يتصاعد التوتر على الحدود الإسرائيلية واللبنانية وسط مخاوف من احتمال انفجار الموقف، تزامناً مع الذكرى السنوية لحرب لبنان الثانية، فيما يدعو رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق لـ “تقويض غطرسة حسن نصر الله”.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أطلق مفقرعات صوتية وغازية عند الحدود بين الجليل الأعلى وجنوب لبنان، لتفريق مجموعة من اللبنانيين بينهم صحافيون وبرلماني بسبب تواجدهم داخل أراضي مزارع شبعا اللبنانية.
وقال الناطق العسكري الإسرائيلي إن قوات الجيش أبعدت مجموعة من المواطنين اللبنانيين حاولوا تجاوز الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا اللبنانية. كما قال إن “عدداً من المشتبهين اقتربوا من السياج الحدودي، وأقدموا على إلقاء الحجارة باتجاه قوات الجيش، لافتاً إلى أن الجنود ردوا بإطلاق نيران تحذيرية واستخدام وسائل لتفريق الاحتجاجات، إذ كان بينهم صحافي، بينما الآخرون ناشطون كانوا يلقون حجارة”.
وكانت المنطقة الحدودية بين شمال الجليل وجنوب لبنان قد شهدت توتراً أمنياً واستنفاراً لقوات الاحتلال، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي “تشويش محاولة للمساس بالسياج الأمني على الحدود مع لبنان”.
في المقابل قال الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، في كلمة له ألقاها بمناسبة الذكرى السنوية السابعة عشرة لحرب لبنان الثانية، إن “حزب الله” سيرد على أي اعتداء إسرائيلي على الخيمة المنصوبة عند المنطقة الحدودية جنوبي لبنان، مشدداً على أنه “لا يجوز السكوت عن الاحتلال الإسرائيلي لقرية الغجر” الحدودية.
من جهته يرى رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين أن زعيم “حزب الله” حسن نصر الله يرسم، في مناسبة مرور 17 عاماً على حرب لبنان الثانية، معادلة جديدة، ويُدخل إسرائيل والحزب “الإرهابي” في فترة توترات يمكن أن تتدهور إلى تصعيد بين الطرفَين. وقال، في مقال نشره موقع القناة العبرية 12، إن نصر الله هدّد بأنه لن يسكت على إزالة الخيمة التي نصبها “حزب الله” في منطقة مزارع شبعا، قبل عدة أشهر، والموجودة على بُعد عشرات الأمتار داخل “الأراضي الإسرائيلية”، ويتواجد فيها مسلحون من الحزب. كما قال إن نصر الله ربط إقامة الخيم بمطالبة لبنان باستعادة سيادته على الجزء الشمالي من قرية الغجر، وتمسّك مجدداً بموقفه كـ “درع لبنان”، وتحدث عن تكرار الإنجاز الذي حققه لبنان في المفاوضات على الحدود البحرية، وهذه المرة على طول الحدود البرّية، وترسيخ إنجاز “حزب الله” في مواجهة إسرائيل.
تسخين الجبهة الشمالية
ويستذكر يادلين أنه، قبل ساعات من خطاب نصر الله، أبعد الجيش الإسرائيلي عن السياج الحدودي عدة مشتبه بهم، يبدو أنهم من ناشطي الحزب، وتسبب بإصابتهم بجروح، لافتاً إلى إشعال ناشطين آخرين النيران بالقرب من المطلة، وجرى إبعادهم عبر إطلاق النار.
