إضراب المعلمين واستحقاقات الحكمة: العودة الكريمة والنبيلة للمدارس..

السبت 15 أبريل 2023 02:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
إضراب المعلمين واستحقاقات الحكمة: العودة الكريمة والنبيلة للمدارس..



كتب تحسين يقين:


ليكن ضميرنا ذا شعار جميل "رابح رابح، لا خاسر ولا خسران".
أكتب هذه الكلمات لا كمقال ولكن ربما كرسالة، وإن لم يكن بصيغة الرسالة التقليدية، على أمل أن يقرأ المعلمون والمعلمات والأهالي، ولعلها قراءة هادئة غير منفعلة.
"كل شي يزيد عن حدو بتحول ضده"!
من المؤكد أن هذا المثل لم يأت من فراغ، تلك هي حكمة الأجداد. و"الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها".
أحب جداً المثل الشعبي "الوجي (الوجه) بيجيها وجي". كيف يعني؟
لكن سيصعب علي المزيد، ونحن نتحدث في حضرة المعلم صاحب الرسالة، فمجتمعنا، ونحن تعلمنا تقدير المعلم، كون المعلم لفترة طويلة كان إمام المسجد، بل وكانت تناط به مهام تنويرية للمجتمع، وتقديم خدمات لها علاقة باللغة قراءة وكتابة.
ولأن المعلم وجه مجتمعنا العلمي، والوجه الجاد والأخلاقي، فإن له مهابة، وفي هذا السياق، فإنه من الموضوعي والإنصاف أن الخطابَين المجتمعي والحكومي الرسمي هنا، ما زالا يذكران المعلمين والمعلمات بمزيد من التبجيل والاحترام.
لذلك، فإنني يومياً أجد المعلمين يؤثرون فعلاً، بما وهبتهم مهنتهم الاستثنائية من ميزة، أن يحققوا تجليات هذا المضمون النبيل، وإنني وأبناء وبنات شعبنا ندرك شوقهم للتعليم.
لسنا - ويعلم الله القصد - في طرف مقابل طرف، وأظننا مع الطرفين، ومع شعبنا، لذلك، سنحتاج جميعاً معلمين وموظفين وأسر وحكومة، إلى المزيد من الحكمة، وإلى المبادرة بفعل نبيل، فما زال النبل والخير في الناس.
إذا صعد كلانا على الشجرة، فمن سينزلنا إن وجدنا صعوبة في النزول؟ ومن اختبر تسلق الشجر يعرف ذلك، وقد خبرته، ففي مرة ناديت على أخي الأكبر، فساعدني، وفي مرة تسحّبت نزولاً، لكني اضطررت للقفز بمسافة أوجعتني، أما بعد ذلك، فقد تعلمت جيداً ضمان النزول الآمن.
كنا أطفالاً ذات يوم نتسلق الشجر إما "لقحف دحو"، أي السطو على عشّ، أو الاطمئنان على البيض والفراخ، وإما "لنلقط" حبات المشمش أو التوت أو التفاح السكري. وكما كنا نتسلق الأشجار أحياناً لتلبية حاجة الطفولة في التجريب، وهنا أتذكر تسلقي لبعض الأشجار الكبيرة، وكيف وقتها منحت فرصة الرؤية من فوق، كانت تلك تجربة الإبصار من علو. تبعها تسلقنا لسلم مئذنة مسجد قريتنا بيت دقو، وأذكر أنني خفت جداً من مجرد النظر، فهبطت خائفاً إلى الأرض، لكن زال الخوف حين تكرر تسلقها. ثم كان أن زرنا مستشفى عالياً ذات نهار، فعاد الخوف من النظر تحت، ثم كانت تجربة الطيران، وأظنني كتبت عنها مراراً في أدب الرحلة، كما صعدنا أبراجاً في مصر والعراق، وناطحة السحاب في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة.
المغزى، أن الرؤية من فوق تمنح الرؤيا أيضاً، هناك نستطيع رؤية المشهد تماماً، وهكذا فإنه في عالم البشر، في التعامل مع أي أزمة، فإن كل من يبادر إلى الحل، يكون قد ارتقى فعلاً إلى الرؤية - الرؤيا، التي تمكننا من البصر بعقولنا وقلوبنا.
حتى وإن تشابهت مضامين الوساطات المجتمعية والوطنية، وآخرها ما تقدمت به حركة "فتح"، بلسان أمير السر الأخ جبريل الرجوب، فإنها جميعاً قامت على احترام المعلمين مادة يداً كريمة لهم. ولعل "فتح" بما تمثله، قادرة فعلاً على ضمان تنفيذ الشق المالي المتبقي، في الوقت الذي أجمع المسؤولون على ضرورة دمقرطة اتحاد المعلمين، فلم يتبق سوى بضعة أشهر على موعد الانتخابات.
