حماس السلطة وحماس المقاومة …جميل عبد النبي

الخميس 18 مايو 2023 01:16 م / بتوقيت القدس +2GMT



.
طوال الأيام الخمسة للتصعيد الأخير وفكرة هذا المقال تضغط على أعصابي، لكن، ولأنني ألزمت نفسي بألا أخوض في أي جدال خلال أي عدوان، وأن ألتزم فقط بما من شأنه تثبيت عزائمنا، أو الصمت على الأقل، فقد قررت أن أؤجل الكتابة، ليس لأنني أوافق- من حيث المبدأ- على انعدام الحق في النقد، أو الاعتراض على الحرب، حتى أثناء اشتعال نيرانها، فالشعوب الحية لا تتخلى عن واجباتها في مراقبة سلوك حاكميها، ومتنفذيها، بغض النظر عن طبيعة اللحظة، بل تخرج- إن شاءت- لتقول: لا للحرب، حتى وإن كانت جيوشها تواجه عدوها في الميدان، حتى فيما يُسمى إسراا ئيل شهدنا مثل هذه الأصوات المعارضة للحرب خلال الجولة الأخيرة، دون أن تتعرض لحملة تخوين، أو شيطنة، لكن، ولأننا لا زلنا تحت الاحتلاا ل، ولأننا جميعنا يؤمن بمبدأ المقاا ومة، ونؤمن أننا الجهة المعتدى عليها، حتى وإن بدونا كمبادرين لأي مواحهة، حيث مجرد وجود الاحتلاا ل هو اعتداء مسبق ودائم علينا، وأي فعل يصدر من طرفنا هو في سياق الدفاع عن النفس، ورد العدوان،،، لأننا نؤمن بهذا نكفّ، ونتنازل عن حقنا الطبيعي في المعارضة خلال العدوان، حتى ولو كان لنا وجهة نظر مخالفة حول شكل، وآلية مقاا ومة الاحتلاا ل.

الآن وقد انتهت الجولة فإننا متمسكون بحقنا كمواطنين شركاء في الدم، والوطن، والكلفة، وتبعات أفعال المتنفذين، فإننا تلقائياً نعيد التفكير في كل التفاصيل، مع قناعتنا- للأسف- أننا كمواطنين آخر من يمكن للمتنفذين أن يستمعوا إليهم، فنحن وقود الحرب والسلم، ومجرد أرقام نُستخدم لجلب الدعم، أو التعاطف، لكننا أبعد من أن يُعترف بنا كناضجين، قادرين على التفكير، حيث لا يفتي أهل الدثور لأهل الثغور..!! ونحن وإن كنا تحت النار، وتحت القصف، والمتحملين الحقيقيين لكل التبعات، نحن أهل دثور، يُنظر إلينا بازدراء، حيث نحن أقل من أن نبدي رأياً، وإن سُمح لنا بإبداء الرأي، فلمجرد تجميل الصورة الخارجية للمشهد، حيث ستبدو الصورة الخارجية للمشهد وكأنها تفسح للمخالفين قول ما يريدون، عملاً بمبدأ حرية الرأي، إلا أن الحقيقة لا علاقة لها باحترام حرية الرأي، بقدر ما هي تطوير لشكل جديد من أشكال التفرد، هذه المرة لا يأخذ شكل منعنا من مجرد الحديث، إنما، قولوا أنتم ما شئتم، وسنفعل نحن ما نريد، فالكلاب تنبح، والقافلة تسير..!!

عادتي المملة دفعتني للإطالة قبل الدخول في موضوع العنوان.

