تعاني عائلة الحاجة المقدسية نورة صب لبن، منذ 45 عاماً من مضايقات المستوطنين ومحاولاتهم المستمرة للاستيلاء على منزلها في عقبة السرايا، بالبلدة القديمة في القدس المحتلة.
ورغم كبر سنها ومرضها (60 عاماً)، إلى جانب زوجها مصطفى (70 عاماً)، تعكس نورة رسالة صمود وثبات في مواجهة حملات وممارسات تهجيرها من منزلها، وكان آخرها خلال الأسبوع الماضي، حيث تسلّمت قرار الإخلاء من منزلها من “دائرة الإجراء والتنفيذ” الإسرائيلية، والتي حدّدت تاريخ 11 حزيران القادم موعداً لتنفيذه.
وعبر “آفاز” لحملات المجتمع، وهي منظمة عالمية أطلقت عام 2007، تناضل من أجل قضايا البيئة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والفساد والفقر والصراع، تحاول أن تطلق صرختها الأخيرة، على أمل وقف قرار تهجيرها.
وتقول عبر الحملة الدولية: “سيتم تهجيري أنا وزوجي من منزلنا في القدس على يد المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية خلال الأيام القادمة. لقد نجح الضغط الشعبي في تأجيل تنفيذ قرار الإخلاء حتى الآن، ونحن بحاجة إلى تدخل ممثلي كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، وتحمّل مسؤولياتهم من أجل مساعدتنا”.
وتطالب، من خلال المنصة، بالتوقيع على العريضة العاجلة الآن، حيث تقول مخاطبة العالم: “أصدقائي الأعزاء، اسمي نورة، وأنا فلسطينية مقدسية. حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجمعيات الاستيطانية تهجيرنا من منزلنا في القدس القديمة، منذ ما يزيد عن 45 عاماً. حيث قامت المحاكم الإسرائيلية، عام 2016، بمنع أبنائي وبنتي وأحفادي من العيش معي أنا وزوجي المسن في منزلنا المستأجر منذ عام 1953 قبل احتلال القدس”.
وتضيف: “اليوم، أنا وزوجي وعائلتي نعيش تحت خطر التهجير الوشيك على يد السلطات الإسرائيلية لصالح جمعية استيطانية، حيث سنخسر منزلنا لصالح المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، الذين يبذلون ما بوسعهم لطردنا منه، ولطرد أهل القدس من مدينتهم. لذا، أنا أكتب إليكم اليوم لأني بحاجة ماسة للمساعدة”.
وكان أعضاء مجتمع “”آفاز” قد وقعوا في عام 2015 على عريضة تطالب بإلغاء قرار طردها من المنزل، وساهم الضغط الشعبي المناصر لقضيتها، في حينه، في تأجيل تنفيذ هذا القرار حتى الساعة. إلا أن قوات الاحتلال والمستوطنين يريدون استئناف تهجير العائلة من القدس، ويخططون لطردها وعائلتها من منزلها، في بعد أقل من أسبوع.
وتقول: “إن أظهرنا لهم دعم الآلاف لي ولعائلتي، فمن الممكن لهذا الدعم الشعبي أن يساعدني على البقاء والصمود في منزلي”.
وتتوجه الحملة في جزء منها إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة في القدس لحثّهم على الالتزام بمسؤولياتهم، والتدخل لمنع تهجير العائلة من البلدة القديمة. وترى في أن الضغط الشعبي والعالمي هو الوسيلة الوحيدة لإقناع هذه الجهات بالتحرك.
وتقول صب لبن: “لقد سكنتْ عائلتي في هذا المنزل لعقود طويلة، وعملتُ جاهدة كي يتلقى أطفالي تعليماً لائقاً. كرَّسَ اثنان من أولادي حياتهما للعمل من أجل حقوق الإنسان، أما ابنتي فهي طالبة جامعية الآن. مُنعتُ من رؤية حفيديّ يكبران أمامي في منزل العائلة وفي مدينتنا القدس، بالقرب من الأقصى. أنا أصلي من أجل أن يحظوا بمستقبل آمن ووطن حرّ”. وتضيف: “يعتصر قلبي الألم لمجرد التفكير في احتمال تهجيرنا من منزلنا خلال الأيام القادمة”.
