نيويورك تايمز: "حكاية اجتياحين.. ماذا يخبرنا الهجوم الأخير على جنين عن إسرائيل الآن؟"

الثلاثاء 11 يوليو 2023 05:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
نيويورك تايمز: "حكاية اجتياحين.. ماذا يخبرنا الهجوم الأخير على جنين عن إسرائيل الآن؟"



واشنطن/سما/

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لطارق باكوني، رئيس مجلة إدارة الشبكة، بعنوان “حكاية اجتياحين: ماذا يخبرنا الهجوم الأخير على جنين عن إسرائيل الآن؟”.

وقال الكاتب إن شاشاتنا امتلأت مرة أخرى بصور النساء الباكيات والأطفال والكبار الذين يسيرون في الشارع رافعين أيديهم أو يلوحون بقطع قماش من سيارات تتحرك ببطء. ويعلق أن الفلسطينيين رأوا هذا من قبل، وعبر تاريخ طويل من الطرد من بيوتهم وقراهم أو تحت تهديد السلاح.

ولكن الصور الجديدة جاءت من مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة أثناء اجتياح القوات الإسرائيلية له، حيث أقام الجيش عقبات أمام المراسلين وسيارات الهلال الأحمر الفلسطيني.

وأشار لما قاله بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي في الرابع من تموز/ يوليو، بأن الجيش ضرب الهدف الأكثر شرعية على وجه البسيطة، “أناس قد يمحون بلدنا”، وكان يتحدث عن المقاومة المسلحة التي مضى عليها أشهر ضد المستوطنين الإسرائيليين.

وقبل عشرين عاما، هاجم رئيس وزراء يميني متطرف آخر، أرييل شارون، نفسَ المخيم واستخدم القوة المفرطة. وكان ذلك في العام الثاني للانتفاضة الثانية، حيث ضُربت إسرائيل بهجمات “فدائية” جاء بعضها من جنين. وردا على ذلك، أعادت إسرائيل احتلال الضفة الغربية وعاثت في المخيم الذي كان كما هو الآن، مركز المقاومة الفلسطينية.

ويعلق الكاتب أن الاجتياحين حصلا في سياقين مختلفين، فما بين 2002 و2023، تراجع وهم تقسيم الأرض إلى دولتين، والذي لم يعد موجودا إلا في التصريحات الدبلوماسية المفرغة من معناها، وحل محله إجماع بين المنظمات الدولية وحقوق الإنسان بما فيها هيومان رايتس ووتش وبتسليم وأمنستي إنترناشونال، أن إسرائيل تمارس جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، مما أثبت مما اعتقدوه طوال الوقت.

وبالنسبة لمعظم اليهود الإسرائيليين، فإن هذا التحول غير واضح بالكاد، لأنهم ظلوا معزولين عن ثمن السياسات التي تمارسها حكومتهم ضد الفلسطينيين. أما الفلسطينيون، فيعانون من اليأس والإجهاد من العنف البنيوي الممارس عليهم يوميا. وفي غياب أي أمل بالدولة أو قيادة سياسية قادرة على قيادة الكفاح، يقوم البعض بأخذ الأمور بأيديهم، إما بالطرق المسلحة أو غيرها. وهناك الذين لا يبالون ويحاولون مواصلة الكفاح اليومي لإعالة عائلتهم، في وقت يعيش الكثيرون بخوف دائم.

وعلى خلاف اليوم، كانت الدبلوماسية الأمريكية في 2002 ناشطة، وقادت جولة بعد الأخرى من المفاوضات الفاشلة. لكن الأمل والتوقعات باستئناف العملية السلمية كان حيا، وكذا تقسيم الأرض إلى دولتين بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967.

ومع نهاية الانتفاضة الثانية، مارست إسرائيل سياسة تكثيف الإجراءات على الأرض، والتظاهر بمتابعة الحل الدبلوماسي. واستطاعت إسرائيل إخضاع الضفة الغربية عبر المانحين العرب والغربيين ومتابعة محفزات نيوليبرالية أفرغت الاقتصاد، وصادرت المزيد من أراضي الفلسطينيين عبر التوسع الاستيطاني.

ونسقت إسرائيل أمنيا مع السلطة الفلسطينية بحيث حولت الأخيرة إلى شريك رئيسي في إدارة المقاومة المحلية. من جانبها، بدأت السلطة عملية بناء واسعة للدولة، حيث حاولت إظهار أنها تسيطر وتقوم بوضع الأسس للدولة الفلسطينية في المستقبل.

وتحدث الكاتب عن قرار شارون الأحادي الانسحاب من غزة، والذي رحب فيه دعاة حل الدولتين، وأن هناك إمكانية لانسحاب إسرائيلي مماثل من الضفة الغربية وظهور حكم فلسطيني.

