بعد وصول حمزة وسوناك في اسكتلندا وبريطانيا: ماذا بقي من “صِدام الحضارات”؟

الجمعة 31 مارس 2023 03:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
بعد وصول حمزة وسوناك في اسكتلندا وبريطانيا: ماذا بقي من “صِدام الحضارات”؟



كتب د. جمال الشلبي:

مع وصول السيد حمزة يوسف “المسلم” الباكستاني إلى رئاسة الوزراء الاسكتلندية في27 آذار/ مارس 2023، وقبله ترأس ريشي سوناك “الهندوسي” من أصول هندية مجلس الوزراء البريطاني منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من الممكن أن تبقى نظرية “صدام الحضارات” التي بشر بها عام 1993 عالم السياسة الأمريكي الشهير صمويل هنتنغتون في كتابه الذي يحمل نفس النظرية قائمة وحية لدى النخب السياسية الغربية وشعوبها؟!
فعلى الرغم من الصعود المتصاعد لليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام والغربية منها بشكل خاص في فرنسا، وإيطاليا.. وغيرها إلا أن الملاحظ بأن الغرب”الأنغلوسكسوني” يعاكس هذا التوجه وهذا التيار؛ فقبل اختيار رؤساء وزراء من أصول هندية وباكستانية في بريطانيا هناك الولايات المتحدة الأمريكية التي أختارت باراك أوباما “المسلم الأسود” الكيني الأصل رئيساً لها عام2009!