كل يوم يمر دون استجابة المعلمين للعودة نخسر جميعاً، بمن فيهم المعلمون الأعزاء والمعلمات العزيزات، من النيل من أسرة المعلمين داخل المدرسة الواحدة، كذلك تناقص أعداد المضربين، لذلك فالحكمة، ولعلها النصيحة الأمينة لمن بقي مضرباً هي وقف الإضراب، سيما أن المطالب تحققت، كذلك فقد كان الإضراب في جزء منه غضباً وردود فعل على الخصم، والآن وقد هدأت النفوس، فقد آن العودة بكل أريحية وتسامح.
هل أخاطب المعلمين برسالة وهم أهلها؟ إنهم فعلاً أهلها، إنهم من نلقي لهم بأولادنا فلذات أكبادنا. وهم من يقومون في الدرجة الأولى بتشكيل الأجيال فكرياً.
"الكفر عناد"، والإيمان عقل، وبينهما مستويات، ونحن إنما نطمح لفضيلة العقل، والضمير، حتى نجتاز هذه الأزمة.
ليس من المناسب أن نكسر بعضنا بعضاً، الآن ثبت الحق المالي، المضمون حكومياً، ووطنياً من خلال حركة "فتح"، التي لن تقبل إلا بتنفيذ الاتفاق، لأن غير ذلك سيؤثر على هيبتها.
نريد ونطمح أن تكون النتيجة "رابح رابح"؛ حتى نستأنف العملية التعليمية، ولتتابع الحكومة باقي مسؤولياتها بأريحية، لأن هناك جوانب مهمة أيضاً نشتبك معها، من أجل الارتقاء بالخدمات، دون أن تغض عيون قلوبنا عما يجري هنا على الأرض.
الخسارة تجلب خسارة، وهذا سر وصول أصحاب المشاريع الاقتصادية حد الإفلاس، والحكيم من يلتقط الحكمة، فيوقف أولاً الخسارة، ثم يبدأ رحلة زيادة الربح ولو على فترة زمنية قد تطول؛ فما بين أيدينا الآن من سلطة وطنية، فرصة فعلاً لتقويتها ونحن ذاهبون إلى كيان سياسي مستقل اقتصادياً، سينجينا إستراتيجياً من التبعية الاقتصادية للهيمنة الاستعمارية هنا.
الربح يأتي بالربح: عودة من بقي مضرباً، عودة كريمة، تعيد ما كان إلى طبيعته، ونتعاون كشعب وحكومة على "حلحلة" أمورنا مع الأطراف المانحة المتعاقدة بشكل خاص على تأسيس السلطة الوطنية الانتقالية، ساعين بدعم كثيرين لتعديل بنود اتفاقية باريس الاقتصادية، وأظننا سنستعيد ما لنا من مال لدى حكومة الاحتلال، فليس أمام إسرائيل أخيراً إلا الاستجابة لذلك، في ضوء تحملها استحقاق أي تفاهمات ممكنة. والأهم، وهذا دور النقابات والفصائل، أن نسعى إلى تحقيق إصلاحات مالية وإدارية جذرية، تتضمن إيجاد جسم رقابي على المال العام ريثما يتم تنفيذ الانتخابات القادمة.
لست خبيراً مالياً، ولكن ينبغي قراءة ما ورد من وزارة المالية بدقة وفهم ومسؤولية، ثم مساءلة جادة، لنكون جميعاً معاً، فلا يعقل استمرار الاتهامات.
الآن، وغداً الأحد 16/نيسان، وفي أواخر هذا الشهر الفضيل، يبادر المعلمون والمعلمات إلى العودة؛ لإنقاذ العام الدراسي، وتسهيل تقديم امتحان الثانوية العامة، بل والتخطيط لكيفية تعويض الفاقد التعليمي، بأن تتم مراعاته في العام الدراسي القادم. والمعلمون فعلاً قادرون بخبرتهم على ذلك.
ما أرجوه أولاً وأخيراً توخي الحكمة من مجموع المعلمين المضربين، دون وجود مظلة نقابية قانونية ترعاهم، كذلك مرجعيتهم المهنية والقانونية، تسريع الحوار من خلال أولياء الأمور وحركة "فتح"، وفصائل العمل الوطني والإسلامي، وكذلك حزب التحرير، لأن مهما أخفينا من مقاصد، فإن التوجهات السياسية الناقدة للسلطة موجودة، أي أن التسييس موجود ولو بقدر غير حاسم.
وأرجو ويرجو معي كثيرون أن نرتقي في تعليقاتنا على أي بيان أو رسالة من أي طرف؛ فالنزيف الأخلاقي سيصيبنا في مقتل.
هدانا الله جميعاً لطريق الحكمة، ووقانا الله شرّ الفتن.
ولنقم دوماً للمعلم نوفه التبجيلا، لأنه فعلاً يستحق ذلك وهو بهذه الروح النبيلة.

Ytahseen2001@yahoo.com