وغزة مثل جنين، لها تاريخ في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن صعود حماس للسلطة عام 2006 أدى لعزل القطاع بتعاون إسرائيلي- مصري. كما جربت إسرائيل كل التقنيات العسكرية عليه، لإجبار سكانه على الركوع. فإلى جانب سياسات تقنين مرور المواد الغذائية إلى القطاع وخنق اقتصاده، قامت إسرائل بهجمات عسكرية عادة ما وصفتها بأنها “قص العشب”، أي استخدام القوة العسكرية المفرطة لإضعاف  المقاومة الفلسطينية من فترة لأخرى، والتحكم بالسكان الغاضبين من السيطرة الإسرائيلية على حياتهم.

وجربت إسرائيل هذا النهج الذي طبقته وأحكمته في غزة على جنين الأسبوع الماضي، حيث حاصرته ودكته من الجو، ودمرت البنى التحتية للماء والكهرباء لمعاقبة السكان. وما بين الاجتياحين لجنين، تحولت حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، إما عبر مصادرة الأراضي أو هدم البيوت وتوسيع المستوطنات، وباتت مراكزهم السكانية محاطة بالأراضي التي احتلتها إسرائيل.

فمثل غزة، يمكن لإسرائيل عزل كل المراكز الحضرية في الضفة الغربية عن فضائها، كما فعلت مع جنين. ولم تعد إسرائيل اليوم بحاجة للتمويه على سياساتها خشية الانتقام الدبلوماسي أو تخفيف مواقفها ضد تهمة الفصل النهائي، فقد سمح التحول في الثقافة السياسية الإسرائيلية بعد عنف الانتفاضة الثانية والإفلات من المحاسبة الدولية التي تمتعت بها، بظهور أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل.

وبعد عقدين على الاجتياح الأول، لم يعد المسؤولون الإسرائيليون يخفون رغبتهم ببناء ما وصفته منظمة بتسيلم بأنه “نظام التفوق اليهودي” على كل المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. فقبل أقل من أسبوعين، قال وزير الأمن إيتمار بن غفير، إن على الحكومة شن حملة عسكرية وتوسيع الاستيطان، “هناك حاجة لاستيطان شامل هنا” و”يجب أن نستوطن أرض إسرائيل، وفي نفس الوقت، هناك حاجة لشن حملة عسكرية وتدمير البيوت واغتيال الإرهابيين، ليس واحدا أو اثنين، دزينة أو دزينتين بل المئات والآلاف إن استدعت الضرورة”.

ووسط كل هذا، أصبحت السلطة الفلسطينية التي تترنح فوق حطام خطط الدولة، وبدون رجعة، جزءا من بنية التمييز العنصري الإسرائيلي وتشرف على ما يشبه البانتوستانات وتساعد على إخضاع سكانها من أجل المكاسب الإسرائيلية. وخلف كل هذا السياق النامي، هناك ثابت دائم وهي قدرة إسرائيل على مواصلة استيطان المناطق الفلسطينية بدون محاسبة، وبنفس الوقت مساواة المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.

ومجرد قبول هذا التأطير الذي بات مقبولا من القوى العظمى الغربية مزعج للفلسطينيين، خاصة في مرحلة ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يتم الاحتفاء بالمقاومة ضد الاحتلال غير الشرعي، واعتبر بطولة، وقدمت لها كل أنواع الدعم العسكري والتدريب.

ويقول باكوني إن المجتمع الدولي ترك الفلسطينيين في حالة دائمة بدون دولة، وحرمهم من حق تقرير المصير والدفاع عن النفس. ففي الوقت الذي استخدم فيه المسؤولون الإسرائيليون لغة عنصرية تدعو لمحو بلدة كاملة عن الوجود، انشغلت إدارة بايدن بمحاولات دمج إسرائيل في اتفاقيات السلام الثنائية مع الدول العربية، ومواصلة اتفاقيات إبراهيم بدون أي لفتة للحقوق الفلسطينية.

ويختم بالقول إن سكان مخيم جنين وبعضهم أجبر على ترك بيوتهم فيما صار يعرف اليوم بإسرائيل عام 1948، أصبحوا لاجئين مرة أخرى. وبعض الأطفال الذين كانوا في المخيم عام 2002 أصبحوا شباب المقاومة الفلسطينية، كما يعلمنا تاريخ الكفاح ضد التمييز العنصري والعنف الاستعماري، فأبناء اليوم سيحملون بلا شك السلاح لمقاومة الهيمنة في المستقبل إلا في حالة تم تفكيك بنى التحكم.