قال زكريا أبو معمر عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن حركته "لا تضع فيتو على أي لقاء وطني"، مبديا في الوقت ذاته استعداد الحركة لأقصى درجات المرونة "لتحقيق ما يرجوه الشعب الفلسطيني على صعيد قضاياه الوطنية الكبرى".
لكنه حذّر خلال حوار مع قناة الجزيرة بثته مساء اليوم، مما سماه "حرف الاجتماع عن مساره أو تفريغه من مضمونه وتحويله إلى مظاهرة إعلامية وخطب منبرية"، مستهجنا حملات الاعتقال السياسي في الضفة الغربية، واصفا ما يجري بأنه "تسميم للأجواء"، داعيا إلى تهيئة الأجواء سياسيا وإعلاميا لإنجاح اللقاء.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا:
تلقيتم دعوة رسمية لاجتماع الأمناء العامين في القاهرة، ما ردكم ولمن تم توجيهه؟ وما الظروف التي تم فيها توجيه هذه الدعوة؟
تلقت حركة حماس دعوة رسمية من رئيس السلطة الفلسطينية للمشاركة في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية يوم 30 يوليو/تموز الجاري في القاهرة، وجاءت الدعوة بعد اجتماع عقدته السلطة في رام الله، وصدر عنه بيان رسمي ضمّ جملة من القرارات، كان أولها الدعوة إلى عقد هذا الاجتماع.
حماس بذلت جهودا كبيرة على مدار السنين الماضية من أجل الاتفاق على إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الاحتلال، إذ إنّه تغول كثيرا على الحقوق الفلسطينية، وينفذ مشروع الضم وفق خطة واضحة ومتدحرجة ولا يضيع وقتا إطلاقا، هذا الوضع يجب أن تتركز الجهود نحو مواجهته ولجم اعتداءاته في القدس والضفة والداخل المحتل وغزة، وهذا الأمر يستوجب وجود قيادة وطنية بمستوى تطلعات الشعب الفلسطيني وبمستوى هذه التضحيات التي يقدمها شعبنا.
من هنا، فإنّ حركة حماس دائما وأبدا تتعامل بإيجابية عالية مع كل الدعوات إلى أي لقاء وطني، ولا تضع "فيتو" على أي لقاء وطني وتتمتع بمرونة عالية، وسنتمتع في كل المحطات بأقصى درجات المرونة، لنحقق لشعبنا ما يرجوه على صعيد قضاياه الوطنية الكبرى.
ما أجندة اللقاء حسب الدعوة؟ وما الأجندة التي ستطرحها حماس في اللقاء المزمع؟ وهل تلمسون إرادة فعلية لتغيير الواقع الفلسطيني؟
الدعوة التي وجهت إلى حركة حماس لم تتضمن جدولا لأعمال الاجتماع، ولم تتضمن أجندة حتى الآن على الأقل؛ ورَد في الدعوة أنه سيتم الاتفاق لاحقا قبل الموعد على أجندة الاجتماع، ولكن هذا لم يحصل حتى الآن، ونحن في حركة حماس نؤكد أن جدول أعمال الاجتماع أحد العناصر المهمة لنجاحه.
رؤيتنا في حماس -والتي سنطرحها على أجندة اللقاء- التوحد وتجميع عناصر القوة الفلسطينية، لنحقق تطلعات شعبنا في التحرير، عبر هدفين كبيرين، الأول: بناء إستراتيجية وطنية شاملة أو خطة وطنية شاملة تلتقي عليها كل القوى والمكونات والفعاليات الوطنية لمواجهة الاحتلال، والثاني الوصول إلى قيادة وطنية موحدة تحمل هذه الخطة وتعمل على تطبيقها؛ فبدون خطة وطنية وقيادة موحدة -لا تستثني أحدا وتعمل بشراكة كاملة- نرى أن الواقع الفلسطيني سيبقى يعاني من العجز عن الوصول إلى أهدافه.