ان هذا التحول في اختيارت الشعبين الاسكتلندي والإنجليزي لقياداتها من عناصر أسيوية ملونة وعقائد مختلفة لأول مرة في تاريخها سيكون له ارتدادت كبيرة وعميقة ليس فقط على المستوى الوطني لهذه الدول بل وأيضاً على المستوى الأوروبي من ناحية وعلى المستوى العالمي من ناحية ثانية. فهذه الاختيارات للشعبين الاسكتلندي والإنجليزي لها العديد من المعاني والدلالات وحتى الدروس السياسية والحضارية للجميع، وهي:
الأول: أن الديموقراطية الحقيقية ما زالت تعمل بشكل فعال في الدولتين المتصارعتين بـ”نعومة” حول استقلال استكلندا”الأبنة”عن بريطانيا “الأم” من عدمه.
ثانياً: أن فكرة “صدام الحضارات” تجاوزها العقل، والمصلحة، والرؤية الإنسانية لدى “الشعوب الحية”، وأن هذه الفكرة ليس لها دور أو قيمة أو تطبيق إلا في عقل صاحبها ” هنتغتون” حتى ولو اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية لجورج بوش الابن لتبرير غزوها لافغانستان والعراق، وان النخب السياسية والرأي العام من  المقترعين في الغرب لا يرونها “بوصلة” لهم بتاتاً.
ثالثاً: ان العالم “الانغلو سكسوني” يختلف  كلياً عن العالم “اللاتيني” التقيليدي في جنوب أوروبا في فهمه وممارسته للديموقراطية وقيمها: فمن المستبعد جداً، على سبيل المثال، أن نتخيل رئيس أو رئيس وزراء في فرنسا ملون أو يعتنق الإسلام، والحال نفسه ينطبق على دول مثل: إيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا. ..وغيرها.
عملياً، لقد اسقطت الصراعات في داخل الحضارة الواحدة، والدين الواحد، والعرق الواحد “نظرية صدام الحضارات” كما هو الحال في اليمن، والعراق، وسورية، وليبيا في ظل ما يسمى بـ ” الربيع العربي” عام 2011، أو ما يحدث اليوم في “الصراع الروسي الأوكراني” اللذان يعودان إلى نفس العرق(سلاف)، ونفس المذهب(أورثوذكس)، ونفس التاريخ (القيصرية الروسية)، وان كان هذا لا يعني، بالضرورة، “برأة الغرب” من دفع أوكرانيا من استفزاز روسيا، بشكل أو بأخر، للوصول إلى ما وصلنا إليه الآن من حرب مدمرة قد تكون العالم بأسره للمجهول.
وإذا كان صحيحاً أن العلاقة العربية الغربية قد شابها حالة من التوتر والصدام والشك منذ أحداث11/ سبتمبر2001:، لا سيما بعد بروز “الأسلام السياسي” كفاعل عنيف في السياسة الدولية وانعكاس ذلك على علاقة الغرب بالشرق وخاصة الإسلامي منه، فإن ذلك لم ينمع الولايات المتحدة الأمريكية أن تختار الرئيس باراك أوباما” المسلم الكيني” رئيساً بعد 8 سنوات.
  وتبقى التساؤلات:
هل “صدام الحضارات” أو صدامها ان وجد “قدر” لا يمكن تجاوزه؟ ألم تغير التحولات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية عبر”بوابة العولمة” مفهوم العلاقات بين الدول والشعوب؟
تاريخياً: ألم تكن السلطنة العثمانية مع دول “المحور”: المانيا واليابان في حين وقف العرب مع دول “الحلفاء” في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية المسلمة؟
إذاً، أين “التحزبات الحضارية” في كل هذا؟
 والشي المهم، هل يُعقل أن التداخل  البشري والإنساني الحاصل عبر أصقاع العالم لم يخلق “جسر” لتلاقي الشعوب والحضارات؟
فقط للإجابة سريعاً عن السؤال الأخير، يمكن القول بأن عدد المهاجرين الذي يعيشون في أوروبا من كافة أصقاع العالم يقدر بـ حوالي 70.6 مليون نسمة. ومعظمهم قدموا، بشكل خاص، بعد الحرب العالمية الثانية {من المغرب العربي إلى فرنسا، ومن تركيا إلى ألمانيا، ومن شبه الجزيرة الهندية إلى بريطانيا}. ومنذ 70 القرن المنصرم تحولّت إيطاليا وإسبانيا من دول يهاجرون منها إلى دول يهاجرون إليها {هناك مهاجرون من الشرق الأوسط، والصومال، وليبيا ..وغيرها}.
وتشير الدراسات إلى وجود حوالي تسعة ملايين مهاجر تركي، وخمسة ملايين مهاجر عربي، وخمسة مليون مهاجر أفريقي، ومليونين أرمني، ومليون باكستاني..وغيرهم في القارة الأوروبية.
من جانب أخر، طالعتنا الأخبار القادمة من الولايات المتحدة الأميركية في 25 آذار/ مارس أن السورية ناديا القحف “أقسمت على القرآن كأول سورية محجبة تبدأ بممارسة أعمالها كقاضٍ رسمي في أمريكا”.
وفي فرنسا التي تواجه هذه الأيام أزمة تذكرها بـ”أزمة 1968″ هناك أسماءعربية لعبت دوراً بارزاُ في الحياة السياسية والثقافية والرياضية نذكر منهم على سبيل المثال: رشيدة داتي المغربية الأصل، وأول وزيرة عربية في الحكومة الفرنسية، إذ استلمت وزارة العدل في ظل حكومة نيكولا ساركوزي يمين الوسط عام 2008. وهناك أيضاً نجاة فالو بلقاسم المغربية الأصل وزيرة حقوق المرأة، والمدينة والشباب والرياضة والناطقة باسم الحكومة الفرنسية الاشتراكية مع حكومة فرانسوا هولاند عام 2012.
وهل ننسى زيد الدين زيدان الجزائري الأصل الذي قاد فرنسا لكأس العالم عام 1998 تحت نظر الرئيس الراحل جاك شيراك ليصبح “أيقونة” الرياضة الفرنسية، والحال كذلك مع كريم بن زيمة،..وغيرهم.
 وبعيداً عن اختيار{حمزة وسوناك} في اسكتلندا وبريطانيا، يمكن العودة قليلاً للوراء؛ أي لعام 2016 عندما تم اختيار” المسلم” الباكستاني صادق خان “عمدة” لمدينة الضباب البريطاني” لندن” عن حزب العمال البريطاني الذي علق على اختياره قائلاً: “أنا فخور بأنني مسلم”. ويعقّب قائلاً: “لكن العظيم في هذه المدينة هو أنك تستطيع أن تكون لندنياً من أي معتقد أو بلا معتقد، ونحن لا نتقبل بعضنا فقط، بل نحترم بعضنا ونحتضن بعضنا ونحتفي ببعضنا؛ هذه إحدى المزايا العظيمة للندن”.
فهل يمكن القول بعد كل هذه التحولات في المشهد السياسي والرياضي والاجتماعي في الغرب بأن صدام الحضارات أو صدامها يعبر عن كل المشهد الإنساني والحضاري للشعوب؟
لكن بالمقابل، ألا يوحي صعود اليمين المتطرف بأشكاله المختلفة في أوروبا بأن “صدام الحضارات” قد انتقل من صدام “بين الدول” إلى”صدام بين الدول والجاليات” الساكنة في الغرب في بعض جغرافيته الواسعة؟!!
والسؤال الأهم الذي لا يطرح إلا نادراً أو لا يطرح أبداً: ماذا عن اليمين المتطرف لدى العرب والمسلمين أو لدى العالم الثالث ألا يقوم هو أيضاً باشعال حالة الصدام والصراع بشعارته، وأفكاره، الرافضة للأخر وأفكاره، وحقائقه، وقيمه، وحتى وجوده؟؟!!
أخيراً، يبقى السؤال الأزلي في العالم العربي: هل يمكن توقع، على سبيل المثال، وصول مسيحي أو أمازيغي أو كردي في العالم العربي إلى سدة الحكم كرئيس وزراء أو رئيس عبر” صناديق الاقتراع” ذات يوم قادم على منوال حمزة يوسف وريشي سوناك؟؟!!
أستاذ العلوم السياسية / الجامعة الهاشمية