ويتابع: “في الأسبوع الماضي، أُطلق من لبنان صاروخ مضاد للدروع، وكان موجهاً، على ما يبدو، نحو دورية إسرائيلية، وأصاب السياج الحدودي في منطقة قرية الغجر في إسرائيل. وردّت إسرائيل على ذلك بقصف مدفعي استهدف المنطقة التي انطلق منها الصاروخ. حتى اليوم، ليس واضحاً من أطلق الصاروخ، لكن يبدو أن الحادث هو حلقة جديدة في سلسلة استفزازات من طرف “حزب الله” ضد إسرائيل. في صباح يوم تلك الحادثة، اتّهم “حزب الله” إسرائيل ببناء جدار جديد، وهذا يعني عملياً ضم الجزء الشمالي من قرية الغجر الواقع خارج الخط الأزرق داخل الأراضي اللبنانية. وفي الأيام التالية، ربطت الحكومة اللبنانية مطالبة إسرائيل بإزالة خيمة “حزب الله” بمطالبتها بإزالة الجدار في الغجر في جزئها الشمالي، الذي تعتبره الأمم المتحدة أراضيَ لبنانية، ومناقشة كل تحفظات لبنان على طول الخط الأزرق”.
الخط الأزرق
ويقول يادلين إنه من المعروف أنه، سنة 2000، حددت الأمم المتحدة خط الانسحاب من لبنان- الخط الأزرق- في قلب قرية الغجر، التي يُعد، بحسبه، سكانها العلويون مواطنين إسرائيليين، بينما الجزء الشمالي موجود في الجانب اللبناني من الخط الأزرق. في السنوات التي تلت ذلك، تمركز “حزب الله” على مداخل القرية، وقام بهجمات ضد قوات الجيش الإسرائيلي في الجانب الإسرائيلي.
كما يستذكر يادلين إنه بعد حرب لبنان الثانية، جرى عزل قرية الغجر من جهة الشمال بناءً على طلب سكانها، لكن عمليّات التهريب المرتبطة بـ “الإرهاب” استمرت عبر القرية. وقد انتهى بناء عائق محكم حول القرية، قبل سنة تقريباً، بناء على طلب السكان، وجرى إعلان الجزء الشمالي من القرية منطقةً عسكرية. ويتابع يادلين في استعراض ما يسميه “استفزازات حزب الله”: “لكن حزب الله، الذي يشدّد على السيادة اللبنانية في الجزء الشمالي من القرية بالاستناد إلى الخط الأزرق، ينتهك هذا الخط، ويطالب بتقسيم مزارع شبعا الواقعة جنوباً بحجة أنها أرض لبنانية احتلتها إسرائيل، على الرغم من أنها كانت تابعة لسورية عندما احتلتها إسرائيل. وشهدنا تصاعداً في كل من سلسلة الاستفزازت، وفي سير نصر الله حتى حافة الهاوية، مع بدء التفاوض على الحدود البحرية، في العام الماضي، عندما هدد الحزب علناً بالحرب إذا لم تجرِ الاستجابة لمطالب لبنان، فأطلق مسيرة (جرى اعتراضها) نحو منصة كاريش”.
ويمضي يادلين في استعراض التهديدات تمهيداً لاستنتاجه بالقول إنه لاحقاً قام نصر الله بالتالي:
“في آذار/ مارس، بادر إلى هجوم غير مسبوق بواسطة “مخرب” مسلح ومزود بعبوات وحزام ناسف اجتاز الحدود اللبنانية للقيام بتفجير كبير (لكنه فشل وأُحبط).
لم يمنع “حزب الله” إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان من جانب “حماس”، خلال شهر رمضان في نيسان/ أبريل. كما هدد حرّية سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية بواسطة منظومة دفاع جوي قوية، وزاد من تهديداته بمهاجمة إسرائيل عبر زيادة مخزونه من الصواريخ الدقيقة، ومن ثم هدد إسرائيل بالرد على هجماتها في سوريا، ضمن إطار “المعركة بين الحروب”. عزز تواجده العسكري العلني على طول الحدود، خارقاً بذلك قرارات مجلس الأمن، وأقام استعراضات استفزازية للقوة في جنوب لبنان. ونصب خيمتَين في منطقة مزارع شبعا في الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق، وأُعيدت إحداها إلى الجانب اللبناني. أمَّا الخيم وإطلاق صاروخ على الغجر والاستفزازات على طول السياج، فهي الفصل الجديد من هذا التوجه”.
