تجزئة الوطن العربي إلى دويلات عرقية وطائفية هدف غربي صهيوني..

الأحد 23 أبريل 2023 02:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
تجزئة الوطن العربي إلى دويلات عرقية وطائفية هدف غربي صهيوني..



كتب حماد صبح:

“إن هنالك وطنا واحدا للعرب عائدا لهم ، وليسوا غرباء فيه ، ألا وهو الجزيرة العربية . أما بقية البلاد التي يقيمون فيها الآن فليسوا سوى محتلين لها ، مسيطرين عليها ، يقيمون فيها امبراطورية مغتصبة ، ويستنكرون بكل وقاحة الحقوق الطبيعية للشعوب التي لها الحق الشرعي في هذه المنطقة قبل الاحتلال العربي ، والتي أصبحت الآن شعوبا وطوائف لاجئة في الشرق الأوسط ، لها كل الحق في تقرير المصير والاستقلال السياسي . وهنالك عبء من الحقوق أو الواجبات ملقى على كل الإسرائيليين كي يقدموا يد العون إلى المتعفنين في عبوديتهم داخل السجن العربي .
 لذا يجب إيجاد لغة مشتركة وطريق عمل واحدة مع الأكراد في العراق والدروز في سوريا والزنوج في السودان  والموارنة في لبنان والأقباط في مصر، وسائر أبناء الشعوب والديانات التي تحارب سوية من أجل التحرير والاستقلال. إن من العدالة والنزاهة والحكمة السياسية أن تعمل إسرائيل على التفكيك التام للإمبراطورية التي تعتبر آخر إمبراطوريات الماضي التي انتهت في عصرنا”.
الاقتباس السالف الطويل نسبيا من كتاب ” الصراع لماذا؟ وإلام؟ “للصهيوني ديفيد كاما، ويمثل جوهر الهدف الغربي والصهيوني في الوطن العربي، وهو تجزئة هذا الوطن إلى دويلات عرقية وطائفية تسهل السيطرة عليها من الطرفين ، وتكون إسرائيل أقواها بعد تمددها الجغرافي الذي تخطط له وتحلم به. وهو امتداد خطير طموح لاتفاق سايكس _ بيكو في 1916 بين بريطانيا وفرنسا الذي تقاسمتا فيه الشام والعراق ، ومهد لوعد بلفور في 1917 ، وانتداب بريطانيا على فلسطين في 1922 الذي سهل تنفيذ ذلك الوعد الدنيء الباطل. ولم تتخلَ السياسة الغربية الاستعمارية التي انضافت إليها السياسة الإسرائيلية الصهيونية بعدئذ عن ذلك الهدف . جزأت بريطانيا جزيرة العرب إلى ست كيانات  قبلية ، ونبذت اليمن وحيدا فقيرا مستأثرة بجنوبه حيث ميناء عدن الذي يصلها بمستعمراتها في آسيا.

