمرت التعديلات القضائية، فإن النظام الصحي هو أول قطاع سينهار، وهناك بعض النواب باتوا يطالبون بالفصل بين العرب واليهود في المستشفيات. وحتى الآن، كانت المحكمة العليا قادرة على منع المصابين برهاب المثلية من اتخاذ إجراءات ضد المثليين أو ضد اللاجئين الذين يحاول البعض منعهم من الحصول على العلاج.
وككاتبة تؤمن بقوة الخيال، وتخيّل واقع أفضل من الذي وجدوا أنفسهم فيه، وعندما تفشل خطة نتنياهو، فعليهم البحث عن اتفاق جديد يضم الغالبية اليهودية والفلسطينيين الذين يعيشون هنا.