استغلال الصراع الإسرائيلي الداخلي
بعد استعراض أفعال “حزب الله”، يرى يادلين أنه لا يمكن لإسرائيل فصل زيادة الثقة بالنفس التي يُظهرها نصر الله وجرأته عن الأزمة الداخلية في إسرائيل، وليس صدفة أن يضع نصر الله في هذا التوقيت الحالي معادلة جديدة خطرة في الغجر، على الرغم من أن بناء الجدار حول القرية انتهى في أيلول/ سبتمبر الماضي. زاعماً أن نصر الله، الذي يواجه انتقادات متزايدة من الداخل اللبناني، يريد أن يعزز صورته بوصفه “درع لبنان”، لكنه في الحقيقة يفرض نفسه كزعيم يتصرف دفاعاً عن سلاحه الذي هو موضع خلاف.
ويدعي يادلين أنه بخطواته هذه يُظهر نصر الله أنه واثق بتقديره أن إسرائيل لن تتجرأ على المخاطرة بتصعيد في ضوء ضعفها، وفي ظل مواجهة سياسية تقسمها من الداخل، وتمس بوحدتها الداخلية وبقدرتها على الصمود، وتزعزع علاقتها بركيزتها الإستراتيجية؛ الولايات المتحدة.
ويضيف، مقترحاً الرد على التصعيد بالتصعيد: “صحيح أن وزير الأمن ورئيس الاستخبارات العسكرية هدّدا، لكن ثمة شك في أن كلامهما هذا سيكفي لتغيير وجهة الأمور. عموماً، ردع إسرائيل في مواجهة “حزب الله” تآكلَ، كما قال نصر الله في خطابه، والمطلوب من إسرائيل ترميمه من أجل لجم وتيرة الاستفزازات، وقبل أن تتسبب بتصعيد واسع النطاق”.
لهذه الغاية، برأيه، فإن إسرائيل والجيش الإسرائيلي في حاجة إلى العمل على تقويض “غطرسة” نصر الله بواسطة عمليّات تُخرجه من المنطقة المريحة له، التي هو فيها الآن، وتزعزع ثقته بقدرته على توقع خطوات إسرائيل، ولهذه الغاية، يتعين على إسرائيل أن تنتهج سياسة عاقلة محسوبة ودقيقة تستند إلى حجة ملائمة، ولا تؤدي إلى تصعيد يصل إلى حرب، التي في جميع الأحوال يجب أن نستعد لها”.
ويستذكر يادلين أنه، في أيار/ مايو الماضي، قدّر رئيس الاستخبارات العسكرية أن “هجوم مجدو” لم يكن حادثاً منفرداً، ونصر الله يمكن أن يخطىء في الحسابات. ويتابع: “بناء على ذلك، فإن ثقة نصر الله المفرطة بنفسه يمكن أن تمنح إسرائيل، عاجلاً أم آجلاً، الفرصة المناسبة كي تتحرك”.
الخيمة في مزارع شبعا
ويعتقد أنه في هذه المرحلة، أن الخيمة التي أقامها “حزب الله” في مزارع شبعا لا تشكّل مشكلة عسكرية، ويمكن الاستمرار بمعالجة المسألة عبر القنوات الدبلوماسية. مذكّراً أنه سبق وجرى نقل إحدى الخيمتَين، والخيمة الثانية موجودة في منطقة عسكرية، وليست قريبة من أي مستوطنة في إسرائيل، ولا تشكّل تهديداً مباشراً، لكن في ضوء استمرار الاهتمام بالموضوع، وفي ضوء المعادلة الجديدة غير المقبولة، التي يريد عن طريقها نصر الله المقايضة بين الخيم وقرية الغجر، وربما في كل منطقة توجد تحفظات عليها على طول الخط الأزرق، لا يمكن القبول بهذه الاستفزازت لوقت طويل، وسيحين الوقت الذي يجب فيه أن نتحرك من أجل إزالتها بصورة مبتكرة تفاجىء “حزب الله”.