ومن الضروري أن تتوفر النيات والإرادة الحقيقية لدى الجميع، وحماس جاهزة لاختبار الإرادة، ومستعدة لأن تدفع كل المتطلبات التي تستوجبها هذه الخطة وهذه القيادة الوطنية، وجاهزة لكل ثمن من أجل وحدة شعبنا ومن أجل توحيد جهود شعبنا في مقاومة الاحتلال.
الدعوة جاءت بعد معركة جنين الأخيرة، في رأيكم، هل يحمل هذا التوقيت مغزى؟
هذا صحيح، ونحن لا نريد أن نبتعد كثيرا في بعض التفسيرات، ونفهم أن الدعوة جاءت نتيجة تصاعد المقاومة وتصاعد هجمات الاحتلال ضد شعبنا، ونريد أن تتم ترجمة ذلك بتعزيز صمود شعبنا ومقاومته، وألا يذهب البعض إلى حرف الاجتماع عن مساره أو تفريغه من مضمونه أو تحويله إلى مظاهرة إعلامية وخطب منبرية، شعبنا لن يقبل هذا الوضع وقد ملّ منه، 15 مليون فلسطيني ينتظرون أن يكون الاجتماع مؤثرا، وأن تصدر عنه قرارات حقيقية تطبق على الأرض، وألا تتعرض قراراته للتعطيل المقصود كما حدث في اتفاقات وقرارات سابقة.
نسعى إلى أن يكون الاجتماع ترجمة لمعركة جنين، وانعكاسا لمعركة "سيف القدس" و"ثأر الأحرار"، وتضحيات شعبنا في كل مكان، وترجمة لبطولات الشباب المقاومين على الأرض الذين يقاومون الاحتلال والمستوطنين في كل مدن الضفة المحتلة.
نرى أن التوقيت جيد، ما لم تثبت لنا قيادة السلطة أنها تريد تحقيق أجندة خاصة، حينها شعبنا سيرى وسيحكم على هذه التصرفات والأجندات التي لا تخدم المصالح العليا لشعبنا وصموده.
في رأيكم، ما فرص نجاح اللقاء على مستوى القضايا الحيوية التي تهم الشعب الفلسطيني؟ وهل سيتابع الفلسطينيون لقاء شكليا أم أن الأمر مختلف هذه المرة؟
لا نريد أن نستبق الأحداث ونتحدث عن فرص نجاح أو فشل، بل نؤكد أننا ذاهبون إلى الاجتماع بحرص كبير وعزم أكيد على نجاحه على مستوى القضايا الإستراتيجية التي تهم شعبنا الذي يتطلع إلى اجتماع وطني يجسّد وحدة حقيقية ويضع برنامجا وطنيا يُخرج شعبنا من نفق أوسلو والمفاوضات العبثية والمراهنة على الحلول الأميركية ونفق التنسيق الأمني، وأن يفتح أمامه الأفق السياسي الذي أغلقته المشاريع السياسية الخطيرة التي كانت السلطة -وما زالت- جزءا منها.
نحن ذاهبون للاجتماع بقرار واضح ومعتمد في كل مؤسسات حماس أننا نريد أن ننجح، ومعيار النجاح هو الاتفاق على الخطة الوطنية الشاملة لمواجهة الاحتلال وحكومته الفاشية، والاتفاق على القيادة الوطنية الموحدة التي تقود شعبنا نحو الحرية والاستقلال.
لذلك لن يقبل أي فلسطيني أن يكون هذا اللقاء شكليا، أو يتحول إلى بيانات بلا معنى، بل يجب أن يحقق الاجتماع تطلعات شعبنا الذي يقدم التضحيات منذ 100 عام.
هل ستطرح حماس قضية الانتخابات العامة على جدول اللقاء؟ وما موقفكم من قضية الانتخابات اليوم؟
الطبيعي أن تشمل الخطة الوطنية برامج واضحة لمقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة التي خاضتها كل الشعوب المحتلة، المقاومة العسكرية، والشعبية والاقتصادية، وكذلك تشمل ترتيب البيت الفلسطيني ترتيبا شاملا مبنيا على أسس سليمة، وليس وفق أجندات بعض المتنفذين هنا وهناك، إذ يطمح شعبنا لمجلس وطني فلسطيني تنبثق عنه قيادة وطنية تشرف على ترتيب كل الشؤون الفلسطينية، وإذا كانت الانتخابات هي الوسيلة التي ستحقق هذا الترتيب فنحن معها، وإذا توافق الكل الفلسطيني على أن نذهب إلى مرحلة انتقالية لمدة عام أو عامين يتم فيها تشكيل الهيئات الفلسطينية بالتوافق ثم بعد ذلك نذهب للانتخابات نحن جاهزون أيضا.
