ما الذي تريده إسرائيل: إنقاذ السلطة أم إغراقها؟ محمد ياغي

السبت 15 يوليو 2023 03:38 م / بتوقيت القدس +2GMT



خلال اجتماعها هذا الأسبوع، أعلنت الحكومة الإسرائيلية نيتها مساعدة السلطة الفلسطينية لمنع انهيارها خشية من أن تملأ فصائل المقاومة الفراغ الذي سيخلفه هذا الانهيار فيما لو حدث، وخوفا أيضا من أن تضطر إسرائيل للتعامل مباشرة مع الفوضى التي قد يُخلفها غياب السلطة، وحتى لا تُجبر أيضاً على العودة للاحتلال المباشر لمناطق السلطة وما يعنيه ذلك من مسؤوليات عليها أن تتحملها مثل التعليم والصحة وتقديم الخدمات وغيرها مما يفرضه القانون الدولي.
من جملة الإجراءات التي سُربت للإعلام والتي يقال بأن إسرائيل قررت القيام بها لتعزيز مكانة السلطة إنشاء منطقة صناعية في ترقوميا (الحديث عنها منذ العام ٢٠٠٧ وهي أصلاً جزء من اتفاق بين السلطة وتركيا عطلته إسرائيل الى يومنا هذا)، السماح للسلطة بتطوير حقل غاز «مارين»، الواقع أمام شواطئ قطاع غزة (وهو جزء من اتفاق سابق بين مصر والسلطة)، صرف أموال المقاصة الفلسطينية، ضمانات قروض، تسوية ديون، وإعادة بطاقات «شخص مهم» لمسؤولي السلطة التي سُحبت منهم قبل أشهر.
في الوقت نفسه ذكرت عدة قنوات تلفزيونية إسرائيلية أن إسرائيل ستستمر في استقطاع مبلغ (٤٠ مليون شيكل) من المقاصة الفلسطينية المخصصة لعائلات الشهداء، وأنها ستطالب بعودة التنسيق الأمني مع السلطة مقابل هذه التسهيلات، وهو التنسيق التي ادعت إسرائيل قبل نحو أسبوعين بأنه لا يزال قائما.
أيا كانت الأكاذيب الإسرائيلية بشأن رغبتها في تمكين السلطة، فإن جميع المراقبين لما يجري في الأرض المحتلة يدرك بأن إسرائيل هي السبب الأول والعامل الأساس لضعف السلطة.
منظمة التحرير الفلسطينية لم تُنشئ السلطة لإدارة فلسطينيي الضفة والقطاع، ولا للحفاظ على أمن إسرائيل، ولا من أجل تخفيف العبء على الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها أنشأتها لتكون نواة للدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض المحتلة منذ العام ١٩٦٧.
لكن محاولات دولة الاحتلال المدعومة من الغرب والمستمرة منذ أكثر من عقدين من الزمان لتحويل السلطة الفلسطينية من مشروع يخدم عملية التحرر الوطني والاستقلال، الى مشروع لخدمة الاحتلال او تابع له، هي ما أضعف السلطة الفلسطينية ووضعها على طريق الانهيار.
إسرائيل التي لم توقف الاستيطان يوما منذ اتفاقيات أوسلو قبل ثلاثة عقود، التي رفضت وترفض المفاوضات للوصول الى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، التي لم تحترم الاتفاقيات التي وقعت عليها، والتي تقتل الفلسطينيين وتهدم بيوتهم يوميا، والتي تستبيح الأموال المُخصصة لرواتب موظفي السلطة، هي من أضعف السلطة وأفقدها شرعيتها وثقة الناس بها وجعلها «مشروعا» خاسرا في نظر الغالبية العظمى من الفلسطينيين.
اليوم تكذب إسرائيل عندما تقول إنها تريد تمكين السلطة الفلسطينية، لأن غايتها الأساس هي صب القليل من «الزيت» في دولايب السلطة لوضعها في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في أراضي الضفة الغربية.
هذا لا يُمكّن السلطة ولكنه يضعفها أكثر وأكثر وفق جميع استطلاعات الرأي العام الأخيرة التي تؤكد أن شعبية وشرعية فصائل المقاومة في ازدياد على حساب شعبية وشرعية السلطة الفلسطينية.
إذا أرادت إسرائيل تمكين السلطة عليها أن تبدأ من السياسي.. من القضايا التي تسمح للسلطة استعادة «قيمتها» عند شعبها وهي وقف الاستيطان فوراً في كل أراضي الضفة بما فيها القدس، بدء المفاوضات السياسية وفق جدول زمني واضح لإنهاء الاحتلال والانسحاب، والتوقف كليا عن سياسات القتل والاعتقال وهدم البيوت، وترك الفلسطينيين يتحركون داخل بلدهم بلا قيود وحواجز ذل وتفتيش.
لكن دولة الاحتلال لا تريد هذا النوع من التمكين للسلطة لأنه يتعارض مع مشروعها القائم بشكل مختصر على الاستيلاء على غالبية مساحة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وتمكين المستوطنين فيها وضمها، وإبقاء السلطة مسؤولة عن الفلسطينيين في المعازل القليلة التي ستبقى لهم، وهي الوظيفة التي تريدها دولة الاحتلال للسلطة.
منذ عهد شمعون بيريس والاحتلال يتحدث عن «سلام» اقتصادي كبديل عن الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بيريس أراد اتفاقيات أوسلو لتكون جسراً لدولته لتكامل إقليمي اقتصادي وأمني مع العالم العربي، دون أن «يدفع» فاتورة ذلك سياسياً، وهو الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
الحديث اليوم عن تمكين السلطة هو من ذات النوع، تمكين اقتصادي والأصح أن نقول تمكين «مالي» لأن دولة الاحتلال لم ترغب يوما في أن يكون للفلسطينيين اقتصادهم المستقل، فهو جزء من مكونات الدولة المستقلة التي لا تريدها إسرائيل لهم.
إسرائيل إذاً تتحدث عن إنقاذ «مالي» للسلطة بما يُمكنها من مواجهة شعبها وإدارتهم داخل «المعازل» التي قررتها دولة الاحتلال لهم.
لكن هذا ليس تمكيناً للسلطة، هذه عملية إغراق لها، وربما هذا بالضبط ما تسعى اليه إسرائيل، إذ إن أي مواجهة بين السلطة والمقاومة لن يبقي لها شرعية واحتراماً عند شعبها، وهذا ما تريده إسرائيل لأن مشروعها السياسي لا وجود فيه لسلطة قابلة للتحول الى دولة مستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ العام ١٩٦٧.
إسرائيل تريد سلطة لإدارة سكان في معازل حتى لا تتورط هي في إدارتهم ومواجهتهم، وحتى تستمر هي في الادعاء أمام العالم بأنها لا تحتل شعباً آخر وإنما تُقدم له يد العون لإدارة نفسه.
هذا ليس تمكيناً للسلطة وإنما إغراق لها في مستنقع لا يخدمها ولا يخدم شعبها ولا قضيته، ويخدم فقط تل أبيب ورعاتها الدوليين.