اخـتـبـار أردوغـان الأخـيـر! عبد الله السناوي

السبت 25 مارس 2023 03:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
اخـتـبـار أردوغـان الأخـيـر! عبد الله السناوي



قبيل الانتخابات التركية الوشيكة تتزاحم غيوم السياسة فوق أنقرة وتتراكم تساؤلات المستقبل في الإقليم بأسره.
تركيا في لحظة اضطراب استثنائية بأثر الزلازل المروعة التي ضربت جنوبها، قتلت ودمرت وشردت مئات آلاف الأسر.
والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان في لحظة اختبار غير مسبوقة بحجم تحدياتها وأزماتها، التي تتهدد مستقبله السياسي بعد عشرين سنة متصلة على رأس السلطة.
الانتخابات تكتسب أهميتها من اختبارين رئيسيين:
الأول، وقْع الزلزال وخسائره المهولة على الرأي العام ونظرته إلى مدى مسؤولية أردوغان في توفير إجراءات سلامة المباني التي تهدمت وكفاءة إدارته للأزمة في ظل الترويع العام الذي ضرب البلاد.
الثاني، تراجع الأحوال الاقتصادية وتصدّع قيمة الليرة التركية بعد سنوات من الانتعاش والآمال الواسعة أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً تركياً في الإقليم.
مسؤولية أردوغان تطرح نفسها مجدداً على الرأي العام داخلاً فيها إدارته للملفات الإقليمية المتفجرة في سورية وليبيا والنزاع مع مصر والخليج.
بالحسابات السياسية لما بعد الزلزال لم يعد ممكناً لأنقرة أن تمضي فيما كانت فيه، كأن شيئاً لم يحدث.
الأطراف السياسية المتنافسة في حلبة الانتخابات العامة تدرك جميعها أن شيئاً جوهرياً قد تغير في بنية المجتمع التركي دون أن تكون على يقين من اتجاهاته التصويتية.
السيولة السياسية تغلب المشهد التركي.
المعارضة تعتقد أن فرصتها قد حانت لإزاحة أردوغان عن السلطة، وهو يراهن على صورته كـ«رجل قوي» بوسعه أن يتجاوز المحنة بأقل خسائر ممكنة واثقاً من شعبيته التي دعته إلى عدم تأجيل الانتخابات عن موعدها 14 أيار المقبل.
التوظيف السياسي لمحنة الزلازل حادث لا محالة.
هو نفسه استثمر سياسياً في زلزال آخر استبق صعوده إلى السلطة.
دعواته المتواترة إلى عدم تسييس الزلزال في المعركة الانتخابية لا تعني شيئاً.
لن يتوانى معارضوه عن تسييس الزلازل، وقد نجحوا بشق الأنفس في التوافق على مرشح رئاسي واحد باسم التحالف السداسي بأمل إزاحته.
ذلك الأمل استدعى وحدة المعارضة حول مرشح واحد هو كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، حزب مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، الذي يحوز حالياً الكتلة البرلمانية الثانية بعد الحزب الحاكم «العدالة والتنمية».
لم يكن ذلك أمراً سهلاً، استغرقت اجتماعات ومناوشات المعارضة وقتاً طويلاً حتى استقرت على مرشحها الرئاسي.
الرغبة المشتركة الجامحة في إطاحة أردوغان جعلت التوافق ممكناً.
كليجدار يفتقر إلى الكاريزما والقدرات الخطابية الملهمة، لكنه محنك وقدير ويبدو بديلاً مقنعاً لأردوغان.
المعركة الانتخابية ليست مضمونة هذه المرة.
الملفات كلها مفتوحة أمام الرأي العام التركي والعالم العربي طرف رئيسي فيها.
يدرك أردوغان أنه في حاجة ماسة إلى تصويب البوصلة السياسية والاستراتيجية بالانفتاح على مصر دون إغلاق جميع ملفات التنازع وأخطرها غاز البحر المتوسط وانفتاح مماثل على الخليج بدواعي تنشيط الاقتصاد العليل وتخفيض درجة التوتر في الإقليم.