موقف حركة حماس من الانتخابات موقف ثابت ومستقر مع كل الانتخابات، والتجربة أكبر برهان، ففي يناير/كانون الثاني 2021 صدر مرسوم رئيس السلطة بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على فترات، وفورا أعلنت حماس في حينه استعدادها وموافقتها ورشحت قائمتها، وسجّل 96% من أبناء الشعب الفلسطيني أصحاب الحق أنفسهم في السجل الانتخابي آنذاك، ثم تم إلغاء الانتخابات بحجج واهية، وقلنا من يومها إن إجراء الانتخابات في القدس مطلب وإجماع وطني فلسطيني، لكن نتناقش على آليات إجرائها وتحويلها إلى معركة وطنية، لا أن نقول إننا نريد إذنا من الاحتلال حتى نجري الانتخابات في عاصمتنا.
الحركة لا تعارض إجراء الانتخابات وجاهزة لها، لكنها تود اليوم أن يأتي هذا في سياق خطة وطنية شاملة لترتيب الوضع الفلسطيني كله بما يعزز مقاومة شعبنا للاحتلال.
كيف تقرؤون الدعوة للاجتماع في ظل تصاعد عمليات الاعتقال من قبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟
المنطقي أن تقوم جميع الأطراف بتهيئة الأجواء لاجتماع ناجح، تهيئة سياسة وإعلامية وغير ذلك، ما يجري للأسف العكس، إذ يجري تسميم الأجواء عبر حملة اعتقالات غير مسبوقة في الضفة الغربية ضد مقاومي شعبنا وضد كوادر الفصائل الفلسطينية، تطول عناصر من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والنشطاء من كافة التوجهات، وتطول الإعلاميين والسياسيين.
والغريب أن الاعتقالات تأتي في وقت نحن ذاهبون فيه إلى اجتماع وطني، فما الذي يريده القائمون على هذه الاعتقالات؟ هل يريدون جرّ الحالة الفلسطينية للمناكفات؟ الأمر في الحقيقة يضع علامات استفهام حول محاولات إفشال الاجتماع قبل أن ينطلق.
قراءة المشهد تنذر بخطر على الوحدة وعلى السلم المجتمعي، ونحن نقرأ تصاعد عمليات الاعتقال بحالة كبيرة من الاستياء والتشكك، لكن هذا لن يؤثر على قرارنا في الاستجابة لكل نداء ولقاء وطني، وندعو الجميع خاصة إخواننا في حركة فتح إلى التوحد لكفّ يد السلطة عن مواصلة الاعتقالات السياسية الخطيرة.
ما فرص نجاح لقاء القاهرة في ضوء استمرار التراشق الإعلامي بين منابر حركتي حماس وفتح، والاتهامات المتبادلة بشق الصف الوطني أو بالتحريض على الآخر؟
في الواقع، لا يوجد تراشق إعلامي من طرفنا، فحماس ملتزمة بعدم الدخول في أي مناكفات، وتعمل هي وإعلامها ليل نهار على تصعيد المقاومة ضد الاحتلال وعدم حرف البوصلة، ولا تستجيب ولا تتعامل مع أي إساءات تتعرض لها تفويتا للفرصة على المغرضين، فبياناتنا الرسمية وأداؤنا الإعلامي والسياسي والوطني بعيد تماما عن المناكفات.