شخصياً كنت أتمنى ألا تشارك حماا س في المعركة، وأحمد الله لأنها لم تشارك، حيث لا أخفي عدم إيماني بوسيلة الحروب، والمواجهة المباشرة مع إسراا ئيل في المقاا ومة، وأتفهّم أن وجود حماا س في السلطة- وأقصد سلطة غزة- يفرض عليها معادلة مخنلفة، كأيّ سلطة تحت الاحتلاا ل، فهي الآن مسئولة عن بلد، بمواطنيه، ومصالحه، وأزماته، حتى وإن تهربّت هي من بعض مسئولياتها، بتحميلها المسئولية لجهات أخرى غير حاكمة في غزة، لكنها هي المسئولة، شاءت، أم أبت، ودخولها سيوسّع كثيراّ من دائرة الاستهداف، وكالعادة سيكون دون نتائج حقيقية على مستوى التحرير، لذا فإنٔ كان عدم اشتراكها مبني على تقديرها وفهمها لطبيعة وجودها في سلطة تحت الاحتلاا ل، فإنني شخصياً أعتبر موقفها شكلاً من أشكال النضج السياسي، غير العننري،،، هذا هو منطقي أنا، وفهمي أنا، لكن هل حماا س تفكر فعلاً بهذه الطريقة، ومستعدة لتصويب أخطائها التي ارتكبتها قبل وصولها إلى هذه القناعة؟ فهي مثلاً لم تكن تقبل هذا الموقف من السلطة الفلسطينية، حينما كانت هي لا تزال في المقاا ومة، وكان هذا مدعاة لتخوين السلطة، وشيطنتها، وما كانت مستعدة لمجرد التفكير بأن تكون مقاا ومتها بالتنسيق مع السلطة في حينه، ولا أن تراعي أي تبعات لصواا ريخها، التي كانت تجلب دائماً استهدافاً لمقار السلطة، ومواقعها، ثم تطور الأمر إلى حد ذهابها للسيطرة الكاملة بقوة السلاا ح على غزة، في عملية أطلق عليها رئيس مكتبها ااسياسي السابق السيد خالد مش..عل، بالعملية الجراحية الضرورية، فهو كان قرارها هي، اتخذته بكامل وعيها، ونحن نعلم جميعاً تبعات هذه الخطوة من الانقسام، والتنصل الإسراا ئيلي من التزاماته، وإضعاف التمثيل الفلسطيني، هذا ناهيك عن نفق غزة المظلم الذي أدخلتنا فيه، والمتمثل في انعدام الحياة، لانعدام القدرة على توفير متطلباتها.

ليست المسألة متعلقة فقط بالتاريخ القريب لسلوك حماا س، بل حتى سلوكها الحالي في الضفة، ودعوتها المستمرة لعناصر الأمن هناك للانخراط المباشر في المواجهة، وهي تعلم يقينا ً تبعات هذا الانخراط على وجود السلطة ذاته، وعلى مصالح المواطنين هناك.

هنا تكمن مشكلة السؤال، أو عدم تفهم هذه الازدواجية في المواقف، فحينما تكون خارج السلطة لا تبدي استعداداً لمراعاة واقع السلطة، وحينما تكون في السلطة تتجاهل مواقفك القبل سلطوية، وتتبنى مواقفاً اتخذتها ذريعة لتخوين غيرك، وخضت بسببها حرباً داخلية، قصمت ظهر الكينونة الفلسطينية، والتمثيل الفلسطيني.

أنا شخصياً أرحّب بتطور الوعي السياسي، إن كان فعلاً تطوراً في الوعي، لكن حتى أصدق ذلك فعليك أن تعيد تصويب أفعال قمت بها في لحظات ما قبل النضج، كما ألا تحاول أن تتجاهل منطقك الجديد عند محاولتك للتأثير في مناطق لا تحكمها.

مشكلة حماا س في هذه النقطة أنها تبيح لنفسها ما لم تبحه للآخرين سابقاً، ولا تبيحه حالياً لغيرها، وهذا ما لا تستطيع حماا س إخفاءه على المواطن الفلسطيني، حتى وإن بحثت عن عنوان جديد لتبدل المواقف، كزعم مراكمة القوة لمعركة التحرير..!! والتي تعرف حماا س، ونعرف نخن، وتعرف هي أننا نعرف أن أقصى ما يمكنها مراكمته لن يصل إلى ما يمتلكه أضعف جيش في المنطقة، وأن فكرة التحرير بالمواجهة المباشرة تحتاج لأن تكون أقوى عسكرياً من محتلك، وحلفاؤك الجاهزون للقتال معك، أقوى من حلفاء إسراا ئيل الجاهزون للقتال معها، ما يعني أن فكرة المراكمة الحالية تشبه فكرة التربية القديمة التي سبقت دخول حماا س على خط المقاا ومة العسكر..ية مع إسراا ئيل، لكنها ولعلُوّ الشجرة التي اعتلتها من خلال ضخامة شعاراتها- كتهديدها مثلاً بعدم السماح لإسراا ئيل بتكرار مشاهد اجتياحها للقدس-  لا تستطيع أن تُعلن صراحة ما اكتشفته مؤخراً عن طبيعة القضية الفلسطينية، والذي بالمناسبة اكتشفه غيرها قبلها، لكنه كان سبباً لتخوين هذا الغير من طرفها.

كما نقول دائماً: للحديث ألف بقية، إن بقي في العمر بقية، وفي العزيمة شيء من الإرادة.
تحياتي.