وسيتم تهجير العائلة من المنزل بسبب منظمة داعمة للاستيطان والاستعمار تدعى “عطيرت لوشنا”، التي تعلن صراحة عن نيتها رفع نسبة اليهود كي يصبحوا الأغلبية بين سكان القدس. حيث رفعت المنظمة دعوى قضائية تطالب فيها بطرد العائلة من المنزل، بادعاء أن المنزل وقف يهودي.
وتعمل جمعية عطيرت كوهنيم تحت “عطيرت لوشنا”، وتعني حرفيّاً تاج الكهنة، هي جمعيّةٌ إسرائيليّةٌ استيطانيّةٌ تعملُ على خلقِ أغلبيّةٍ يهوديّةٍ في البلدة القديمة والأحياء الفلسطينيّة في القدس الشرقية. وتملكُ مدرسةً دينيّةً (يشيفا) في الحي الإسلامي في البلدة القديمة من القدس.
كما يُقدّر عدد المستوطنين الذين يقطنون في المنازل التي استولت عليها “عطيرت كوهنيم” في البلدة القديمة، مُنذ إنشائها عام 1978، بألف مستوطن، حيث تركّز نشاط الجمعيّة في العقديْن الأخيريْن في سلوان أيضاً، وذلك بالتحالف مع جمعيّة ألعاد.
ويعتبر رجل الأعمال الأمريكيّ إيرفينغ موسكوفيتش وزوجته من أبرز المتبرعين للجمعيّة.
وأصدرت المحاكم الإسرائيلية قراراً بالإخلاء لصالحهم، بناءً على شهادات زور قدّمها مستوطنون إسرائيليون أعماهم الحقد والكراهية والعنصرية تجاه أهل القدس، أصحاب هذه الأرض، وهم يهدفون إلى إحكام قبضتهم على الحي الذي يقع فيه المنزل والقدس عموماً.
وتضيف الجدة المقدسية في رسالتها: “عشت حياتي وأنا أشاهد عائلتي وجيراني يُبعدون من القدس نتيجة التعاون بين المستوطنين والمؤسسة السياسية الإسرائيلية والأحكام القضائية المجحفة. لقد قررت أن أصمد في منزلي وأنا بحاجة لمساعدتكم كي أبقى، فانتصاري سيكون للقدس وأهلها جميعاً”.
ويقع منزل عائلة غيث-صب لبن- على بعد عدة أمتار من المسجد الأقصى، وهو مستأجر من المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 1953، ويخضع للإجارة المحمية.
وفي عام 2010 ادعت “جمعية جاليتسيا الاستيطانية” أن منزل العائلة هو وقف يهودي، وعليه قررت محاكم الاحتلال إنهاء الإجارة المحمية للعائلة وإخلاءها من المنزل، وسبق ذلك جلسات عديدة وقرارات مختلفة، بدأت في ثمانينات القرن الماضي، في محاولة لانتزاع ملكية المنزل.
وفي سابقة حدثت مع العائلة عام 2016، أصدرت ما تسمى المحكمة العليا قراراً يقضي بمنع تواجد الأبناء والأحفاد فيه، “بهدف منعهم من المطالب بحق الحماية كجيل ثالث”، مع بقاء الزوجين فيه لمدة 10 سنوات “لعام 2026″، لكنهم فوجئوا عام 2018 بملاحقة وقضية إخلاء جديدة انتهت بقرار إخلاء نهائي، وتحديد دائرة الإجراء الموعد لذلك.
وتعيش عائلة صب لبن في بناية ضخمة، تم الاستيلاء عليها، خلال السنوات الماضية، “بيتاً تلو الآخر”، حتى باتت العائلة وحيدة داخل بؤرة استيطانية، تتحمل المضايقات والاستفزازات اليومية، في سبيل الحفاظ على حقها فيه.