في قطاع غزة، هناك عمل سياسي واسع للفصائل، بما فيها حركة فتح، إذ تعقد كل الفصائل احتفالاتها ومهرجاناتها، واللقاءات الوطنية تتم على قدم وساق، ولا يوجد معتقل سياسي واحد في غزة، وهامش الحرية وفتح الأفق لممارسة كل الأنشطة السياسية، ورعاية فصائل المقاومة، كل هذا موجود وبشكل واسع ومن دون قيود، وهذا ليس منة ولا فضلا، بل هو واجب حماس تجاه القوى الوطنية وتجاه شعبنا، ونؤكد باستمرار ضرورة الابتعاد عن توتير الأجواء، والتوحد في مواجهة الاحتلال وتصويب الكلمة والبندقية نحو العدو الذي يحتل أرضنا وينتهك مقدساتنا.
كيف تابعتم تعاطي السلطة مع الأحداث الجارية في الضفة الغربية، خاصة معركة جنين الأخيرة وما تبعها؟
يتضح لنا أن السلطة لا تزال في المربع نفسه، ولا تريد مغادرة نفق أوسلو ولا نفق التنسيق الأمني، بينما الأحداث المتصاعدة في الضفة توجب على السلطة أن تتحول إلى مربع دعم المقاومة، وهذا أقصر الطرق في تحقيق الأهداف الوطنية، وأوضح دليل على ذلك أنّه في الفترة بين عامي 2000 و2005 -مع تصاعد المقاومة في انتفاضة الأقصى- تقلص عدد المستوطنين إلى مستويات غير مسبوقة، وتوقف الزحف على الأراضي ومصادرتها، وهرب المستوطنون من الضفة الغربية، أما بعد عام 2005 إلى اليوم، فتضاعفت أعداد المستوطنين حتى باتوا يقتربون من مليون مستوطن في الضفة الغربية.
للأسف، السلطة بعد معركة جنين يبدو أنها تذهب إلى نوع من الاتفاقات مع الاحتلال لتقوم بأدوار تؤدي إلى وأد المقاومة، والتضييق على شبابها ومصادرة أسلحتهم، وهذه مؤشرات خطيرة، نتيجة تعاطي السلطة السلبي مع حالة المقاومة في الضفة التي يخوضها شباب فلسطين جميعا ومنهم أبناء فتح وحماس والجهاد الإسلامي وكل الفصائل، لذا نقول على السلطة أن تتوقف مرة وإلى الأبد عن هذه المراهنات الخاسرة وأن تقرر مرة وللأبد أن تكون في حضن الشعب لا في حضن آخر غير حضن الشعب.
بعد 9 أعوام من الحرب الكبيرة على غزة عام 2014، أين تقف حماس اليوم سياسيا وعسكريا؟
المقاومة قبل معركة 2014 شيء وبعدها شيء آخر، وحماس اليوم بعد 9 أعوام من المعركة تقف في موقع سياسي متقدم، وتحتل رقما صعبا في الحالة الفلسطينية والإقليم، فلا أحد يستطيع اليوم أن يتكلم في أي شأن سياسي يخصّ الشعب الفلسطيني من دون الحديث مع المقاومة، وفي المقدمة منها حماس، التي تقود المشروع الوطني هي والفصائل، متمسكة بالثوابت، مشكِّلة البديل الذي يتطلع إليه شعبنا -وهو مشروع المقاومة- أمام حالة التيه التي بدأتها أوسلو منذ 30 عاما.
كما أن حماس أصبحت عسكريا أكثر قوة وتقدما، فكتائب القسام تشكل اليوم قوة فلسطينية تستطيع أن تفرض المعادلات، ورأينا ذلك جليا في معركة سيف القدس، التي فرضت معادلة عسكرية مهمة واستطاعت أن تردع الاحتلال لدرجة أنه لم يعد هناك شبر من فلسطين التاريخية إلا وأصبح تحت نيران المقاومة، ولا يعني ذلك أننا نتمتع بإمكانات تضاهي إمكانات العدو، ولكننا نتمتع بإرادة كبيرة وقدرة على إيذائه، ونعرف مواطن ضعفه وكيف نضع له حدا إذا ما تجرأ على شعبنا، وستعمل حماس بكل قوة على توظيف هذه المكانة بما يخدم شعبنا وبما يخدم تحقيق أهدافه.