إسرائيل اليوم دولة الحيرة.. لا خِيار.. لا قرار.. إلى أين سيُفضي المسار؟

السبت 24 يونيو 2023 01:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل اليوم دولة الحيرة.. لا خِيار.. لا قرار.. إلى أين سيُفضي المسار؟



كتب كمال خلف:

لم تشهد إسرائيل ربما منذ نشأتها حالة مماثلة من عدم اليقين كما تشهده هذه الأيام، النقاش حول المصير والمآل ليس تفصيلا عابرا، وانما له ما يبرره وما يستند عليه. وإذا كان قادة إسرائيل مدركين او غير مدركين سرعة اندفاع الدولة نحو الكارثة، بالحالتين هم لا يفعلون شيئا سوى النظر من شباك القطار منتظرين لحظة الارتطام الكبير. واذا حاولنا تلخيص المشهد الراهن اليوم في إسرائيل من خلال عناوين عامة  سنجد كل دلائل السير نحو الهاوية ظاهرة لا نتحمل حتى عناء البحث عنها، وكل ما يمكن ان نشير اليه في سياق هذا العرض من احداث ووقائع هو توصيف لمرض أصاب دولة الاحتلال الإسرائيلية قد نطلق عليه اسم ” لا خيار..لا قرار ” أي كل الخيارات غير ممكنة التنفيذ، مع عجز كامل عن اتخاذ القرار، كل ذلك يترافق مع تصعيد متعدد الجبهات، وتحديات تتعاظم دون ان تكون إسرائيل قادرة على التأثير فيها او فرملة تطورها.
وبينما كنا نتابع في الأيام الماضية تفاعلات المشروع الإسرائيلي في إقامة ” توربينات ” على ارض زراعية في بعض قرى الجولان السوري المحتل، وقد أدت تلك التفاعلات الى ردود فعل، سواء من اهل الجولان في عدم ترددهم في خوض اشتباكات مع قوات الاحتلال، او بوادر العصيان والغضب عند دروز فلسطين والبداية كانت بقطعهم الطرقات في الجليل داخل ما يعرف بالخط الأخضر. وهذا التطور يعلم قادة إسرائيل انه قد يؤثر على الجيش والشرطة ومناحي حياة أخرى داخل إسرائيل.

المهم في الامر ان إسرائيل في النهاية جمدت المشروع، فهي غير قادرة على المضي به قدما بسبب مخاطر ذلك، وغير قادرة على الغائه لان ذلك يعني هزيمة سيكون لها تبعاتها. اذا التجميد هو الحل الذي لجأ اليه قادة إسرائيل، بمعنى اخر ” لا قرار “.
وبالنظر الى ان مشروع إسرائيل يتجاوز تفصيل ” التوربينات “، وتركيب هذه المراوح في ارض محتلة أصحابها عرب سوريين، ليس سوى ستار خدمي لمشروع الاستيلاء على ملكية الأرض وتقليص مساحات العرب فيها، تنفيذا لمشروع ضم الجولان وفرض وقائع يصعب تغييرها. بالمحصلة المشروع تم تجميده، ولا بد ان إسرائيل باتت تنتظر الظرف المناسب لاعادة محاولة طرحه مجددا.
إسرائيل جمدت كذلك عمليات تجريف الأراضي في مزارع شبعا المحتلة في جنوب لبنان بعد ان تصدى أهالي المنطقة اللبنانيين لجرافاتها، ودخل الجيش اللبناني المنطقة واشهر سلاحه في وجه جنود واليات الاحتلال، وخلف هذه الصورة المباشرة لوحت المقاومة اللبنانية بقوتها، وهي اكثر ما تحسب له إسرائيل حسابا في عموم المنطقة. وليس في حالة تجريف الأرض على الحدود الشمالية نجد انعداما للقرار فحسب. انما نجد هذا النوع من انعدام التوازن و العجز في الخيارات حيال تنامي قدرات المقاومة اللبنانية على الحدود.
يتحدث بعض قادة إسرائيل عن ضرورة شن الحرب للتخلص من قدرة حزب الله وتهديده لإسرائيل، لكن يلاقي هذا الطرح محاذير حول الثمن الذي ستدفعه إسرائيل اذا ما أقدمت على تنفيذ قرار كهذا. وهناك كذلك عدم يقين في قدرة إسرائيل على تحقيق اهداف الحرب.
 ليس امام إسرائيل الا التجميد والانتظار. هو انتظار مكلف لأنه مترافق مع ازدياد مضطرد في قدرات المقاومة وبالتالي تعاظم التهديد الذي تواجهه إسرائيل.
التردد وانعدام الخيارات على الجبهة الشمالية، بدأ ينحسب على المقاربة الإسرائيلية للتعامل مع تنامي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والنقاش الدائر حاليا لدى المستويين السياسي والأمني حول اتخاذ قرار بشن عملية عسكرية واسعة شمال الضفة الغربية للقضاء على كتائب المقاومة. لم يصل هذا النقاش حتى الان الى نتائج، ومن المحتمل ان إسرائيل جمدت الذهاب نحو قرار شن العدوان في الضفة، واستعاضت عنه بما تعتقد انه حل موضعي فعال يتمثل في سياسية الاغتيالات. لكن سرعان ما سوف تكتشف إسرائيل ان هذا الحل سيأتي بنتائج عكسية وسيكون محفزا لتصاعد المقاومة، وبذات الوقت لن تكون إسرائيل قادرة على شن عملية واسعة بالضفة لانها ادركت بعد محاولة اقتحام جنين انها لن تكون نزهة وان تكاليفها ستكون باهظة. معضلة إسرائيل في كيفية التعامل مع الضفة الغربية هي ام المشكلات واخطرها، ومع فشل الخيارات الأمنية والعسكرية تتعمق ازمة إسرائيل اكثر، وباتت في موقع عدم اليقين فيما يخص مآلات ما يحصل الان في الضفة.
تنسحب حالة التخبط وعدم اليقين و التردد وانعدام الخيارات في إسرائيل على ملفات أخرى، مثل شن عدوان على ايران لوقف البرنامج النووي، هي رغبة إسرائيلية يهدد بها قادة إسرائيل لكن دون ان يكون لديهم القدرة على التنفيذ او التحرك، او ملف التطبيع مع العرب الذي سعت إسرائيل لتوسيعه، لكنها تواجه الان مرحلة نكوص مع رفض السعودية الانضمام الى المسار وفرملة الدول التي وقعت الاندفاع في العلاقات الى المدى الذي كانت تتوقعه إسرائيل. حتى في الملفات الداخلية مثل التعديلات القضائية جمدت حكومة نتنياهو القرار بعد التظاهرات الأسبوعية الحاشدة في المدن الإسرائيلية و بروز مخاطر انقسام الدولة والمجتمع.
والنتيجة التي يمكن الوصول اليها من خلال استعراض هذا الملفات على امتداد الجبهات اننا امام دولة الحيرة، والعجز، وانكار الواقع، امام دولة لا قرار.. وخيار استخدام القوة والمجازر والتدمير الذي لا تملك إسرائيل غيره في التعامل مع الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعرب وايران يجري تجريدها منه بشكل فعال. هي تحاول إدارة الوقت بانتظار لا شيء سوى التفكك والضعف.
كاتب وإعلامي