وضمن توصياته يرى يادلين أنه، في هذه الأثناء، يتعين على إسرائيل زيادة الضغط على نصر الله بواسطة الدولة اللبنانية والطائفة الشيعية، ونقل رسائل واضحة: نهاية استفزازت “حزب الله” ستكون عن طريق رد قاسٍ وغير متوقع من جانب إسرائيل؛ وسَيْرُ نصر الله حتى حافة الهاوية يمكن أن يتضح مرة أُخرى، كما جرى قبل 17 عاماً، كرهان غير مسوؤل سينتهي به إلى الوقوع في الهاوية، وسيأخذ معه شعبه ولبنان بأكمله، الذي هو منهار تلقائياً بسببه.
ويضيف مهدداً بالقول إن أي عمل عدائي من طرف حزب الله سيُرد عليه برد أقسى وغير متوقع، وتبادل الضربات يمكن أن يتحول بسرعة إلى تصعيد وحرب شاملة، ولن يقتصر الأمر على “أيام من القتال”، داعياً لتحذير سكان جنوب لبنان بالابتعاد، منذ الآن، عن البنى العسكرية المقامة بالقرب منهم.
الانجرار لحرب لبنان الثالثة
ويرى يادلين أنه في ضوء وقوع خطأ في الحسابات، يمكن أن يجر كل من إسرائيل و”حزب الله” إلى حرب لا يريدها الطرفان. يواصل الجيش استعدادته في الشمال، ويُكثف العوائق على الحدود، وذلك لعرقلة خطة “وحدة الرضوان” التابعة لـ “حزب الله”، والتي تهدف إلى غزو الجليل، وللمحافظة على “السيادة الإسرائيلية على الحدود”.
في هذا السياق ينبّه يادلين إلى أن توسيع عمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية ضروري من أجل مواجهة “الإرهاب”هناك، لكن هذا جاء على حساب إعداد القوات للحرب في الشمال.
تعليق التشريعات الإشكالية
من هنا يستنتج أنه من المهم العمل على تثبيت الوضع على الأرض هناك عبر سياسة مسؤولة، بما في ذلك تقوية السلطة الفلسطينية، واستئناف التعاون الأمني معها، والحد بسرعة من نفوذ العناصر التي تقوّض الاستقرار في الضفة الغربية بقيادة المستوطنين المتطرفين على الأرض وداخل الحكومة.
ويخلص يادلين للقول إنه في النهاية، لسنا في حاجة إلى التذكير بأن التوتر على الحدود الشمالية وفي الساحة الفلسطينية والتآكل في الدرع الإسرائيلي كلّها أمور لها علاقة بالأزمة الداخلية في إسرائيل. ما قاله وزير الأمن غالانت، قبل إقالته في آذار/ مارس الماضي، لا يزال صحيحاً حتى اليوم. من هنا، فإن وضع الانقلاب القضائي على الرف هو أمرُ الساعة، وسيكون الخطوة التي ستعزز بصورة مباشرة وعميقة الردع في مواجهة أعدائنا في جميع القطاعات، وخصوصاً في الساحة الشمالية”.
وقد دعت صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها، اليوم الأحد، لوقف فوري للتشريعات، داعية أيضاً غالانت للخروج عن صمته والمطالبة بوقف التشريعات الخلافية التي تؤدي لانشقاقات وحالة عصيان داخل المؤسسة الأمنية في ظل عودة طيارين وضباط في وحدات خاصة للاحتجاج، من خلال الإعلان عن توقفهم عن التطوع والتدرب في جيش الاحتياط.