الحقائق استدعت التغييرات في البوصلة التركية.
الملف الليبي يكتسب خطورته من حجم التدخل التركي فيه والمصالح المرتبطة به.
سواء حصد أردوغان الانتخابات أو خسرها فإن تركيا لن تخلي مواقعها في طرابلس، وسوف تظل لاعباً رئيسياً بأي مدى منظور في حسابات القوة والنفوذ والمستقبل.
ربما يصبح التفاهم أسهل نسبياً إذا ما حصد كليجدار المنصب الرئاسي، لكن الخطوط الرئيسية تظل على حالها.
بصورة أو أخرى فإن المعارضة التركية أميل من أردوغان للتهدئة مع مصر والخليج، حيث ظلت تنتقد على مدى سنوات انحيازاته إلى جماعة «الإخوان المسلمين» إثر إطاحتها من الحكم.
تحت الضغط الداخلي المتواصل أبدى أردوغان استعداداً متصاعداً للتحلل من علاقاته بالجماعة، والتخفف في نفس الوقت من أثقال «العثمانية الجديدة»، وهو تعبير سياسي وأيديولوجي أطلقه أحد رفاقه التاريخيين أحمد داود أوغلو، الذي انشق عليه وهو الآن طرف رئيسي في تحالف المعارضة.
بأية حسابات سياسية كانت الاتصالات والمساعدات العربية التي قدمت لتركيا للتخفيف من فداحة الزلازل، تعبيراً عن التحسن في مستوى العلاقات وإشارةً الى أنها صارت مفتوحة لبناء صفحة جديدة.
سواء نجح أو أخفق أردوغان في السباق الانتخابي فإن هذا التوجه سوف يأخذ مداه.
وقد يساعد التعاطف العربي الواسع مع الشعب السوري، الذي وجد نفسه شبه وحيد تحت صدمة الزلزال، إلى لفت الانتباه أن الوقت قد حان لإنهاء عزلة سورية وتضميد جراحه.
يستلفت الانتباه في المتغيرات التركية توجهها المعلن لفتح صفحة جديدة مع دمشق، اجتماعات أمنية واستخباراتية شبه معلنة، اجتماعات أخرى دبلوماسية في موسكو على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا وسورية وروسيا وإيران تمهيداً لاجتماع على مستوى وزاري ربما يستبق اجتماعاً مقرراً بين الرئيسين التركي والسوري.
إذا ما أصبح كليجدار رئيساً فإنه سوف يمضي أبعد من أردوغان في هذا المنحى التصالحي، فهو طالما انتقد بحدة بالغة المواقف والسياسات الرسمية في الأزمة السورية، وعلاقاته مع النظام السوري تتسم بشيء من الود والتفاهم.
الملف الكردي يطرح نفسه لاعباً رئيسياً في الانتخابات.
الأقلية العرقية الكردية باليقين سوف تصب أصواتها في خانة معارضي أردوغان أملاً في تخفيف معاناتها الداخلية.
قد يميل الغرب إلى التخلص من «صداع أردوغان» وممانعته في ضم السويد وفنلندا إلى حلف «الناتو» على خلفية اتهامه للدولتين بإيواء وحماية جماعات كردية يصنفها على أنها إرهابية.
هكذا فإن برامج وخيارات أردوغان الداخلية الملحة محكومة بأوضاع وحسابات استراتيجية عديدة، بعضها تحبذ بقاءه في السلطة وبعضها الآخر تعمل على إخراجه من المشهد كله.
القضية ليست أن يبقى أو يغادر مقعده الرئاسي، فهذه مسألة يقررها الأتراك أنفسهم في صناديق الاقتراع.
الأهم أن ندرك ما يحدث حولنا في الإقليم المضطرب ومواضع أقدامنا فيه.. وكيف نتصرف وفق مصالحنا العليا وحدها؟