تفاهمات إسرائيلية على حساب الفلسطينيين..محمد ياغي

الجمعة 31 مارس 2023 03:06 م / بتوقيت القدس +2GMT



الاحتجاجات التي عصفت بدولة الاحتلال خلال الفترة الماضية كانت غير مسبوقة في تاريخها من حيث عدد المشاركين وطبيعة الانقسام، والموقف الغربي منها. ورغم أن هذه الاحتجاجات انتهت مؤقتاً وبانتظار التفاهم بين الأطراف المتصارعة على مستقبل القضاء في إسرائيل، إلا أن نهايتها كانت على حساب الفلسطينيين.
لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية تستمر الاحتجاجات قرابة الثلاثة أشهر وبمشاركة مئات الآلاف من الإسرائيليين. هذا حدث يذكرنا في الاحتجاجات التي شملت العديد من الدول العربية العام ٢٠١١، لكنه وبخلافها، لم يكن من أجل تغيير "النظام" ولكن من أجل الحفاظ عليه. وبخلافها، الاحتجاجات لم تنته بحرب أهلية أو بانقلاب عسكري، أو بتدخل دولي عسكري.. ولا ضير هنا من التعلم من الأعداء.
رغم ذلك، كشفت الاحتجاجات عدداً من الحقائق:
هنالك انقسام أفقي عميق داخل المجتمع الإسرائيلي بين المتدينين والعلمانيين. الأكثرية لا زالت علمانية كما أظهره حجم الاحتجاجات، لكن هنالك حضوراً كبيراً للمتدينين الفاشيين داخل المجتمع الإسرائيلي عكسته نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ولهم بلا شك نفوذ كبير داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية تم التعبير عنه في برنامجها بشأن الاستيطان وفي المناصب الوزارية التي حصل عليها هذا الاتجاه.
عدم تنظيم الائتلاف الحاكم في إسرائيل بزعامة نتنياهو احتجاجات كبيرة مؤيدة له خلال الأشهر السابقة وداعمة لمشروعه بتعديل القضاء، رغم الأغلبية المريحة له في البرلمان الإسرائيلي، لا تظهر الحرص على الرغبة في منع الاقتتال في الشارع الإسرائيلي، ولكنها تظهر عدم الانسجام داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية.
المتدينون نظموا تظاهراتهم في إسرائيل وكان هنالك صدام بينهم وبين العلمانيين شاهدناه على شاشات التلفزيون، لكنها لم تكن تظاهرات مدعومة من الليكود الذي يتزعمه نتنياهو. السبب على الأغلب هنا أن حزب الليكود يريد أن يبقي التمايز واضحاً بينه وبين المتدينين، لأن غالبية قاعدته الاجتماعية لا زالت من الوسط العلماني.
علينا ان نلاحظ هنا أن من مصلحة نتنياهو التحالف مع اليمين الإسرائيلي العلماني المعارض، لكن الأخير هو من يرفض التحالف بسبب الصراع على قيادة إسرائيل ولأن نتنياهو متهم بعدد من ملفات الفساد.
استعداد اليمين الإسرائيلي المعارض للتحالف مع الليكود بدون نتنياهو يخبرنا بأن لا فرق في التوجهات السياسية بين المعارضة وبين الحزب الرئيسي الذي يقود الحكومة. بمعنى آخر، المجتمع الإسرائيلي رغم انقسامه العميق على نفسه بين العلمانيين والمتدينين، أصبح مجتمعاً متطرفاً، لا يمكن إيجاد تسوية سياسية معه عبر المفاوضات او الوسطاء، ووجود المتدينين المتطرفين داخل الحكومة، يعكس فقط انتقال جزء مهم من المجتمع الإسرائيلي الى الفكر الفاشي.
أيضاً ردود الفعل الغربية على الاحتجاجات داخل إسرائيل كانت مخالفة لما هو مُعتاد منها. كان من الواضح أن هنالك ميلاً أميركياً-أوروبياً الى المعارضة تم التعبير عنه في بيانات البيت الأبيض التي طالبت "بالتوافق مع المعارضة" على تغيير قانون القضاء الإسرائيلي، وأيضاً فيما نُقِل عن قيام الرئيس بايدن بممارسة ضغوط "سرية" على نتنياهو لإلغاء التعديلات أو تأجيلها الى حين التوافق عليها. الضغوط الأميركية كانت موجودة وكان لافتاً اتهام أطراف في الائتلاف الحكومي الولايات المتحدة بأنها تقف خلف الاحتجاجات وتدعمها.
يمكن أيضاً ملاحظة الضغوط الأوروبية الغربية على نتنياهو وإن كان ذلك بدرجة أقل من تلك التي مارستها أميركا، وهي على أي حال ضغوط غير مباشرة تم التعبير عنها برفض خطط الحكومة الإسرائيلية الحالية بالعودة لعدد من المستوطنات العشوائية التي أخلاها شارون عندما قرر بناء جدار الفصل العنصري.
الموقف الغربي من هذه المسألة مُخزٍ لأن بياناته عبرت عما أسمته تراجع الحكومة الإسرائيلية عن قرار الانفصال من جانب واحد الذي اتخذته حكومة إسرائيل العام ٢٠٠٥، في حين أن الواقع يقول إن الدبابات الإسرائيلية لم تغادر قلب المدن الفلسطينية منذ اتخاذ ذلك القرار، وإن جدار الفصل العنصري كانت نتيجته إلحاق أكثر من عشرة بالمائة من أراضي الضفة الفلسطينية لإسرائيل، بينما تمكنت غزة من منع الدبابات الإسرائيلية من التواجد فيها بتقديم الآلاف من الشهداء والجرحى. بكلمات أخرى، لم يكن هنالك مطلقاً انفصال عن الضفة، لكن كان هنالك ضم لأرض فلسطينية.
الأهم من كل ذلك، ان الاحتجاجات الإسرائيلية انتهت على حساب الشعب الفلسطيني.
الائتلاف الحكومي الإسرائيلي قبِل بتأجيل المصادقة على التعديلات القضائية وبالذهاب للتفاوض مع المعارضة، مقابل تفاهمات داخلية العلني منها هو الموافقة على تشكيل حرس وطني يتبع مباشرة لايتمار بن غفير، وزير الأمن القومي وأحد زعماء الفاشية الدينية الإسرائيلية، ولن يكون تابعاً لقيادة شرطة إسرائيل.
هذا "الحرس" سيتم تشكيله من اليهود المتدينين المستوطنين، حلفاء بن غفير وبتسلئيل سموترييش وزير المالية الذي دعا علناً الى "محو حوارة." سيكون أداة الصهيونية الدينية لارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني بشكل رسمي وبحماية دولة الاحتلال.
هذا هو الاتفاق العلني بين بن غفير ونتنياهو ولا نعرف ان كانت هنالك اتفاقيات سرية بينهما تضاف إلى ما هو متفق عليه مسبقاً من تكثيف الاستيطان في أراضي الضفة والضم التدريجي لمناطق "ج".
في المحصلة تم تجميد أو تأجيل الصراع مؤقتاً بين العلمانيين والمتدينين على تغيير قانون القضاء، لكن ذلك حصل على حساب الشعب الفلسطيني وهو شيء متوقع من الاحتلال الذي انتهى الجدل الداخلي فيه بشأن القضية الفلسطينية مع صعود شارون للحكم العام ٢٠٠١ ، والإجماع الإسرائيلي الذي حصل على منع قيام دولة فلسطينية مستقلة، وعلى ضم أكبر جزء ممكن من الأراضي الفلسطينية بعد التخلص من غزة.