ونجح المخطط في محاربة كل مسعى لتوحيد أي عدد من الدول العربية، وحقق نجاحا كبيرا في 2011 بفصل جنوب السودان عن شماله، وها هو يضرب بقوة فيه بالاقتتال بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وبين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ، وأحداث القتال تنذر بنجاحه ثانية، وفي هذه المرة يستهدفون تقسيم الشمال إلى أربع دويلات في دارفور والوسط والشرق والشمال ، وحركة اليد الإسرائيلية واضحة في الأحداث ذاتيا وبواسطة الإمارات. ولحميدتي وللبرهان علاقات مع إسرائيل مخابراتٍ ودولة، وزارها عبد الرحمن أخو حميدتي في 9 أكتوبر 2021 .
وفي المخطط تقسيم مصر إلى خمس دويلات ، منها دويلة سيناء التي لو ظهرت للحياة _ لا سمح الله _ ستكون تحت جناح إسرائيل تهيئة لضم شبه الجزيرة إليها لتكون جزءا من إسرائيل الكبرى المأمولة من النيل إلى الفرات . وحاولت إسرائيل إنشاء تلك الدويلة مبكرا في 1968  بعد احتلالها سيناء في يونيو 1967 ، واختارت سالم الهرش شيخ قبيلة البياضية لرئاستها ، وكان اختيارها غبيا ضالا ، فالرجل وطني صميم ، اتصل بالمخابرات المصرية ، وأطلعها على خطة إسرائيل بقيادة وزير دفاعها يومئذ موشيه ديان ، فرسمت له المخابرات خطواته للتظاهر بالموافقة  على  الخطة وإيصالها إلى نهاية تخيب أمل  إسرائيل وتصعقها ، وهذا ما كان . في 31 أكتوبر 1968 حشد ديان أطقم الصحافة العالمية لإعلان تلك الدويلة على لسان رئيسها المقدر سالم الهرش ، فأطلق سالم الخيبة  والصعقة في عنف انفجار قنبلة هائلة  بإعلانه أن أهل سيناء مواطنون مصريون لا يخونون وطنهم الذي هم جزء متأصل الجذور منه.
 وفي المخطط الشيطاني الأثيم تجزئة بلاد الحرمين إلى أربع دول ، واقتطاع شمالها وإلحاقه بإسرائيل الكبرى . أعداؤنا المصيريون يحلمون ويعملون للوصول لأحلامهم التي هي دمارنا بشرا وعقيدة وعمرانا ، ومنا من يتواطأ معهم ، ولولا هذا التواطؤ الذي ترافق مع حلمهم منذ بدايته لما أنجزوا شيئا بما في هذا ظهور إسرائيل نفسها . ونظرة في حلمهم تطلعنا على وفرة عيوبه وثقوبه وبواطله . فالوطن العربي بكل مكوناته العرقية والطائفية أكثر تجانسا من إسرائيل ومن أميركا .
أكثرية هذا الوطن مسلمة ، ولها لغة قومية يتكلمها ويتعلمها ويقرأ ويكتب بها مواطنوه ، ومسيحيوه في جملتهم عرب أقحاح خاصة عرب الشام . هم أحفاد الغساسنة الذين هاجروا من اليمن قبل الإسلام عقب انهيار سد مأرب في حادث السيل العرم . وفي العصر الحديث كان مسيحيو الشام صوتا عروبيا هادرا صادقا . نسمع الشاعر المهجري جورج صيدح يعرف هوية العروبة : ” إن العروبة يا بلابلها = روح على كف الفتى ودم ” ، وتعريفه دعوة حارة مخلصة للتضحية من أجلها . ويهتف شاعر القطرين خليل مطران معتزا بالانتماء للأمة العربية انتماء الأبناء للأمهات والآباء : ” يا أمة العرب التي هي أمنا = أي الفخار نميته ونماك ؟! ” .
والإسلام يوحد قلوب ملياري مسلم ، ويوجههم إلى أنهم إخوة ” إنما المؤمنون إخوة ” ، ويقدم أخوة الإيمان على أخوة الدم والنسب . ومن بهلوانيات إسرائيل المهترئة  حتى مع الفلسطينيين أنها تقسمهم إلى عرب وبدو ومسيحيين ودروز كأن البدو والمسيحيين والدروز ليسوا عربا في الوقت الذي تدعي فيه وحدة أكثر من مائة عرقية من مستوطنيها يختلفون في كل شيء حتى في لون وجوههم وشكلها. ما الذي يجمع بين الفلاشا الأفريقي   الأسود ابن الصحراء الحارة اللافحة والروسي الأوروبي المفرط البياض ابن الثلج ؟! لا شيء سوى الأمل في معيشة أحسن من البلد الذي هاجر منه.
 وقل ما هو أكثر من هذا عن أميركا. ولنعترف بفضل سوريا في هزيمة مخطط تقسيمها إلى خمس دول الذي استهدفته حرب الأعوام الاثني عشر التي لا زالت نهايتها  تتلكأ في الاندثاروالاندفان  ، ولنعن سوريا في هذه المهمة المصيرية العظمى .سوريا حمت مصير العرب الذين شاركوا أميركا والغرب وإسرائيل في مؤامرة تجزئتها ؛ بتحطيمها تلك المؤامرة ، وإنه لإنجاز تاريخي عظيم صنعته بدمائها وآلامها وصبرها عديم الشبيه على أهوال وويلات تلك المؤامرة المجرمة . أعداؤنا يعملون معا ضدنا ، فلنعمل معا ضدهم حماية لأنفسنا ، والمعية هذه عربية وإسلامية . هؤلاء الأعداء يستهدفوننا عربا ومسلمين بعداوتهم المهلكة .